* مقال رغض نشره في مطبوعة محلية، فلم يكن له مكان سوى مدونتي.
حين نتتبع ردود الفعل على ما تنتجه الثقافة والفنون بالسعودية من أعمال، نلاحظ أنها لا تقرأ ضمن سياقاتها الفنية والأدبية، ولكنها تقرأ ضمن سياق خارجي تحتمه الظروف التي يعيشها المجتمع السعودي وبقدرتها على كسر الكم الكبير من التابوهات الاجتماعية التي تواجهه. فحين نأتي للرواية في بدايات بزوغ نجمها في المملكة، نجد ان ثمة روايات توهجت وانتشرت وحصدت مبيعات عالية منذ رواية (بنات الرياض) لأنها اخترقت الاسوار العالية التي كانت تحيط بعالم المرأة السعودية وازاحت الضبابية التي كانت تحول دون اكتشاف هذا العالم، ولم تحصد كل هذا الاهتمام كونها تمتلك مواصفات الرواية المبدعة، وهذا ما يصدق على الروايات التي تبعتها خاصة تلك التي كتبتها نساء مثل رواية (الآخرون)، (نساء المنكر)، وغيرها من الروايات التي لا تعدو كونها مجرد كشاف عن المخبوء من الحياة في السعودية.
ما ينطبق على الرواية، ينطبق أيضا على الأفلام السعودية، فالتطرق لموضوع المرأة السعودية كقيادة السيارات يعتبر معيار نجاح لأي فلم قصير خاصة إذا كان الفلم لإمرأة كما حدث لأفلام هيفاء المنصور وآخرها فلمها (وجدة) الذي وصل للترشح في القائمة الطويلة لجائزة الأوسكار الأمريكية لأفضل فلم أجنبي، والتي تناولت فيها مجموعة من القضايا التي تمس وضع المرأة السعودية، كتعدد الزوجات وقيادة المرأة للدراجة، خاصة وان الفلم فتح أبوابا مغلقة لم يكن يتصور احد أن يلج منها ويشاهد ما يحدث في مدارس البنات.فلم يكن مستوى الفلم الفني هو المعيار ولكن الموضوع الذي طرحه، وإن كنت لا أنكر النقلة النوعية للمخرجة في فلمها هذا.

في المسرح أيضا، يبدو انه دائما ما ينظر للمسرح كونه فنا ناقصا، بسبب غياب المرأة عنه، فغيابها جعل منه مسرحا أعرجا كما قال ناقد عربي مرة، وهو ما يجعله يقرأ على أساس هذا الغياب وليس ما يقدمه هذا المسرح، وأنا متيقن انه سيتحول إلى مسرح طليعي ومسرح مبدع يستحق الجوائز لو انه كان في تماس مع قضايا المرأة السعودية التي شغلت العالم، ولو أن هذا المسرح تحدى هذا التابو وأشرك امرأة في مسرحية ما، دون النظر الى القيمة الفنية لهذه المسرحية.
وذات الأمر ينطبق على الدراما والفنون التشكيلية والفوتوغراف وكل شكل ابداعي ينشط في المشهد الثقافي السعودي، خاصة إذا طاول موضوعة المرأة.
تبدو هذه النظرة النمطية المتكرسة في الوعي الجمعي العربي والعالمي عن المجتمع السعودي، نتيجة ما قيل ويقال عن تحفظ هذا المجتمع وتزمته تجاه المرأة الممنوعة من القيادة والممنوعة من ممارسة حريتها، ستحتاج لوقت لتغييرها وتطبيع النظرة تجاه هذا المجتمع، حتى لا تمارس علينا وصاية ثقافية وفنية لأننا قاصرون، وحتى لا نقرأ بمعايير لا إبداعية وإنما معايير خارجة عن السياق، فلن تقوم إبداعات السعوديين دون نقدها والحكم عليها كما يحكم على إبداعات غيرهم.
اترك تعليقًا