جريدة القدس العربي-باريس ـ حميد عقبي
يقود الحديث عن المسرح السعودي إلى تفاصيل كثيرة. وعلى الرغم من مغامرة شباب سعودي متحمس، للعمل في هذا الفن، إلا أن غالبيتهم غير متفائلة. النوايا الحسنة لا تصنع مسرحاً ولا تصنع معجزات، والحكومات العربية مشغولة بحروبها، هذا ما يقوله الكاتب المسرحي السعودي عباس الحايك، في حديث مع «القدس العربي»، كاشفاً قائمة طويلة من العراقيل التي تواجه الفنانين السعوديين.
وهنا نص الحوار:
■ في كل سنة نسمع تصريحات كثيرة عن برامج طموحة لتطوير المسرح السعودي، ماذا يحدث بالضبط؟ وما العراقيل وهل من حلول؟
□ الحديث عن المسرح السعودي حديث ذو شجون. المسرح أثبتت الوثائق أنه بدأ منذ بداية القرن العشرين وبالتحديد في عام 1928 من خلال المسرح المدرسي، و يواجه حتى الآن مشكلات تتراكم يوماً بعد يوم، ولا أستشعر أملاً في حل كل تلك المشكلات. لم يوضع حتى الآن المسرح ضمن استراتيجيات التنمية والبرامج التطويرية، وثاني المشكلات وجود تيار لا يزال يقف ضد المسرح وضد وقوف المرأة على الخشبة.
■ هل للأعمال التي تُعرض مسارات فكرية وجمالية واضحة؟
□ في المسرح السعودي هناك اتجاهان: أولهما المسرح الاجتماعي أو ما يسمى بالجماهيري، الذي يتسم بالكوميديا بالدرجة الأولى، وهذا الاتجاه يعتمد على السهل الممتنع في تناول القضايا الاجتماعية والكثير منها آنية، يحاول أن ينقل ما يدور في أروقة المجالس وأروقة مواقع التواصل، وأغلبها بشكل سطحي من دون أن يتوغل في عمق هذه القضايا ويطرحها فكرياً، ولا يعنى بأي بعد جمالي، مسرحيات تنتهي بمجرد انتهاء عرضها. الاتجاه الآخر الذي ظهر في بدايات الثمانينيات، خاصة بعض انتشار تيار التجريب المسرحي، وفتح نوافذ للمسرحيين السعوديين عبر المهرجانات العربية مثل قرطاج ومهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، وهذا الاتجاه نزع للاشتغال على الجانب الفكري في النص المسرحي وعلى البصري في العرض.
■ البعض يعترف بوجود أزمة نص مسرحي والبعض يرى وجود إسهالات نصية تتدفق عبر الفايسبوك لكنها فارغة وضعيفة، ما هي رؤيتك للنص المسرحي السعودي اليوم؟
□ النص السعودي مميز، وأكبر دلالة على ذلك حضور هذا النص بالتحديد خارج الخشبات السعودية، فعدد لا بأس به من النصوص السعودية اختيرت من قبل مخرجين خليجيين وعرباً لتقديمها في بلدانهم، وفاز بعضها بجوائز في مهرجانات عربية. كما كان النص السعودي مادة بحثية في مقالات وكتب وأطروحات جامعية، وقد اختارت الهيئة العربية للمسرح 9 نصوص سعودية لأهم 9 أسماء لطباعتها في كتاب مستقل، كما اختارت وطفاء حمادي النص السعودي لتتناوله بالبحث في كتابها «المسرح السعودي.. مسارات التطور واتجاهاته مسرح الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون ..نموذجاً» حيث تبدى لها غنى ثيمات هذه النصوص وتنوع أساليبها وتعدد مدارسها، ما يؤكد أن هذا «المسرح في المملكة يرسخ فكرة وجود مسرح نوعي وجاد يواكب المسرح المتطور في العالم العربي».
وهذا لا ينفي أبداً وجود نصوص هي أقرب للإسهالات النصية الفارغة من المضمون.
■ يسارع البعض إلى وصف أعمالهم بعبارات تجريبي وما بعد الحداثة، هل وصلت فعلاً بعض التجارب الشبابية إلى هذه التعريفات؟
□ شخصياً لا أحبذ التصنيف ولست معنياً به، وأرى أن المعنيين هم النقاد، ككاتب يهمني ان أعبر بالكلمات، أكتب نصوصي التي تستفزني أفكارها بدون أن أضعها تحت أي تصنيف. فحين كتبت أول نصوصي التي فازت بجائزة الشارقة للإبداع العربي، والتي قدمت في افتتاح مهرجان الشارقة 2003 «فصول من عذابات الشيخ أحمد» كانت تعنيني الفكرة نفسها، فكرة مقاومة الاحتلال أيا كان نوعه. وحين كتبت «المزبلة الفاضلة» لم أضع النص ضمن أي تصنيف، ولا يزال هذا النص حياً يقدم في مسارح عربية بلغته الفصحى أو بلهجات محكية، فالنص قدم في معظم الدول العربية من المغرب إلى الخليج.
مشكلة الشباب هوسهم بالتصنيف، هوسهم بالبحث عن الفرادة وليس التجربة.
■ هل أفسدت الفضائيات ذائقة الجمهور العربي؟ وهل الهيئات المسرحية الرسمية تعي أن هناك أزمة؟
ـ نعم، أفسدت، وأكملها اليوتيوب، الفضائيات كان الوضع عندها متفلتاً لا يخضع لمعايير فنية، فأصبحت تعرض ما هب ودب، وأصبحت تصنع نجوماً لا يمتلكون موهبة، ففرضت علينا هذه الفضائيات أعمالاً درامية ساذجة أفسدت الذائقة وحولت هذه الأعمال إلى نماذج للفن.
■ البعض يرى أن بعض الجوائز للمشاركات المسرحية السعودية في المهرجانات العربية يأتي كتشجيع وليس نتيجة الجودة الفنية؟
□ هذا الطرح فيه ظلم، المسرح السعودي ليس بهذا السوء ليحصل على جوائز تشجيعية فقط. التجارب المسرحية السعــودية الأخيرة استطاعت أن تثبت علو كعب المسرح السعودي، رغم كل العراقيل والعقبات التي تواجهه.
■ ماذا عن الأفلام السينمائية السعودية؟ إلى أين وصلت التجربة؟
□ الشباب السعوديون أثبتوا هوسهم بالسينما، خاصة أفلام هوليوود، فهم يشدون الرحال لدول خليجية قريبة لمتابعة جديد السينما عبر صالاتها، ويتابعون أيضاً ما يتاح لهم عبر شبكة الإنترنت والبرامج الخاصة بالأفلام، ما شكل وعياً لدى بعضهم بالسينما وحفزهم للدخول إلى عالمها من باب الأفلام القصيرة، وما أتاح لهم ذلك رخص الكاميرات الرقمية وبرامج المونتاج وسهولة الحصول عليها، فبدأوا بإنتاج أفلام قصيرة شاركوا بها في مهرجانات خليجية، مثل مهرجان أفلام الإمارات ومهرجان الخليج السينمائي وغيرها، وانتقلوا بعدها للمهرجانات العالمية بأفلامهم القصيرة. كما أن العديد من الشباب السعودي اتجه لدراسة السينما في أمريكا مستفيداً من برنامج الابتعاث، وبدأ من هناك إنتاج أفلام وصقل مواهبه بالدخول إلى عالم السينما الأمريكية.
كما أن وجود مهرجانات محلية سينمائية مثل مهرجان أفلام السعودية الذي أقيمت منه دورتان في الدمام، ومهرجان الفيلم السعودي في جدة، واستضافة قناتي «روتانا أفلام» و»إم بي سي» لبرامج تعنى بعرض الأفلام تنافست فيها أفلام سعودية على الجوائز، حرك الساكن وحفز المهجوسين بالأفلام لتجربة إمكاناتهم. ولكن ننتظر كسعوديين أن تتاح الفرصة لافتتاح صالات عرض وعرض أفلام روائية طويلة ذات جودة عالية.
■ ما الجديد على الساحة السينمائية والمسرحية السعودية؟
□ على مستوى المسرح، هناك تحضيرات لإقامة مهرجانين مسرحيين.أولهما في الطائف وهو خاص بنشاط المسرح في مهرجان الجنادرية، وهي المرة الثانية التي يقام فيها المهرجان في الطائف بمشاركة عدد من العروض المسرحية السعودية، والمهرجان الثاني هو مهرجان مسرح الدمام الذي سيقام في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وينتظر الإعلان عنه وعن تفصيلاته قريباً، كما أن هناك عدة عروض يتم التحضير لها للمشاركة في المواسم المسرحية مثل، الأعياد والإجازة الصيفية أو للمشاركة في المهرجانات الخليجية والعربية، كما انتهت للتو عروض مسرحية «حــــبل غســــيل» وهي مسرحية ارتجالية تنتمي لمسرح الـ play back وكانت تجربة جديدة على المس.
على مستوى الأفلام، ما زال هناك من ينشط في تصوير أفلام قصيرة في أكثر من مدينة سعودية استعداداً للمشاركة في مهرجانات سينمائية.
■ ما نظرتك للمستقبل؟
□ لست متفائلاً بشكل كبير، أخاف من قلة تفاؤلي، ولكن أتمنى أن يتغير الحال، أتمنى أن يضع المسؤولون نصب أعينهم جدوى الفنون ومساهمتها في خلق حالة.
اترك تعليقًا