
اعتدنا أن ننظر للأمور بمنظار النصف الفارغ من الكأس، إذ نبحث دائمًا عن الجوانب السلبية لأي ظاهرة، أو لأي جديد يطرأ، أو يظهر علينا. ومنها نظرتنا للتقنية الحديثة وما أفرزته من أجهزة متطورة أو برامج أو تطبيقات للهواتف. فكما تعرضت برامج المحادثات في بدايات ظهورها على أجهزة الكمبيوتر لهجوم لاذع من كُتَّاب وتربويين واختصاصيين اجتماعيين، واجهت المنتديات آنذاك نفس الهجوم، ثم واجهته التطبيقات التي ظهرت مع انتقال هواتف الجوال إلى مرحلة الهواتف الذكية، كبرامج الواتساب وغيرها مما وضعها تحت خانة )السوشيال ميديا( أو وسائل التواصل الاجتماعي. وما زالت حتى هذا اليوم يُنظر إليها نظرة استهجان تتهمها بأن دورها فقط إفساد الذائقة وتحويل أشخاص لا يحملون فكرًا إلى نجوم.
وقد تعود هذه النظرة الجاهزة لكل ما هو جديد، ربما للاستخدام السلبي وإغفال الجانب الإيجابي لهذه البرامج مثلاً. فلا ينكر أن أصحاب هذه البرامج لم يطلقوها إلا لتسهيل عملية التواصل بين الناس، بدي أقل تكلفة من التواصل الصوتي عبر الاتصال الهاتفي، فهذه البرامج والتطبيقات اختصرت لنا المسافات وحوَّلت العالم بشكل حقيقي لقرية صغيرة متاحة بين أصابعنا. ولكن البعض لا بد أن يبحث عن زاوية أخرى لاستخدام هذه البرامج والتطبيقات بشكل سلبي أو حتى بشع يفسد الصورة المفترضة لها. وكم فاض من حبر للتعبير عن استهجان ما أفرزته هذه البرامج في مجتمعنا من نماذج ومواقف وحكايات وقضايا تقبع في النصف الفارغ من الكأس.
وهنا سأتحدث عن تجربتي الشخصية منذ أن ولجت إلى هذا العالم، فأنا منذ البدء حاولت النظر للنصف الممتلئ ولكني لم أغفل أبدًا آثار هذه البرامج السلبية اجتماعيًا وتربويًا وسلوكيًا، بل كنت أحاول أن أستفيد مما أتاحته لي التقنية لتكون معينًا معرفيًا لي بجانب القراءة، وهذا لا يعني انجراري لكل ما ينُشر في هذه الوسائل وجزمي بصحته، بل هي مجرد مفاتيح للبحث والتقصي.
فمن خلالها، تعرفت على مهارات جديدة، ومن خلالها مثلاً تعرفت على أمكنة جديدة دفعني ما يُنشر فيها للبحث عنها والتعمق أكثر. هذه البرامج وسأقول بالتحديد )السناب شات( خاصة وأنه التطبيق الكاسح الذي قيل عنه كثيرًا من كشفه لخصوصية البيوت ومن تغييره لسلوكياتنا الاجتماعية وما إلى ذلك من قائمة طويلة من سلبيات، فتحت لي نوافذ جديدة لم آلفها، عرفتني على شخصيات محفزة، وشخصيات تستخدم هذه البرامج لمشاركة المعرفة لا مشاركات اليوميات التي قد لا تهم كثيرين، من هذه البرامج تعرفت على جديد السينما والمسرح والكتب، وعلى طرق تنظيم رحلة سفر ناجحة، وعلى دروس في الفوتوغراف والمونتاج وغيرها من المعارف التي أحتاجها شخصيًا.
كل هذا ليس متاحًا إلَّا إذا وعينا أهمية هذه البرامج، فلم تبتكر فقط للتسلية والترفيه الطارئ، بل جمعت بين الجانب المعرفي والترفيهي إضافة لمبدأ التواصل الاجتماعي. نحتاج أن ننظر لتطبيقات التواصل الاجتماعي نظرة الكأس الممتلئ لنتعامل معها دون ريبة.
*نشر في القافلة الاسبوعية الخميس 5 محرم 1438 ه، 6 أكتوبر 2016 م
اترك تعليقًا