مسرحية من مشهد واحد
الشخصيات:
جودي: فاشينستا مشهورة تهتم بالأزياء والعطورات
جمانة: طباخة لديها متجر على الانترنت
ديما: ممثلة مسرحية
روان: روائية مثقفة
الحارسة
موسيقى مناسبة للنوم والاسترخاء، ثم يضاء المسرح إضاءة خفيفة على أربع مستطيلات متوزعة على المسرح تشكل أسرة نوم، وترى الأسرة أفقيا، وعلى كل سرير تنام واحدة من الشخصيات الأربع، جمانة وديما وروان وجودي، وكل واحدة منهن تنام بشكل مختلف على وسائدهن، وهن متغطيات ببطانيات، تستمر الموسيقى ثم تضاء خلفية المسرح بشكل تدريجي دلالة على أن الشمس قد أشرقت، وتتبدل موسيقى الاسترخاء إلى أصوات زقزقة عصافير الصباح. يسمع صوت رنين منبه، تستيقظ جمانة أولا، تتمطى، ترفع البطانية عنها، وتترك السرير، المنبه يتواصل رنينه، ويبدو الانزعاج على جمانة، تبحث حولها لا تجد شيئا، ثم تركض حول المسرح، تبحث عن المنبه الذي يتواصل رنينه، في هذه الأثناء تستيقظ ديما من نومها منزعجة، تبعد البطانية، تنتبه لجمانة التي تركض حول المكان بحثا، تتأفف
ديما: (بضيق) كل يوم على نفس الحالة، تستيقظين وتبحثين عن المنبه.
تتوقف جمانة، وتتجه لديما
جمانة: وهل تريدينني أن أترك الرنين يدوم، ويدوم. كل يوم يغيرون مكانه.
ديما: سيكف عن الرنين حتى نستيقظ جميعنا
جمانة: أنتن لا تستيقظن بسرعة، يظل المنبه يرن ويرن، وأنتن في سابع نومة.
ديما: أيقظيهما حتى يصمت هذا الرنين.
جمانة: لماذا لا نبحث عن المنبه ونسكته؟.
ديما: وأين ستجدينه يا جمانة، مكانه يتغير، الأفضل أن تستيقظا.
جمانة تتوجه لسرير روان
جمانة: (وهي قريبة من روان) روان، روان.. استيقظي أرجوك
ثم تتجه لسرير جودي
جمانة: جودي. جودي، استيقظي، الشمس أشرقت وأنت ما زلت نائمة.
تتحرك جودي وتتغطى ولا تستيقظ، تتأفف جمانة وتعود لروان
جمانة: أرجوك يا روان، أرجوك استيقظي. سينفجر رأسي من هذا الرنين.
تتجه لجودي وتهزها
جمانة: جودي، استيقظي، ألا تسمعين المنبه؟. نومك ثقيل جدا.
تبعد جمانة البطانية عن جودي لكنها تسحبه وتتغطى، جمانة تتجه لمقدمة المسرح غاضبة
جمانة: (بغضب تصرخ) استيقظا، ألا تسمعان رنين المنبه؟، يكفي
تضع يديها على أذنيها، وفي نفس الوقت تستيقظ جودي وروان، فيصمت صوت الرنين، وجمانة ما تزال تغلق أذنيها، تتجه لها ديما، تهزها بهدوء، تدير جمانة وجهها لديما، تنتبه أن روان وجودي استيقظتا، تبعد يديها عن أذنيها، تبتسم
جمانة: (بسعادة) سكت، سكت الرنين. أخيرا سكت الرنين
ديما: سكت الرنين، وكل ما نحتاجه أن تسكتي أنت عن صراخك
روان: لقد أفزعتني، لماذا تصرخين؟.
جمانة: لا أتحمل صوت الرنين، أتفهمن؟.
جودي: هو مجرد رنين، نسمعه كل يوم، نتجاهله كل يوم وكأننا لا نسمعه.
جمانة: من قال أنه مجرد رنين. لا، ليس رنينا عاديا يداعب مخيلة النائم ليوقظه من نومه.
جودي: تبالغين يا جمانة.
جمانة: لا أبالغ، أكره الرنين، أخاف منه، أضعف، أقلق، تتصاعد أنفاسي. منذ كنت طفلة وأنا عودت نفسي أن استيقظ بلا رنين منبه.
روان: انتهى الرنين، وها نحن استيقظنا، هيا نتجهز ليوم طويل.
ديما: (بسخرية) يوم طويل؟، هو مثل كل الأيام منذ جئنا إلى هنا. كل يوم يشبه سابقه.
يتجهن إلى مستطيلاتهن، التي تتحول بطريقة إخراجية إلى ما يشبه المغسلة والمرآة، يفرشن أسنانهن، يصففن شعورهن. يغسلن وجوههن، بشكل إيقاعي، ينتهين، يبعدن المستطيلات إلى عمق المسرح، ثم يتوقفن في مقدمة المسرح. يسمع صوت خطوات تقترب، ينتبهن للخطوات
ديما: جاءت
روان: في نفس التوقيت اليومي
جودي: لا تتأخر ثانية، ولا تتقدم ثانية.
جمانة: كالساعة. لذلك لا أحبها
ديما: كلنا، لا نحبها، بينما نحب الساعة
جودي: أنا اعتدت عليها، صرت لا أحبها ولا أكرهها.
روان: شخصية غريبة، وراءها حكاية، لا بد يوما أن أعرفها. وربما أكتبها يوما في رواية من رواياتي.
ديما: ويوما ما سأجسد شخصيتها في مسرحية من مسرحياتي
جمانة: (وهي تضع اصبعها على فمها) أش، لقد وصلت
تقترب الخطوات، والأربع يقفن مستعدات منتظرات، تدخل الحارسة وهي ترتدي ملابس أمن، وهي تلوح بعصا في يدها، تقرب منهن، وكلما مرت بواحدة تتوقف لتطالعها كأنها قائدة عسكرية. تبدأ بجمانة التي تقف ساكنة في مكانها، تطالعها الحارسة، ثم تنتقل لديما التي تقف بكل ثقة، ثم تصل لروان التي تقف بشكل طبيعي، بينما تقف جودي وقفة فيها بعض الغنج
الحارسة: (بحدة لجودي) كل هذا الوقت التي قضيتيه هنا ولم تتعلمي كيف تقفين.
جودي: لن أغير طريقة وقوفي مهما حدث، ثم أننا لسنا في فرقة عسكرية لتفرضي علينا شكل وقوفنا.
الحارسة: المكان له حرمته.
ديما: وهل دنسنا حرمة المكان بشكل وقوفنا؟
الحارسة: نعم. أنتن هنا منذ وقت طويل، ولم تعرفن حتى الآن قوانين المكان؟
روان: نعرفها، ولا نريد التقيد بها. نشعر بالملل من كل هذه القوانين التي لا فائدة ولا نفع منها.
الحارسة: (بحدة لروان) كيف تجرؤين؟
روان: لا قانون من قوانينك يمنع الجرأة.
جمانة: (للحارسة) إنهِ كل ما تريدين قوله، ذات الكلام اليومي المكرر.
الحارسة: صرت مثلهم يا جمانة.
جمانة: من عاشر الناس أربعين يوما، صار منهم، وأنا منذ..، لا أدري منذ متى وأنا معهن، بالتأكيد سأصير منهن.
الحارسة: كنت لطيفة جدا
الحارسة تقترب من جمانة وتواجهها
جمانة: (بغضب) وهل ترينني شريرة بأنياب حادة، ومخالب وحوش؟
الحارسة: (بارتباك) لم أقصد.. لكن
روان: لكن، لننتهي من هذا كله، لينشغل كل منا بعمله
الحارسة: أي عمل؟، ما الذي تفعلنه طوال اليوم.
ينظرن لبعضهن البعض في حيرة
الحارسة: لا تفعلن أي شيء.
جودي: وما الذي نفعله في هذا المكان؟، وما الذي تريدين أن نفعله؟. نحن قادرات على فعل أي شيء. كل واحدة منا تملك ما لا تملكينه أنت.
الحارسة تقترب من جودي
الحارسة: لكنك لا تملكين أي شيء الآن. أنت مجردة من كل ما تملكينه. كلكن مثلها.
ديما: ولماذا كل ذلك، لماذا نحن بالتحديد؟، لقد سئمنا.
الحارسة تضحك وتواجه ديما
الحارسة: من قال أن المكان لكن وحدكن، يخضع لهذه التجربة الكثيرون والكثيرات. لكننا اخترناكن أنتن الأربع لتكونن معا في غرفة واحدة. وقد نجحنا في أن نجعلكن تتعايشن مع بعضكن البعض رغم اختلافكن.
تهم بالمغادرة، بينما الاستغراب على وجوه الأربع، روان تتجه ناحية الحارسة
روان: ما الذي تقصدينه؟، أنا لم أفهم ما ترمين إليه.
الحارسة: (وهي تنظر لروان) ستعرفين كل شيء، ستكتشفين كل شيء مع الوقت يا سيدة روان.
تغادر الحارسة فتسمع خطواتها مغادرة المكان. روان تنظر لمكان خروج الحارسة
روان: ما الذي تقصده؟
جودي: لو كنا نعرف، لأخبرناك. يفترض أن تكوني أكثرنا فهما وثقافة، ألست الروائية الكبيرة التي صدرت لك روايات تباع في كل المكتبات. وتتصدر الرفوف؟
روان: وما نفع رواياتي هنا، ما نفع كل ما كتبته؟. ما نفع جمهورك وأنت هنا مجردة من كل شيء. هل هناك منكما (تشير لجمانة وديما) من يعرف ما يدور هنا بالضبط؟.
ديما: وكيف لنا أن نعرف، كل ما أعرفه أننا مجرد فئران تجارب.
جمانة: لست فأر تجارب.
جودي: وأنا أيضا، لن أسمح أن أكون فأر تجارب.
روان: إذا كانت الكلمة مزعجة بالنسبة لكما، يمكن أن تسميانها، عينة تجارب.
ديما: جاءوا بنا إلى هنا برغبتنا. نحن رضينا أن نكون تحت تجربتهم التي طالت، ويبدو أنهم لم يصلوا لنتائج مرضية.
جمانة: (تتأفف) أنا سئمت، أريد أن أعود لحياتي السابقة، لهواياتي التي كنت أمارسها. هنا الوقت يمر ثقيلا وبطيئا جدا.
ديما: أتمنى أن لا يطول الأمر. أنا اشتقت للمسرح، لطاولة البروفات، للفرقة، لأصدقائي في المسرح، وللجمهور الذي يملأ القاعة. اشتقت لكل شيء.
تنسحب جمانة وتتجه لعمق المسرح، وهي تبحث بنظراتها
جودي: وأنا مثلكن، لم أعد أطيق البقاء هنا بلا عالمي الخاص، يومياتي التي أصورها، الإعلانات، الجمهور، الأضواء التي تلاحقني في كل مكان. أنا هنا بلا معنى.
روان: هل سنبقى نندب حظنا؟، نتذكر الماضي والأيام الخوالي؟. علينا أن نفعل شيئا، لا بد أن نخفف وطأة الوقت. الوقت ثقيل جدا بلا عمل، بلا كتابة، بلا قراءة.
جمانة تدور حول المكان وهي تبحث عن شيء ما، ينتبهن لها
ديما: ما الذي تبحث عنه؟.
روان: وما يدريني (لجمانة) جمانة، ما الذي تبحثين عنه؟.
جمانة: (وهي تبحث بنظراتها) وسيلة نهرب بها من هذا المكان.
جودي: لن تجدي أي وسيلة للهروب. لقد بحثت، كل ليلة لا أنام حتى أبحث وأبحث، لكن دون جدوى.
ديما: لن نتمكن من الهروب حتى اكتمال المهمة.
جمانة: ولماذا يقررون هم؟، لماذا لا نقرر نحن إنهاءها.
روان: كيف نقرر نحن؟، جمانة أنت تبالغين في الحماس
جمانة: لقد وافقنا على الخضوع للتجربة، لكنهم لم يحددوا المدة.
ديما: خدعونا، وقعنا على الاتفاقية ووافقنا على المقابل المادي الذي سنتقاضاه، ولم نفكر كيف ومتى سينتهي هذا الأمر.
جودي: نحن مسجونات هنا. لا نفعل شيئا سوى النوم والأكل والتذمر اليومي. بعد أن كانت حياتنا مليئة بالأحداث اليومية.
تتجه جودي لمستطيلها وتأخذه إلى مقدمة المسرح، يتحول المستطيل إلى أشبه ما يكون شاشة جوال، تقف جودي خلفه
جودي: كنت أبدأ صباحي به، رسائل وايميلات، وردود على المتابعين، أصور قهوتي، فطوري، ولحظات فرحي الحقيقي والمصطنع (تنظر للمستطيل كأنها تحادث الشاشة) صباح الخير متابعي، اشتقت لكم جميعا (تضحك بغنج) صحيح أنكم كنتم تتابعونني البارحة قبل نومي، لكنني اشتقت لكم وأنا في نومي (تدخل المستطيل) كان الأمر مجرد حلم، كحلم من هم في عمري، نرى المشهورات تلاحقهن الأضواء، وتمطر عليهن السماء مالا وسعادة. حلمت أن أكون مثلهن. تمتلأ جيوبي بالمال، أمشي كأميرة حولي وصيفاتي. تلاحقني فلاشات الكاميرات. وكل ذلك تحقق. تحقق صدفة، لم أسع إليه رغم أني حاولت وحاولت وفشلت، لكن الصدفة كانت هي التي أوصلني لأتصدر تلك الشاشة الصفراء.
تتحرك بمستطيلها وتوقفه في مكان وتقف خلفه مواجهة للجمهور
جودي: كانت مجرد كلمة، قلتها مرة وأنا أصور كما يصور كل الناس يومياتهم بحثا عن شهرة طارئة، صورت قطاً وهو يمشي بحذر ليقبض على عصفور صغير، كان المشهد سينمائيا، كأني أتابع فيلما، وحين قفز القط، تمكن العصفور من الطيران فصرخت، “طااار.. طااار”.
تترك المستطيل فنسمع صوت جودي يردد “طااار.. طااار”
جودي: فصارت طااار.. طااار حديث الناس في وسائل التواصل، صارت (ترند)، كلما فتحت تطبيقا من تطبيقات التواصل إلا سمعتها، فرحت، صار صوتي مسموعا، ولا بد أن استثمره. بدأت الشهرة بالصدفة، من صوت عابر، من طااار. لقاء تلفزيوني، وإعلانات، ثم شركة تدير أعمالي، شهرة وفلاشات، وكاميرات ومتابعين.. ووصل الأمر لعروض زواج. صرت مشهورة.
جمانة تمسك مستطيلها وتأخذه لمقدمة المسرح
جمانة: كنت أتابعك، أغار منك، وأتمنى أن أكون مثلك، مشهورة، كنت أقول لنفسي، لماذا لا أصير مثلها، مشهورة، تصور يومياتها وسفراتها لأماكن لا أحلم بها حتى، تركب سيارات فارهة. حاولت ككل من أعرفهم، حاولت أن أصبح مشهورة، جربت كل الطرق، المهم أن أصبح مشهورة (تتنهد) حاولت وحاولت، جربت المكياج، جربت الطبخ، جربت الأزياء، جربت وجربت.. لكني فشلت.
تنقل المستطيل لمكان آخر على الخشبة
جمانة: ولأني أجيد الطهي، خاصة الكعك اللذيذ، فتحت لي صفحة على أحد التطبيقات، فقط لأبيع ما تصنعه يداي، مرت أيام واسابيع وأشهر، حتى وصل كعكي اللذيذ لإحدى المشهورات، أبدت إعجابها به، فانهالت علي المتابعات، والطلبات، وأصبح حسابي الذي لم يكن يتابعه سوى عدد قليل، إلى حساب بالآلاف، فوجدت نفسي صرت مشهورة.
تنقل المستطيل إلى واجه المسرح
جمانة: إعلانات أطعمة، وشهرة، ومال، لم أكن يوما أتخيلها.
روان تأخذ مستطيلها إلى مقدمة المسرح بينما تتراجع جمانة
روان: نحن لا نتخيل كيف تفعل الشهرة بنا، نكون مجرد أشخاص نعيش في الظل، وفجأة نتصدر النور، مكاننا الهامش، فنجد أنفسنا في المتن. بدأت أكتب الشعر والرواية منذ سنوات طويلة، ولم أبرح الظلام أبدا، مغمورة كنت، لا أحد يعرفني، لا أحد سمع عني. كتبي لا تشترى، رغم أني أدفع من جيبي لدور النشر لطباعة كتبي، لا أحد يشتري، ولا أرباح، ولا كتب على رفوف المكتبات.
تترك المستطيل جانبا
روان: شعرت بإحباط شديد، فكرت أن أتوقف عن الكتابة، وأنسى. ولكنني مرة في معرض كتاب، وجدت طابوراً طويلا، لم أفطن لماذا هذا الطابور، ظننته طابورا لشراء القهوة، لكنني وجدت شخصا لم أره من قبل يجلس على منصة التوقيع وكل من في الطابور ينتظرون أن يحظوا بتوقيعه على كتابه.
تتمشي وكأنها تبحث عن شيء ما
روان: بحثت عن كتبه في المعرض، مررت على كل الأركان حتى وجدتها. اشتريتها وقضيت ليلي أقرأها لأكتشف كيف حصد كل تلك الشهرة. عرفت ساعتها أن قناعاتي لن توصلني لأن يقرأ كتبي أحد.
تتجه للمستطيل وتأخذه وتمشي به
روان: وبدأت أكتب مثله، أول كتاب، ثاني كتاب، وتوالت الكتب، حتى صارت تتصدر رفوف المكتب، وعليها لافتة الأكثر مبيعا. صرت مشهورة على وسائل التواصل، لقاءات تلفزيونية، وصحفية، أحضر معارض الكتب كأي مشهور، مرافقون، ومعجبون، طوابير طويلة تبحث عن توقيع كتبي. لم أخطط يوما لأن أكون هذه الروائية المشهورة، بل كنت أخطط لصورة أخرى لي.
تمسك ديما مستطيلها وتتقدم لمقدمة المسرح فتتراجع روان للخلف
ديما: لم أخطط لأن أكون الفنانة ديما المشهورة، بل كل ما كنت أخطط له أن أكون ممثلة مسرحية، فالمسرح لعبتي وشغفي وحبي الذي لا يمكن الفكاك منه. المسرح الذي كنت احلم منذ طفولتي أن أصعد على خشبته. وكانت الشهرة آخر همي، فأنا أمارس طقس العشق على خشبته، ثم اعود لبيتي كل يوم وأنا منتشية سعيدة.
تبتعد عن المستطيل
ديما: مرة كنت على خشبة المسرح، أمثل في أقصى حالات التجلي، فأفسد التجلي دخول شخص، أوصله المنظمون إلى الصفوف الأولى من المسرح. وبدأ الحضور يصورونه، ويعطونه أولوية ونحن على الخشبة، كأننا بلا معنى. كأننا لسنا موجودين، وجوده أفسد المسرحية، فلا أحد يسمع ولا أحد يرى، وهو يخطف كل الرؤية وكل السمع.
تقترب من مستطيلها بحزن
ديما: فكرت بالانسحاب من المسرح، فكرت في نفسي وفي غيري من ممثلي المسرح الذين ليس لهم وجود في هذا العالم الجديد كما للمشاهير وجود.
تبتسم وتمسك بالمستطيل الذي تنظر له كما تنظر لشاشة الجوال
ديما: ولم أظن أن هذا المستطيل الصغير الذي بين أيدينا هو المشكلة والحل، هو السؤال والجواب، هو المعضلة الكبيرة، وهو البديهة. هذا المستطيل الصغير الذي كان نورا في آخر النفق. منه اكتشفت عالما جديدا قد لا يشبهني. ولم أعتد عليه، لكن لا بد أن أثأر لإحباطي وكآبتي منه، صرت أصور مقاطعا وأنا أمثل، تزايد المتابعون، والتعليقات، وردود الفعل، صارت مقاطعي تتداولها الناس، وفجأة صرت مشهورة، دخلت تحديات وحصلت على دعم، ومال، ودخلت عالم الإعلانات. وصار كل شيء على عكس ما تخيلته وخططت له.
تقترب كل واحدة منهن بمستطيلها ليشكلن خطا بمواجهة الجمهور
جودي: صرت مشهورة، ولم أخطط للأمر، جاء صدفة
جمانة: إعلانات أطعمة، وشهرة، ومال، لم أكن يوما أتخيلها.
روان: مرافقون، ومعجبون، طوابير طويلة تبحث عن توقيع كتبي.
ديما: وفجأة صرت مشهورة، دخلت تحديات وحصلت على دعم، ومال، ودخلت عالم الإعلانات.
تكررن ذات الجمل وهن يتحركن بمستطيلاتهن بشكل تعبيري، فتتداخل جملهن مع بعضهن البعض وهن في حركتهن التي تتزايد، في هذا الوقت يسمع صوت خطوات الحارسة تقترب، تدخل عليهن فتراهن، ثم تنفجر ضحكا، ينتبهن لها فيتوقفن عن الحركة
الحارسة: (وهي تضحك) ألم يتسرب إليكن الملل؟، نفس الأسطوانة اليومية. نفس الحكايات.
جمانة تقترب منها
جمانة: ونفس الحكاية التي ستحكيها لنا الآن عنك وعن كيف وصلت للعمل كحارسة
الحارسة: (تتنهد) إيه. ما الذي أفعله، أحتاج لأن أقضي الوقت سريعا حتى أعود لأطفالي
جودي: ونحن نحتاج لتقضية الوقت بالكلام، بالحكايات، بعد أن كانت لنا حياة قبل هذه الورطة.
ديما: متى سننتهي من كل هذا، متى سينتهون من نتائج تجاربهم؟.
روان: (بإحباط) أنا لم أستمتع كثيرا بشهرتي، أخاف أن أعود للمربع الأول وأحتاج لبناء شهرة جديدة
ديما: وأنا مثلك خائفة، بعد كل ذلك الجهد حتى أحقق لاسمي حضوره، قد ينهار كله بسبب الوقت الذي غبت فيه عن من يتابعني.
جمانة: أيتها الحارسة، أرجوك، إذا كنت تعرفين شيئا فاخبرينا. نريد أن نخرج من هذه الزنزانة.
روان: أتعرفين شيئاً؟، لماذا نبقى أكثر؟.
الحارسة: ليتني أعرف، ثم أتظنين أنت وهي، أن خروجكن سيكون سهلا علي. أنا اعتدت عليكن. صرتن صديقاتي، جزءً من يومي، حتى وأنا أعود لبيتي وأنا بين عائلتي، أتذكركن وأتمنى أن يمر الوقت سريعا حتى أعود لكن.
جودي: نعدك أن لا ننساك، سنزورك.
الحارسة: (بفرح) متأكدة يا جودي؟، حين تخرجين ستنسيني، ستنشغلين بحياتك، بشهرتك، بإعلاناتك. ربما ألتقيك في مكان ما، وستسألين، أين رأيتك، وجهك ليس غريبا.
جودي: ليس صحيحا ما تقولينه، أنت مزروعة هنا (تشير إلى رأسها) لا يمكن أن تنتزعي.
الحارسة: (بسعادة) وستنشرين حسابي لترتفع نسبة المشاهدات والمتابعين وأصبح مشهورة مثلكن؟
ديما: كلنا سنفعل ذلك، لكن عليك ان تخبرينا، متى سنغادر؟
الحارسة: بمجرد أن يصلني خبر، سآتيكن بسرعة بالبشارة.
روان: ومتى تأتي البشارة؟
الحارسة: وما أدراني أنا؟. ما عرفته أن..
يتجمعن حولها بحماس تنظر لهن
الحارسة: أن..
ينظرن لها بترقب
الحارسة: أن..
يترقبن
جمانة: أن ماذا؟، قولي.. ما الذي عرفته؟
جودي: (بحماس) هل انتهت التجربة؟
ديما: اتركوها تخبرنا، هيا قولي، ما الذي وصلك منهم؟
روان: خفوا عليها، ستخبرنا الآن. قولي، هيا، قولي.
الحارسة: أن..
الجميع: (بصوت واحد) أن ماذا؟
الحارسة: أن التجربة لم تنته بعد
يبتعدن عنها بإحباط وخيبة أمل
جمانة: لا جديد، كنا نتوق لخبر جديد
روان: ومتى ينتهي كل هذا؟، متى؟
الحارسة: لا أدري، قلت لا أدري. حينما ادري سآتيكن مباشرة بالخبر.
تتجه كل واحد لمستطيلها بخيبة وإحباط ويقفن خلفه، تنظر لهن الحارسة بضيق
الحارسة: أشفق عليكن، أعرف أن كل دقيقة تقضينها هنا، هي خسارة لكن. فحياتنا صارت مرتبطة بذلك المستطيل الصغير في جيوبنا، حيث نبدأ نهارنا به، ونقضي يومنا به، ولا ننام إلا به. به نعرف ما يدور في العالم، ندخل حكايات الناس، ونتشارك يومياتهم، نعرف عنهم أكثر مما نعرف عن أقاربنا. ماذا يشربون، وماذا يأكلون، إلى أين يسافرون.
تقترب من مستطيل جودي التي تقف خلفه
الحارسة: صرنا نحلم بحياتكن، نقلدكن، نلبس مثلكن، نأكل مثلكن.
تقترب من مستطيل جمانة
الحارسة: ولا نعلم كيف هي حياتكن خارج ذلك المستطيل، هل أنتن سعداء فعلا؟
تقترب من مستطيل روان
الحارسة: أم تعساء؟، هل ما نراه حقيقيا؟، أم هو مجرد زيف؟
تقترب من مستطيل ديما
الحارسة: هل تمثلن علينا؟، أم أن ما نشاهده هو الواقع كما هو؟.
تقف في منتصف المسرح
الحارسة: كلنا نريد أن نكون ما نراه في هذا المستطيل، لكننا لا نريد أن نكون ما وراءه، نخاف من الزيف والكذب والتمثيل. لذلك على هذه التجربة أن تستمر وتستمر.
يخرجن جميعا من مستطيلاتهن بصدمة
جمانة: ومن أنت لتقرري؟
جودي: ولماذا ترغبين في بقائنا هنا؟
ديما: أشعر أن لك قصة، على ما يبدو أنك لست مجرد حارسة هنا.
تنظر جمانة لديما مستغربة
جمانة: ليست حارسة؟، ومن تكون إذا؟.
روان: (للحارسة) من تكونين؟، هل وقعنا في الخداع؟.
تبتعد عنهن وهن يراقبنها تبتعد
الحارسة: أنتم تعشن في خداع طويل، منذ سيطر المستطيل عليكن، منذ قيدكن، منذ صرتن غير قادرات على العيش دونه. أنتن هنا تتطهرن منه، حتى وإن كان يلاحقكن الآن وتشتقن له، لن تنتهي التجربة حتى تخرجن بلا تفكير به.
جمانة: (بغضب) ومن تكونين لتفعلي هذا بنا؟.
ديما: لا يحق لك ذلك. اخلي سبيلنا الآن.
جودي: أنت ترتكبين جريمة، سنحاسبك عليها. سأخرج وأرفع عليك قضية في المحكمة.
روان: لماذا فعلت بنا ذلك؟، أي خطأ ارتكبناه لتعاقبينا؟.
الحارسة: (بحدة) شهرتكن جريمة، سعادتكن، ثراءكن. لماذا لا أكون أنا مثلكن، لماذا لا أكون مشهورة وثرية؟.
جمانة: (باستغراب) أي حقد يعشعش في صدرك؟
روان: ما هذا السواد؟
الحارسة: (بغضب) ليس سوادا، لكنه سؤال عن العدالة؟، لماذا انتن وليس أنا؟.
ديما: لأننا صرنا كما قدر لنا أن نكون، يمكنك أن تكوني إذا اجتهدت، لا أن تسلبي ما اكتسبه الآخرون.
جودي: تحبسيننا بحجة التجربة، ثم تتحدثين عن العدالة. أي عدالة تعرفينها أنت؟
جمانة: افتحي الأبواب لنا. وإلا ستندمين.
ديما: افتحي الأبواب. هيا افتحيها.
روان: عليك فتح الأبواب.
الحارسة: لن أفتح الأبواب لكن، فأنتن جئتن هنا بأرجلكن، لم يجبركن أحد على المجيء.
جمانة: لكنا وقعنا في الخديعة.
الحارسة: لأنكن مغفلات، الطمع هو من جاء بكن إلى هنا، أغرتكن الأرقام، ولم تقرأن الاتفاقية.
جودي: (بقلق) ما الذي تقصدينه؟
تخرج الحارسة أوراقاً من جيبها، وترميها في وجوههن.
الحارسة: اقرأن جيداً، اقرأن. تشير الاتفاقية، أن انسحابكن منها، ورغبتكن في انهاء التجربة، يعني تنازلكن عن المقابل، وتشير أيضاً، إلى أن انسحابكن يعني دفع المبلغ المكتوب في الاتفاقية. يعني أنكن ستخسرن كل شيء.
الصدمة على الأربع وهن يمسكن الأوراق.
الحارسة: كما تشير الاتفاقية إلى أن التجربة مفتوحة الزمن، لا منتهية، تتوقف في الوقت الذي أقرر أنا.
جمانة: ولن توقفيها حتى لا تتورطي في دفع المبالغ المسجلة.
جودي: (مرعوبة) يعني أننا سنظل محبوسين هنا؟.
روان: (بحسرة) يا لغبائنا.
تضحك الحارسة بسخرية
الحارسة: (بسخرية) غبيات. طماعات، الشهرة لم تعلمكن الذكاء، أغراكن المال ووقعتن في الخديعة.
جمانة: (برجاء) أرجوك، اتركينا. دعينا نغادر.
ديما: لا تكوني حقيرة، اتركينا نغادر.. أرجوك.
الحارسة: لن تخرجن من هنا، سأسلب منكن شهرتكن وأموالكن، حياتكن كلها بيدي.
جمانة: (تبكي) لماذا كل هذا؟، نحن لا نريد البقاء هنا.
الحارسة: ادفعي، إذا كنت تريدين المغادرة.
جمانة: من أين لي؟، أنت مجنونة.
روان: سنغادر رغما عنك.
الحارسة: إذا ستدفعن رغما عنكن.
ديما: لا تغلقي علينا الأبواب والنوافذ. ما تفعلينه جريمة بحقنا.
الحارسة: لكنكن وافقتن على كل ذلك. أتيتن هنا بأرجلكن. ولم أرغمكن على المجيء.
جودي: (غاضبة) سأقتلك.
الحارسة: أووه، أين ذهب الغنج والجمال؟، تقتلينني؟
جودي: سأعود لما كنت، إنسانة عادية، تغضب وتنفجر، وتثأر. ولن يمنعني أحد عن قتلك.
ديما: وسنشاركها في قتلك.
الحارسة: انتهى الأمر، كل ما عليكن هو البقاء هنا، أو دفع المبلغ المتفق عليه.
روان: حتى متى؟. هل ستبقيننا هنا طويلا؟
الحارسة: حتى تكن منسيات، تخرجن دون أن يعرفكن أحد، لا شهرة ولا مال.
ديما: سنصنع شهرة جديدة.
جمانة: ومجدا جديداً.
روان: حتى لو سقطنا، سنقوم من جديد.
جودي: لن ننهزم، أنتِ لا شيء. مجرد امرأة حقودة قلبك يمتلئ كراهية.
الحارسة تغادر وهي تضحك من كل قلبها، بينما الأربع محبطات غاضبات، كل واحدة منهن تأخذ مستطيلها، وتقف خلفه
جمانة: لن نسمح لك بسرقة أعمارنا.
روان: ولا نجاحاتنا.
ديما: لن نسمح لك بخنقنا في سجن كراهيتك.
جودي: لن نبقى هنا، حتى لو خسرنا كل شيء.
جمانة: علينا أن نهرب
روان: والاتفاقيات التي وقعناها؟.
ديما: نبحث عنها ونمزقها.
جودي ونحرقها.
جمانة: أنا لا أريد أن أخسر كل ما بنيته. كل ما تمنيته. كل ما حلمت به.
روان: كنت أحلم بالشهرة وطوابير المحبين، أحلم بكتبي تكون بين أيدي القراء، يرددون ما أكتب.
ديما: كنت أحلم أن يعرفني الناس، يصورون معي، يرددون اسمي.
جودي: حتى لو كانت شهرتي بالصدفة، لكنها كانت حلم وخيار. لا يمكن أن أتنازل عنه.
تتحركن بالمستطيلات بشكل عشوائي وهن يرددن
جمانة: لماذا اختارتنا بين كل المشهورات.
جودي: وبين كل المشاهير. لماذا نحن بالذات؟
ديما: لسنا وحدنا في هذا العالم حتى تحكم علينا بالفناء.
روان: الكتاب المشاهير يملؤون الشبكة، لماذا أنا وأنا في بدايات خطواتي؟.
جمانة: لماذا قبلنا بالتجربة، لماذا؟
ديما: كما قالت، طمعنا في المال.
جودي: والشهرة أكثر، ظننا أننا سنخرج بشهرة أكبر وبمال أكثر
بالتدريج يظلم المسرح وهن يتحركن بعشوائية بمستطيلاتهن، حتى يظلم المكان، لحظات ويسمع صوت رنين منبه يختلط بصوت زقزقة العصافير، يضاء المسرح على الأربع وهن على مستطيلاتهن نائمات كما هو الحال في بداية المسرحية.
نهاية المسرحية
03/02/2025
أضف تعليق