
ما يشغل المسرحيون العرب الآن هو العمل المسرحي الذي يوفر لهم فرصة المشاركة في أي مهرجان محلي كان أو عربي، فباتت المشاركة في مهرجان هي جدوى العمل المسرحي وغايته، وبات عمر العرض قصيراً ينتهي بنهاية المهرجان فيكتفون بعرض أو عرضين رغم عناء التدريبات وطول فترة التحضير. ولم يعد يشغل هؤلاء المسرحيين العمل المسرحي كفعل وممارسة ثقافية سيسولوجية جمالية، ما وسع الشق بين المسرح وبين الجمهور الذي يفترض به أن يكون طرفاً أساساً في معادلة التلقي، فـ« المسرح – وكثيرا ما ننسى ذلك – وجد من أجل الجمهور. فمن الممكن أن نحذف الخشبة والديكور والأثاث ولكننا لا نحذف الجمهور” كما يقول المخرج الفرنسي شارل دولين إن.
في المسرح نقف أمام نوعين، بينهما فوارق في العلاقة مع الجمهور، فالنوع الأول من المسرح والذي يطلق عليه عرفاً (المسرح الجماهيري) أو يطلق عليه أيضاً (المسرح التجاري) وهو المسرح الذي يغلب عليه استخدام المحكية وتناول قضايا اجتماعية وينحو للكوميديا والضحك كشفرة تواصل ناجحة مع الجمهور حتى لو أوغلت الكوميديا في الضحك حد الإسفاف والتهريج، وفي هذا النوع تتجلى الصورة الأنصع في العلاقة الوثيقة بين الجمهور والمسرح؟.
في النوع الآخر من المسرح، نجد الهوة بينه وبين الجمهور، في ما يطلق عليه ـ(مسرح المهرجانات) تارة، و(مسرح النخبة) تارة أخرى، أو (المسرح النوعي) أو (المسرح الثقافي)، لا يهم إذاً ما يطلق على هذا النوع من المسرح الذي قصر عن الارتباط عضوياً مع الجمهور، واقتصرت علاقته بنخبة من الجمهور من مرتادي المهرجانات وممن يملكون القدرة على فك شفرات هذا المسرح، وهم لا يخرجون عن دائرة المسرحيين والمهتمين بالمسرح. فعروض هذا المسرح يغلب عليها الغموض، واستخدام الفصحى على ما فيها من بلاغة وجزالة وفخامة قد تكون خارج سياق مألوف الجمهور العادي، والحوارات السردية المطولة، ويغلب عليها الجدية المفرطة، وهذه السمات قد لا تبدو مغرية لجمهور يبحث في المسرح عن الترفيه وقضاء متعة ممزوجة ببعض القيمة.
لم يبحث المسرحيون المشغولون بالتحضير لعروض المهرجانات، عن مفاتيح الوصول للجمهور خارج دائرة المسرحيين أو النخبة، فالهاجس الأكبر أغفلهم عن تقديم عروض مسرحية تقف بين النوعين، بحيث لا تتنازل عن القيمة الفنية والجمالية والقيمة الفكرية، ولا تنجر وراء رغبة الجمهور الذي اعتاد على فجاجة الكوميديا التي تقدمها عروض المسرح الجماهيري، شرط أن لا تنفذ هذه العروض بغية المشاركة في مهرجان وتؤول بعدها للذاكرة، بل تكون عروضاً مستمرة تسهم في تأسيس حراك مسرحي حقيقي مبني على التجربة والتراكم والتواصل. بدل الشكوى من ابتعاد الجمهور عن المسرح وهجرانه صالات العرض، واتهام الجمهور بالضحالة الفكرية وهبوط مستوى الذائقة.
عروض المهرجانات لا يمكنها-في الحقيقة- أن تشكل حالة مسرحية ولا حركة متواصلة متصلة مع الجمهور، ولا أن تشكل ورشة اختبار مستمرة لذائقة الجمهور ولا لتجريب أدوات المسرح. عروض المهرجانات هي أشبه بحالة استعراضية أفقدت المسرح روحه، يهدر فيها وقت وجهد الممثل والطاقم لأجل فرصة قد لا تجيء، وقد تجيء وتنتهي في دوامة التحكيم والجوائز والندوات التطبيقية البعيدة تماماً عن متطلبات الجمهور.
اترك تعليقًا