
حاوره: حسن آل قريش- جريدة الرياضي
هو كاتب من طراز فريد ما أن امسك قلمه إلا واخرج لوحة فنية رائعة، وما أن اقتحم مجالاً إلا وكان التألق ديدنه، برع في الكتابة المسرحية والسيناريو السينمائي والصحافة وحتى محاولاته في كتابة الشعر لم تخل من الروعة.
أنه الكاتب المسرحي عباس الحايك الذي التقته «الرياضي» في هذا الحوار فتحدث بشفافيته المعهودة مؤكداً أنه بعيد عن هاجس الجغرافيا، وقال: أنا لا أرفض أن ينفذ لي أي نص، لذا نصوصي تسافر إلى كل مكان، رافضاً ما يقوم به البعض بتفصيل النصوص على نجوم معيين، وقال: أرفض أن اسطح أفكاري ونصوصي لأجل الوصول إلى مشاركة هذا النجم أو ذاك، أنا على قناعة بأن لنصوصي مكان ستحط فيه.
الحايك تطرق لكل هموم المسرح السعودي وتحدث في كثير من المحاور الفنية خلال هذا الحوار:
*المعروف أنك كاتب مسرحي ولكنك قمت بتأليف فيلم شكوى الأرض الذي عرض في مسابقة أفلام السعودية الأولى وأيضاً حزت على جائزة أفضل سيناريو، فما الخلطة السرية لتنقلك بين الكتابة المسرحية والسينمائية؟
بالنسبة لي لا أجد فارقاً بين كل أنواع الكتابة، فلا ضير عندي، مثلاً، أن ألج إلى مجال السرد إذا كنت أملك أدواته. ووجدت نفسي قادراً على كتابة السيناريو حيث شعرت بوجود مغامرة أغرتني على خوضها، ربما أكون أخفقت في تجربتي الأولى «شكوى الأرض» ولكنها كانت بمثابة درس جميل لأتعلم أبجديات كتابة السيناريو، وهذا ما أثبته فوزي بأفضل سيناريو في مسابقة أفلام السعودية 2008.
عموما لا تختلف الكتابة للمسرح عن الكتابة للأفلام من ناحية صياغة الشخصيات وترابط الأحداث والتصاعد الدرامي، وكل هذه التقنيات أنا أتقنها من كتابتي للمسرح، لذا لم أجد صعوبة كبيرة في الولوج إلى عالم كتابة السيناريو، فقط بقي أن أدرك الفروقات بين الكتابتين، فالكتابة للمسرح تعتمد على الحوار، بشكل كبير، في رسم الشخصيات بينما يعتمد السيناريو على وصف المشهد بصرياً وليس بالضرورة الحوارات، فالفلم صورة.
*كيف تقيم مسابقة أفلام السعودية من وجهة نظرك؟
المسابقة كانت في مدار الحلم، وبفضل إصرار اللجنة المنظمة وعلى رأسهم الشاعر أحمد الملا واندفاعه، تحقق الحلم، لم يكن في نية اللجنة أن ينفذوا مسابقة بسيطة في تنظيمها وفي فعالياتها، كنت أتابع الاجتماعات وداخلي شك في إمكانات جمعية الثقافة والفنون بالدمام والنادي الأدبي في تنظيم فعالية بحجم الحلم، لكن فوجئت بالمسابقة وبقدرتها على تجاوز اختبارها الأول، فالمسابقة ورغم بعض الإخفاقات في الجانب التقني والتنظيمي، إلا أنها تمكنت من أن تؤسس لثقافة مشاهدة، وتمكنت أكثر من أن تتحاور بشكل ارتضته كل الشرائح الاجتماعية.
*ماذا عن المادة المطروحة من خلال الأفلام، وما أبرز السلبيات والإيجابيات؟
الأفلام التي شاهدناها في المسابقة تراوح مستواها بين أفلام نزعت نحو الدراما التلفزيونية بكل مواصفاتها، القصة والسيناريو، الإخراج، الأداء التمثيلي، السردية في الحوارات. وهناك أفلام جنحت نحو التجريب رغم عدم امتلاكها تجربة تسعفها في هذا المنحى، فبدت أفلاماً غامضة ومبهمة، لا تملك حتى إمكانات التشكيل البصري وتوظيف الإضاءة. بينما هناك أفلام كانت مثار دهشة ومتعة، خاصة الأفلام الفائزة، «بقايا طعام» الذي أدرك مخرجه معيار نجاح الفلم القصير بالتقاطه لحكاية إنسانية، و«مطر» بمشاهده التي شبعها المخرج بالشاعرية، و«بلا غمد» الذي أتقن المخرج فيه اختيار أماكن التصوير وتكوين المشهد، إضافة لـ«شكوى الأرض» و«حلم بريء» برهافة حساسية المخرج.
المشكلة الأولى التي تواجه الفلم السعودي، من خلال أفلام المسابقة، هو الفهم القاصر لمعنى الفلم القصير، والخلط بينه وبين الدراما التلفزيونية، ثم السيناريو الذي هو أول إخفاقات الأفلام، فلا يوجد عناية بعنصر السيناريو رغم أنه الأهم من ضمن عناصر صناعة الأفلام، إضافة للأداء التمثيلي الذي يغيب عن مجمل تلك الأفلام، ويبدو بدائياً أو متكلفاً.
*ما سر الطفرة العجيبة في إنتاج الأفلام المحلية؟
الآن، نحن نعيش زمن الصورة، والفيلم شكل من أشكال الصورة، وأرى أن الفيلم هو وسيلة سهلة في الوقت الحاضر للتعبير عن هموم الشباب. ولأن السعوديين يملكون ثقافة سينمائية من خلال متابعة الجديد في السينما العالمية التي يتلقونها بواسطة الأقراص المنسوخة أو في صالات السينما في الدول المجاورة، هذه المشاهدات أسهمت في زيادة الرغبة في صناعة الأفلام بعد دخول السينما عالم الديجتال، فما عادت صناعة فيلم بالتكلفة الباهظة، لا يحتاج الفيلم لميزانية كما في الماضي، فالكاميرات صار سعرها في متناول اليد، وبرامج المونتاج والمكساج وحتى برامج صناعة الأنيميشن على الكمبيوتر صارت متاحة للجميع، وصار إتقانها سهلاً.
*وكيف سيكون حال المسرح السعودي في ظل توجه العديد من الفرق المسرحية لإنتاج الأفلام؟
لا أظن أن المسرح قد يتأثر بهذا التوجه إذا ما كان فناً متجذراً في وجدان المجتمع السعودي، ففي أوروبا لم يتأثر المسرح بعد اختراع السينما، لأنه فن أصيل هناك، وتربى الأوروبيون على أهمية المسرح كجزء من يومياتهم وتكوينهم، بل العكس المسرح الأوروبي كان ذكياً حين استفاد من السينما في عروضه. ولا أرى أن توجه الفرق المسرحية لإنتاج الأفلام سيضيف مشكلة من قائمة مشكلات المسرح السعودي، فالمهوسون بالمسرح لايزالوان يؤمنون بأهميته وسيعملون على المحافظة على وجوده المخجل في السعودية.
*أين تجد نفسك بشكل أكبر في المسرح أم الأفلام أم الصحافة.. ولماذا؟
أنا ابن مسرح حتى النخاع، ولا يمكن أن اتنازل عنه لأي شكل من اشكال التعبير الإنساني، امتلكني حب المسرح منذ طفولتي، ومن الصعب أن ينتزع هذا الحب، لذا أكثر ما يشعرني بالفخر أن أكون المسرحي عباس، فلا تعنيني السيناريست ولا الصحفي ولا القاص ولا الشاعر، في بدايتي المبكرة، أنا مسرحي، أما بالنسبة للصحافة، أجد أن دخولي لعالمها لم يكن عن حب، لكن دخول طارئ حكمته بعض الظروف، ولو خيرت في التنازل عنها لتنازلت دون ندم. الصحافة جميلة لكنها تخضع لغتك لها، فتشعر بازدواجية لغوية، بين لغة صحفية مباشرة، وبين لغة أدب ذات دلالات وذات خصوصية.
*المسرح التجريبي أو النخبوي كما يصفه البعض هل يؤدي دوره بشكل تام؟
المسرح التجريبي شكل من أشكال التغيير على التقاليد الكلاسيكية في المسرح، والتجريب ليس له قوانين ولا ضوابط، ولكن المسرحيين العرب والسعوديين على وجه الخصوص قلدوا هذا الشكل وقولبوه، فبات المسرح المظلم والإضاءات الخافتة والحوارات المبهمة والتمثيل المتصنع يعني تجريباً عند المسرحيين، وهذا فهم خاطئ لمفهوم لايزال مثار جدل عند النقاد والمنظرين المسرحيين العالميين، وبرأيي الشخصي المسرح لا بد له من تواصل مع الجمهور ومتى ما تعامل بفوقية مفرطة مع هذا الجمهور فإنه سيخسر رهانه، ولا يعني هذا التنازل لقيم التلقي الخاطئة التي أسست لها العروض المسرحية التجارية، ولكن المسرح لا بد له أن يسهم في رفع مستوى التذوق الفني لجمهور المسرح.
المسرح التجريبي بمفهومه الملتبس صار عبئاً ثقيلاً على كاهل المسرح العربي، وصار المسرح حالة خاصة، ولن يتجذر ابداً في وجدان المجتمع متى ما انفصل عن هذا المجتمع.
*ما الطريقة التي يتبعها الكاتب لولادة نص مسرحي تجريبي؟
من النادر أن يكتب مسرحي نصه بغية تصنيفه كمسرح تجريبي، النص المسرحي هو نص يراوح بين الأدب من جهة وبين الفن من جهة أخرى، النص لا بد أن يمتلك تقاليد الكتابة المسرحية كلها أو بعضها، أرى أن التجريب الحقيقي بمفهومه السائد ينبع من المقترح الإخراجي، فالمخرج هو صاحب العرض التجريبي، لذا لا نرى أن ثمة كتاب نصوص معروفون للمسرح التجريبي، ولكن المخرجين هم من يوسمون بالتجريبيين. فالتجريب يمكن أن يخضع له أي نص، فنصوص شكسبير التي تمثل المرحلة الكلاسيكية تمثل مادة جيدة للتجريب عليها، ولا تخلو دورة من دورات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي من عرض معد عن نص لشكسبير.
يمكن للكاتب المسرحي أن يجرب ولكن يظل هذا التجريب على مستوى الكتابة، فكسر التقاليد والأنماط المسرحية وشكل الكتابة هو نوع من التجريب، ومع هذا يظل النص دون حياة حتى يأتي على الخشبة، وهنا يكون للمخرج رؤيته التي قد تختلف عن تجريب الكاتب، فالمسرح في الوقت الحاضر هو مسرح المخرج.
*ما الجديد الذي يحضر له عباس ككاتب في أي من المجالات؟
هناك مشاريع كثيرة في رأسي عمرها سنوات، لدي مشروع مسلسل ولكن سأبحث قبل الشروع في كتابته عن جهة منتجة تتبناه، كما أنني استعد لكتابة سيناريو فلم. وانتهيت من كتابة سيناريو فلم قصير لفكرة سينفذها محسن الحمادي. وأحضر للتجهيز لطباعة مجموعة من نصوصي المسرحية وكتاب آخر للمقالات المسرحية التي كتبتها.
*أين نجوم الشرقية من أعمالك؟
أنا بعيد عن هاجس الجغرافيا، أكتب دون أن أضع مكان عرض المسرحية في الحسبان، نصوصي موجودة في مواقع النت وفي موقعي الشخصية، وهي في المتناول متى ما اقتنع أي كان بتنفيذ أي عمل، أنا لا أرفض أن ينفذ لي أي نص، لذا نصوصي تسافر إلى كل مكان، ولا أكتب لا لنجوم الشرقية ولا لنجوم في أي سماء، لا يمكن أن أفصّل نصي على مقاس أحد، أنا على يقين أن نصوصي لا تستهوي الكثيرين في المنطقة الشرقية، لأنها لا تلامس قضاياهم، نصوصي غير مؤدلجة تحتفي بالإنسان، كل إنسان أي كان جنسه، دينه، معتقده، أنا همي الإنسان البسيط، ولا يعني أن أسطح أفكاري ونصوصي لأجل الوصول إلى مشاركة هذا النجم أو ذاك، أنا على قناعة بأن لنصوصي مكان ستحط فيه.
اترك تعليقًا