قراءة في عرض (في عرض البحر)- البحرين

 

فر عرض البحر

يبدو نص البولوني سلاوفومير مروجيك (1930-2013) (في عرض البحر) أو (في أعالي البحار) أو(البحر الفسيح) حسب الترجمات العربية المختلفة، نصاً يغري على الاشتغال المسرحي، لما يحمله من أفكار لا تقف عند جغرافية معينة ولا زمن معين، فالنص يظل نابضاً بالحياة وسط كل تعقيدات الحياة التي نعيشها ووسط المتغيرات السياسية التي نشهدها حول العالم. يقترب النص من نصوص مسرح اللامعقول، حيث اعتمد مروجيك على هذا الشكل المسرحي في الكتابة في أغلب نصوصه، إذ وجده الشكل الأجدى لتقديم أطروحاته وأفكاره وسخرياته اللاذعة من الأوضاع السياسية التي عاشها إبان الحكم الشيوعي لبولندا والذي اضطره للهرب لعقدين من الزمن متنقلاً بين ايطاليا وفرنسا والمكسيك.

في النص الذي اختاره المخرج البحريني الشاب هاشم العلوي ليقدمه ضمن مهرجان الريف المسرحي الثامن في الفترة بين 21-28 مايو 2014، تتجلى السخرية الحادة من مفاهيم سياسية مجتزأة ومشوهة، سخرية تنم عن عدم رضا عن أوضاع سياسية قد تكون ظاهرها ممارسات سياسية مشروعة وطبيعية ولكنها تتجاوز العدالة والحقوق. لا تزدحم نصوص مروجيك بالشخصيات، بل أنه متقشف، فنصه (المهاجران) الذي قدم في غير بلد، لشخصيتين فقط في مكان محصور ومعزول، كما هو الحال في نصه (في عرض البحر)، ثلاث شخصيات رئيسة يقوم عليها الحدث، وإن كان لا حدث بمعناه المنطقي، فما يحرك العرض هو الكلام، الحوار سيد المسرحية، ثلاث شخصيات وجدوا أنفسهم في عرض البحر بعد غرق سفينتهم أو بعد طوفان، تائهون وسط بحر فسيح، شخصيات من ثلاث بيئات مختلفة، من ثلاث خلفيات اجتماعية وثقافية وفكرية مختلفة، وجدوا أنفسهم في مواجهة بعضهم البعض، وفي مواجهة التيه، يصلون لمرحلة الجوع، وهنا تبدأ المسرحية، دون مقدمات، الدخول في صلب الموضوع مباشرة. بعد الجوع تظهر تلك الشهوة الحيوانية الوحشية لأكل أحدهم، لا مبرر منطقي لهذه الحل للقضاء على الجوع، ولكن لا منطق في اللامعقول. الصراع في النص مبني على اختيار من يؤكل من الثلاثة، فكيف سيتم الاختيار، وهنا يبدأ التهكم المباشر والصريح على الممارسات السياسية، كالديمقراطية ومفهومها المجتزيء، انتخابات تسبقها حملة انتخابية يبعد كل واحد عن نفسه خطر أن يؤكل، تفشل الانتخابات بسبب التزوير في صندوق الاقتراع، يقترحون خيارات أخرى وأخرى للوصول إلى من يؤول إلى معدة اثنين منهم، هنا يتضح الصراع بين التسلط الذي يمثله (البدين) وبين الضعف وقلة الحيلة الذي يمثله (الصغير) والانتهازية التي يمثلها المتوسط. المسرحية تحاكم النوازع البشرية السلبية بل تلك النوازع الشريرة التي تخرج الانسان من فطريته وبراءته، وتحوله لكائن انتهازي لا يهتم سوى بتحقيق رغباته حتى لو كانت على حساب إنسانيته.

اشتغال هاشم العلوي على هذا النص يعد مغامرة، وتكمن هذه المغامرة في التعامل مع نص يبدو إذاعياً، قائم على الكلام والحوارات ولا فعل فيه ولا حركة ولا أحداث تتوالى تحرك سكون النص، المغامرة نجحت في اثبات قدرة هاشم كمخرج، حيث تجاوز إذاعية النص وقدم مقترحات إخراجية على مستوى تأثيث المكان المسرحي، وعلى مستوى أداء الممثلين ورسم حركتهم رغم محدودية مساحة الأداء، وكان يمكن أن تقع المسرحية في الثرثرة لو لم يعِ مخرج العمل لمغامرته.

المسرحية تدور وسط البحر، فوق قطعة خشبية تعلقت بها الشخصيات الثلاث، في هذا المكان المسرحي تكون الحركة محدودة، فلم يبالغ مخرج المسرحية في تضخيم اللوح ليكون التركيز أكثر على المكان المسرحي، فأكثر العروض التي قدمت عن هذا النص اختزلت المكان المسرحي في مساحة محدودة جداً وليست باتساع خشبة الصالة الثقافية، مع هذا تمكن هاشم من تجاوز هذا الاتساع بإعطائنا إيحاءً بوجودنا وسط البحر باستخدام الأكياس البلاستيكية المملوءة بالهواء والتي غطت كامل الخشبة، كان لهذا المقترح السينوغرافي جماليته، بالإضافة لجمالية الإضافة التي يقدمها الشراع وصاريته وسط الخشبة، رغم أنه لم يوظف بشكل أكبر كعنصر سينوغرافي في سياق العرض، كان يمكن لوجوده أن يضفي جمالية أكبر على العرض لو اشتغل عليه، مع هذا لم تكن إضاءة المسرحية ذات معنى سوى كونها إضاءة مسطحة ولم تشكل بعدا جماليا ولا درامياً، رغم أهميتها لرفع مستوى العرض بصرياً بجانب النص المسرحي.

أكثر ما ميز العرض أداء الممثلين الذين شدونا أكثر للعرض ولم يتركوا لنا كمتفرجين مساحة للتململ الذي دائما ما يكون سمة المسرحيات المعتمدة على الحوارات بالدرجة الأولى، فكان الانسجام واضحا بين ممثلي المسرحية (مهدي سلمان، علي يحيى وهاشم العلوي)،

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: