حكايتي مع المسرح

 * ورقة قرأتها في أولى أمسيات #نادي_اقرأ_ المتنقل حيث أستضفت للحديث عن تجربتي المسرحية ولتوقيع كتابي (المزبلة الفاضلة ومسرحيات أخرى)

BVMOzWbCMAA6J6B

بدأت حكايتي مع المسرح منذ الطفولة، حين بدأت أعي اختلاف الناس، وتباين شخصياتهم، صرت أحدق في الوجوه لأتعمق في تفاصيل أولئك البشر، فتحت خزانة الذاكرة لأجمع فيها كل التفاصيل التي أمر بها. لم أكن أرى الأشياء بعادية، كان كل شيء يثير اهتمامي، ملامح الوجوه، حركات الأيدي. لم أكن أتخيل أن هذه الخزانة ستنفتح لاحقاً عن بشر سيكتبون على الدفاتر أو يتجسدون على الخشبات.

CF3waymaximirrorplaypanel40

في سوالف أمي المسائية كانت الدهشة الأخرى، كانت تسردها بنفس الحكواتي الذي يأخذ بلب الصغار، كنا، أنا وأخوتي نتحلق حولها، فتؤدي لنا شخصيات الحكايات باختلافها، من صوتها الذي يتلون حسب الشخصيات، كان اكتشافي للدراما وجمالها. اكتشفت أيضاً ما في المرآة من طاقة، هي مسرحي الصغير الذي أخرجت فيه ملكات المحاكاة الفطرية، فأمامها كنت أمثل، أؤدي شخصيات الذاكرة، أحاكيها، والحكم كان المرآة. ثم انطلق الخيال محلقاً، اخترعت شخوصاً جديدة، كنت ألاعبهم في ساعات العزلة، بعيداً عن صخب اللعب الطفولي العادي، والركض في أزقة الحي.

بعد أن تعلمت الأبجدية، صرت شغوفاً بالحروف والكلمات، صرت شغوفاً بالكتب التي كانت تملأ رف مكتبة أخي إبراهيم، كنت أحلم باليوم الذي أقرأ فيه كل تلك الكتب التي تنوعت بين الروايات والكتب الأدبية.

 كتاب (قصص الأنبياء) كان أول تجاربي في عالم الكتب وأنا في الرابع الابتدائي، كنت سعيداً بهذه التجربة التي حفزتني أكثر وأكثر على القراءة حسبما يتسنى لطفل صغير، وهي ما حفزتني لأجرب الكتابة، فبدأت أخط على الورق أول قصة بصيغة “كان يا ما كان”.

في طفولتي أيضاً، اندفعت للتلفزيون لأني وجدت فيه جسراً إلى عوالم أخرى، كنت أتنقل بين المحطات، أشاهد المسلسلات بعين الطفل الشغوف، شاهدت مسرحيات عبد الحسين عبد الرضا، ومسرحيات الأطفال لعبد الرحمن العقل، ومسرحيات دريد لحام. وكان ثمة حلم، لم أكن أعرف متى سيتحقق. بعدها انشغلت بالرسم هرباً من عدم قدرتي على تحقيق حلمي، صرت التقط ما يمر بي، حينا الصغير، البيوت، نخيل جدي، رسمت كل ما يدهشني، لاحقاً غامرت في المشاركة في معارض تشكيلية، ولكني غادرت عالم التشكيل بعد أن أيقنت بأني لست فناناً تشكيلياً. غادرت محطة الرسم، ليحط بي قطار التجارب في محطة الشعر، وكانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى محرضاً لذلك الصغير الذي تربى على فلسطين ووجعها ليكتب، فكانت أول قصيدة، وقبلت للنشر في جريدة اليوم، كان ظهور اسمي في الجريدة حلماً تحقق. وتوالت القصائد التي خرجت من ضيق الورق إلى فضاء المناسبات الدينية الأرحب. ومن القصائد خرج (ملتقى القديح الأدبي) الذي شاركت بتأسيسه مع أصدقاء تشاركنا الهم، نفذنا فعاليات شعرية، ولكن افترقنا حين سعينا للخروج من دائرة الشعر والبحث في مصادر معرفية أخرى، وقع في أيدينا نصوص سعد الله ونوس، قرأتها فعاد الحلم الأول، المسرح، الدراما، الشخوص، والخشبة، وجدت في سعد الله ونوس اهتمامي، بحثت أكثر عن نصوصه، وعنه، وعن غيره من المسرحيين.

أسست فرقة صغيرة للإنشاد وكان من نشاطاتها المسرح، ألفت ومثلت وأخرجت ثلاث مسرحيات، عرضت بين القديح وسيهات، ولكن لم تكن هي طموحي، غادرت الشعر، وأبحرت في المسرح، تلقفت كل ما يكتب عن المسرح، تعرفت على أسماء مسرحية عبر ما كتبوا وما كتب عنهم، بدأت بكتابة النص المسرحي الأدبي بنفس الشاعر الذي كان، تجربة، تجربتان، تعلمت من الأخطاء، وتعلمت من ملاحظات الأصدقاء.

في عام 2000  وقعت عيني على إعلان جائزة الشارقة للإبداع العربي، لا أدري ما الذي دفعني لأن أجرب المشاركة في المسابقة، كتبت نصاً تاريخياً عن الاحتلال البرتغالي للخليج، نص أخذ من جهدي ووقتي في القراءة والبحث، والكتابة، كنت أستغل أوقات الفراغ في العمل للكتابة، كنت أكتب بحماس، لم أتصور أنها كانت الخطوة الأولى.

شاركت في المسابقة وكان يراودني حلم الجائزة، وفعلاً حصلت على الجائزة الأولى على مستوى الوطن العربي عن نص (فصول من عذابات الشيخ أحمد)، هنا أيقنت أني لست فناناً تشكيلياً، ولست شاعراً، ولا قاصاً. أنا كاتب مسرحي، هو ما أصلح أن أكونه. فتحت الجائزة أبواباً وخطت بي على سلم المسرح، دفعتني للأمام بسرعة، التقيت بملهمي الراحل قاسم محمد، الذي كنت أتمنى فقط رؤيته، ولم أكن أتصور أن يكون هو من حكم نصي، وهو من تحمس له، ومن قرر تنفيذه على المسرح، لم تسعه الظروف أن يخرج النص، لكنه أشرف عليه، وأعده للمسرح. وفي العام 2002 نفذ العرض في افتتاح مهرجان أيام الشارقة المسرحية وبحضور الشيخ سلطان القاسمي، بكيت فرحاً بصمت وأنا أرى شخوص نصي تتجسد على خشبة المسرح، تتحول الكلمات إلى بشرٍ بأرواح.

Untitled

انطلقت بعدها لعالم المسرح مدعوماً بفوزي وبعرضي الأول وبثقة ملهمي بقدرتي على الكتابة، كونت صداقات، وتعرفت على مسرحيين، من بينهم صديقي المسرحي العراقي الراحل قاسم مطرود الذي كان قد دشن موقع مسرحيون على الإنترنت، نشرت في البداية نصي (فصول من عذابات الشيخ أحمد)، وصرت بعدها مراسلاً للموقع، أغطي صحفياً ما يدور من نشاطات في المسرح السعودي والخليجي. أثناءها أنجزت نصي (المزبلة الفاضلة) ونشرته في الموقع، بعد أن نفذه ماهر الغانم في إحدى مسابقات المسرح بالدمام. لم يدر في ذهني أن هذا النص سيحظى بكل هذا الاهتمام، ربما يكون العنوان هو السر، الاقتران بين المزبلة والمدينة الفاضلة. كنت أقرأ في الصحف الإلكترونية خبر نصي الذي يسافر من بلد إلى بلد، من العراق، إلى المغرب، إلى سوريا، إلى بلدان لم أزرها، ومدن لم أسمع بها باستغراب من حيوية نصي وقدرته على شد الانتباه، قدم مرات ومرات لكني شخصياً لم أشاهده سوى ثلاث مرات فقط، مرة حين أخرجه ماهر الغانم، ومرة حين أخرجه علي المذن من الكويت، والثالثة حين أخرجه فهد الباكر في قطر. ولا زال النص حاضراً، وينفذ، ويكون مادة للتدريب في معاهد مسرحية كما نقل لي البعض.

المحطات التي مررت بها هي ما أوصلني للمسرح، هي ما عمدني ككاتب مسرحي، وهي ما جعل من نصي سفيراً لي في مدن عربية، الرسم والشعر والقصة، وحتى التمثيل الذي جربته، هي ما شكلت المزيج الذي أحتاجه في الكتابة للمسرح.

كتبت مجموعة من النصوص التي نفذت خارج السعودية، ولم ينفذ لي حتى قبل 2012 سوى عرض مسرحي واحد، هو المزبلة الفاضلة التي أخرجها ماهر، رغم حضور نصي خارج الحدود، إلا إنه يغيب هنا. وهذا ما جعلني أكتب النص الاجتماعي، ربما هو ما يؤكد حضوري وأنا الذي أكتب نصاً دون شرط غياب المرأة، كتبت نصاً نسائياً نفذ ضمن احتفالات الرياض بعيد الفطر العام الماضي، وكررت التجربة هذا العام بنص نسائي آخر، وسأكرر التجربة مرة أخرى، كما كتبت مؤخراً نصاً اجتماعياً، قدم في مهرجان القطيف- لن أكرر التجربة -.

بعد طباعة نص (فصول من عذابات الشيخ أحمد) عن طريق دائرة الثقافة واٌلإعلام بالشارقة، كان لا بد أن أجمع بعض نصوصي في كتاب آخر، لضرورة الحضور في المكتبة العربية، جمعت أربعة نصوص، هي (المزلة الفاضلة)، (زهرة الحكايا)، (المعلقون) و (الموقوف رقم 80) في كتاب تحت مسمى (المزبلة الفاضلة ومسرحيات أخرى) والذي طبع عن دار فضاءات الأردنية مطلع 2011، كان الهدف أن أصدر كتاباً يشتريه المهتمون، فلم أبحث عن وهج الإصدارات، أو الكتابة عنه وتصدر المبيعات أو حتى الاحتفاء به، هذا ما جعلني أتكاسل عن الدعاية للكتاب وتوزيعه، وحتى السؤال عن مستوى المبيعات.

كانت (المزبلة الفاضلة ومسرحيات أخرى) كتابي الشخصي الثاني، ولكن شاركت في إنجاز بعض الكتب، أولها (موسوعة المسرح العربي) ضمن 14 باحثاً عربياً والذي صدر عن مجموعة مسارح الشارقة في يناير 2012، وفي كتاب (في المسرح السعودي، دراسات نقدية) الصادر عن كرسي الأدب بجامعة الملك سعود، وفي كتاب (9 نصوص مسرحية سعودية) الصادر عن الهيئة العربية للمسرح بنصي (ولاية الأحلام).

أعمل الآن على إنجاز كتاب شخصي ثالث عن المسرح السعودي، وهو كتاب توثيقي نقدي، وأكيد سأطبع نصوصاً جديدة ترافق الكتابين الآخرين.

حققت كثيراً من الأحلام، ولكن لا زال لدي فائض من الأحلام أسعى إلى تحقيقها.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: