*نشر المقال في مجلة الفيصل الشهرية في عدد يناير 2018

المسرح السعودي ينشط ضمن مسارين، المسار الأول هو مسار المسرح الجماهيري الذي يقدم في المناسبات مثل الأعياد أو الإجازات الرسمية، وهذا المسار يقدم مسرحاً كوميديا يلامس قضايا المجتمع ويتجاوز الكوميديا إلى كوميديا الفارس أو التهريج وهو ما يعرف بالمسرح الجماهيري، المسار الآخر هو مسار المسرح النوعي أو مسرح المهرجانات، وهو الذي يقدم عروضاً مسرحية تبتعد غالباً عن ملامسة القضايا الاجتماعية المحلية إلى قضايا إنسانية أكثر شمولية، ومنصتها المهرجانات المسرحية محلية كانت أو خارجية، وهذا النوع من المسرح لا يشاهده على الأغلب الجمهور بشتى أطيافه، بل تقتصر مشاهدته على طيف واحد هو طيف المسرحيين والمهتمين أو ضيوف المهرجانات. والمألوف أن المسارين لا تُقدم ضمنهما عروض متكررة ومتواصلة، خاصة مسار المهرجانات، حيث يتدرب الطاقم لأسابيع من أجل عرض واحد أو اثنين فقط، أو أن تنجز المسرحيات لغاية المشاركة في مهرجان. بينما في المسرح الجماهيري تتكرر العروض وقد تصل في أحسن حال إلى عشرة عروض.
مسرحية (حبل غسيل)، تجاوزت هذا المألوف في عروضها حتى كتابة هذا المقال إلى 71 عرضا مسرحياً جابت بها الفرقة مدنا سعودية، وشاركت في مهرجانات متنوعة مثل مهرجانات مسك الخيرية أو مزايين الإبل أو في عروضها الاسبوعية التي يحتضنها فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام. وهنا تكمن فرادة هذه المسرحية، فلم يتأت لأي مسرحية سعودية أن تصل لهذا الرقم في تعداد العروض. وتكمن فرادتها أيضاً في اعتمادها على مبدأ الارتجال، وانضوائها تحت مفهوم مسرح البلاي باك Playback Theatre .
بدأ مسرح البلاي باك أولاً في العام 1975 في نيويورك بواسطة جوناثن فوكس Jonathan Fox ، وقد بدأ فوكس هذا النوع من المسرح الذي كان امتداداً للمسرح الارتجالي ومسرح ما يعرف بالحكواتي عند العرب أو الـ oral traditional storytelling ، مع زميلته الناشطة الاجتماعية والكاتبة جو سالس Jo Salas وبعض المسرحيين التي كونوا الفرقة الأولى لمسرح البلاي باك. ويعرّف مركز البلاي باك playback center هذا المسرح بأنه “شكل من أشكال المسرح الارتجالي، حيث يحكي الجمهور أو أفراد المجموعات قصصاً من حياتهم، ثم يشاهدونها تُجسد على المسرح” (1).
وأستخدم هذا النوع من المسرح في الأساس في مجالات تعليمية، وعلاجية، وللورش التدريبية للمسرحيين الجدد، بالإضافة للتعبير عن القضايا الاجتماعية. ولتكريس هذه النمط المسرحي أخذت الفرقة التي تأسست، عروضها إلى المدارس والسجون ودور المسنين والمؤتمرات والمهرجانات في محاولة لتشجيع الناس على سرد قصصهم، وقدمت هذه العروض دوريا بشكل شهري، وحتى هذا اليوم، فالفرقة تحولت إلى مركز لمسرح البلاي باك، تقدم فيه دورات وورش في مهارات الارتجال.
استغراب ودهشة
في الوطن العربي، قدم مسرح البلاي باك في أكثر من دولة عربية من بينها فلسطين عبر عروض فرقة مسرح انسمبل فرينج في الناصرة في العام 2012، وفي مصر يقوم ستوديو عماد الدين بتنظيم دورات متواصلة في فنون الأداء وتقنيات مسرح البلاي باك. أما في الخليج فلم يظهر هذا النمط المسرحي إلا من خلال مجموعة مسرحية (حبل غسيل) إذا استثنينا تجارب الارتجال الأولى المؤسسة للمسرح في الخليج، وهي بعيدة عن مفهوم مسرح البلاي باك. وكانت (حبل غسيل) أثارت الاستغراب والدهشة والتساؤلات حين انطلقت الفرقة بأول عروضهاالمسرحية. فكيف يمكن لمجموعة من الممثلين ارتجال مشهد مسرحي قائم على فكرة أو حكاية أو حلم بالتشارك مع الجمهور دون تنسيق ولا ترتيب مسبق ولا نص، ارتجال ابن لحظته، حيث قدموا مادة مسرحية كوميدية تناسب طبيعة الجمهور السعودي الميال للكوميديا والضحك في المسرح، وهذا ما وعته الفرقة واستثمرته لترفع من رصيد تواصلها مع هذا الجمهور.
يقول مخرج هذه التجربة الفريدة المخرج البريطاني الأردني محمد الجراح عن بداية الانطلاقة “الفكرة بدأت عندما أحسست بان المسرحيات السعودية التي تعرض غير مشبعة للجمهور ومدة عرضها لا يزيد عن عرض أو عرضين وموضوع المسرحيات المقدمة أيضا نوعا ما صعب، ومن هنا جاءت حبل غسيل بسهولة طرحها وقربها من الجمهور. إضافة إلى الخروج عن العروض التقليدية المعروفة لدى الناس بوجود نص مكتوب جاهز. جاءت الفكرة لإعطاء الفرصة للجمهور للتحكم بموضوع العرض من خلال طرح أفكارهم وقضاياهم ومشاكلهم وأحلامهم.”

اترك تعليقًا