
النص الفائز بجائزة الشارقة للإبداع العربي -الاصدار الأول 2001
قدم مسرح الشارقة الوطني -الامارات النص بنفس العنوان في افتتاح مهرجان أيام الشلرقة المسرحية 2003
الشخصيات :
– الشيخ أحمد : عالم دين خمسيني .. حوله تدور أحداث المسرحية .. قوي ولا يخشى أحداً .. يقف في وجه أرباب المال وفي وجه الاحتلال البرتغالي .
– محمد تقي : رفيق الشيخ أحمد في السجن يكبره ببضع سنوات .. يتملكه لليأس بسبب خيانة أهل قريته .
– غريب : رفيق الشيخ أحمد في السجن .. لا يتكلم ، يظل ممسكاً قنديله الذي لا يعرف له سر .
– الشيخ نصار : إمام مسجد المدينة .. صديق الشيخ أحمد .
– أبو سلمان : زوج أخت الشيخ أحمد .. حاكم المدينة بأمر البرتغاليين .. وفي صدام دائم مع الشيخ .
– سلمان : ولده وزوج زينب ابنة الشيخ أحمد .
– زينب : ابنة الشيخ أحمد .
– أم سلمان : أخت الشيخ احمد .
– حسين : في العشرينات من عمره .. ربّاه الشيخ أحمد على مبادئه .. مُسّ بعد أن أحرق البرتغاليون بيته بمن فيه .
– أم زينب : زوجة الشيخ أحمد .
– التاجر أبو حسين : تاجر يخسر ثروته بسبب الضرائب الباهظة التي كان يفرضها البرتغاليون .
– القائد : قائد المحمية البرتغالية .
– أرباب المال : تجار .. إقطاعيون .. نواخذة .
– أهالي القرية :
– جنود برتغاليون :
الفصل الأول
بداية الفصول
جوقة تتكون من محمد تقي , زينب , الشيخ نصار , غريب , سلمان , حسين يرددون
الجوقة : أيها الرمل النقي ..
كقلب طفلٍ
بل كسماء ما أنهكها العصف ..
كان الرمل يمد يديه للبحر .. ُيسمعه زغاريد الفرح ..
مواويل الحب ..
فيرددها إيماناً .
ويكرسها ولعاً به ..
يلتقيان ساعة العشق
فيهدهد البحر حباته الصفراء
كما الأم تحنو على وليدها ..
فتولد في آب رائحة الطلع ..
وطعم الليمون البلدي ..
هادئاً كان .. وسط فوضى الموانئ
عاشقاً كان ..
في غيبوبة الحب ..
وكنا إليه امتدادا ..
وكان لنا وطنا ..
محمد تقي : ( يتصدر الخشبة وفي خلفية المسرح شاشة كبيرة .. تعرض مشاهد عن قصف سفن برتغالية لمملكة هرمز وبعض مدن الخليج متزامنة مع حديث محمد تقي ) .. في عام 1507م وبعد أن كان الخليج يشكل جسر العبور للتجارة الهندية إلى العراق وأوروبا .. وكانت مملكة هرمز المشرفة على الخليج بوابته التي منها يتنفس .. إذ غدت لموقعها مملكة ثرية ذات سيادة .. ولأجل هذا أوعز عمانويل الثاني ملك أسبانيا التي كانت البرتغال تحت سيطرتها للضابط البحري ألفونسو دلبوكيرك – طمعاً في إنشاء امبراطورية برتغالية كبيرة في الشرق – لاحتلال مملكة هرمز بغرض احتكارها التجاري للمنطقة .. وبالفعل هاجم ذلك الضابط المملكة وقصفها بمدافع سفنه بشكل وحشي .. وبعد أن دانت المملكة للبرتغاليين وصار حكامها تبعاً لهم .. انتقل الاحتلال إلى بقية أجزاء الخليج لتحقيق مآربهم والتبشير بالمسيحية ..لم يرض أهل الخليج بهذا الاحتلال الذي فرض عنوةً بالقتل والحرق والتدمير .. فقامت ثورات ضدهم لطردهم من حصونهم وقلاعهم التي بنوها على أرضنا ؟!.. ومسرحيتنا هذه تحكي قصة الشيخ أحمد بن سلمان الذي لم يرض الهوان .. لما فوجئ بنيرانهم تقصف مدينته .. ثار وأسر .. وسجن في قلعة برتغالية .. وأنا صديقه محمد تقي .. رفيق سنوات السجن .. وللشيخ أحمد عذابات .. فمنذ عشر سنوات يقبع في هذا السجن المظلم .. يملؤه الشوق للوطن ، لزينب ابنته ، وللناس .. فتعالوا نشاهد ونسمع معاً فصولاً من عذابات الشيخ أحمد بن سلمان .
إظلام
المشهد الأول
المنظر.. سجن في إحدى القلاع البرتغالية .. ظلام يملأ المكان سوى بقعة ضوء صغيرة تأتي من ثقب في أحد جدران السجن – لكن يمكن رؤية الشخوص على خشبة المسرح – غريب يمسك قنديلاًً قديماً بين يديه .. ومحمد تقي في الجانب الآخر .. ويبدو عليهما القلق والترقب .. بعد لحظات من الصمت .. يقف محمد تقي متجهماً ناحية غريب .
محمد تقي : ما الذي أخره حتى الآن ؟!.. لماذا استدعاه القائد ؟! .. لا بد أن هناك أمراً قد حدث .
يقف غريب مقابل محمد تقي .. يربت على كتفه كأنه يهدأه
محمد تقي : أنا خائف على الشيخ يا غريب ؟! .. أنت تعرف أن القائد لا رحمة في قلبه .. و ما استدعى أحداً إلا كان العقاب الوحشي مصيره ..
غريب يبدو عليه القلق الشديد وهو يحضن قنديله
محمد تقي : لا أرى الشيخ هذه الأيام يشاكسهم ..فلم يستدعوه ؟!..
غريب يرفع كتفيه علامة الحيرة
محمد تقي : ( يضع يديه على كتفي غريب ) .. ليتك تنطق .. ربما خففت من الوجع في صدري .. ( يترك غريب .. ويجول في أرجاء السجن .. كأنه يكلم أحداً ) ليتكم معي الآن .. تركتموني وحدي وغريب في هذه الزنزانة .. لا أريد أن يتبعكم الشيخ ويرحل .. لا أريد .. (يجلس على الأرض في وضع الصلاة يرفع كفيه ) إلهي احفظ عبدك المؤمن .. الشيخ أحمد بن سلمان .. فكه من زمرة لا ترحم ..
(يفتح باب الزنزانة ..ينتبه محمد تقي ، يقف ويتجه ناحيته وغريب معه أيضاً .. يدخل الشيخ أحمد .. يغلق الباب جندي برتغالي .. ينقض محمد تقي وغريب على الشيخ ويحتضنانه )
محمد تقي : (سعيداً ) لقد أخفتنا يا رجل ؟!.
غريب: (مبتسماً يهز رأسه إيجاباً ) .
الشيخ أحمد : (يضحك ) لا جعل الله في قلبيكما خوفاً إلا منه .
محمد تقي : (يأخذ الشيخ من يديه ويقعده جانباً .. يقعد بجانبه وفي الجانب الآخر يقعد غريب ) احك لنا .. ما كان يريد القائد منك ؟!.
الشيخ : خيراً ..
محمد تقي : ( يتنفس الصعداء ) الحمد لله .. احك لنا إذاً ..
الشيخ : أراد أن ينقل لي خبراً يخصني بنفسه ..
محمد تقي : خيراً إنشاء الله ؟!..
الشيخ : لكن يؤلمني كثيراً ما ستسمعان .. فحبي لكما ..
غريب : ( مترقباً ..يقاطع الشيخ ويشير إليه بأن يحكي ما دار بينه وبين القائد ) .
الشيخ : أتمنى ألا تغضبا إن سمعتما ما سأقول ؟
محمد تقي : مهما يكن لن نغضب .. إلا إذا فارقتنا .
الشيخ : وهو كذلك ..
محمد تقي : (مندهشاً ) تفارقنا ؟!.. ما الذي تحكي ؟! ..
غريب : (يشير بوضع خطً وهمية بإصبعه على رقبته علامة أن هل ستقتل ؟! ) .
الشيخ : (يضحك ) لا تقــلق لن يحدث هذا.. كل ما في الأمر .. أنهم قرروا فك أسري ..
محمد تقي : يعني .. تخرج من هنا ؟! .
يهز الشيخ رأسه إيجاباً
محمد تقي : ( يقف ) ونحن ؟! .. أتتركنا وحدنا هنا ؟! .
الشيخ : هذا ما اعتقدت أنه سيغضبكما .
غريب : ( يهز رأسه رفضاً للفكرة ) .
الشيخ : لقد أخبرته عنكما .. فقال أن الخروج لي وحدي .. وإن خرجتما معي ..لن نخرج ثلاثتنا إلا قطع لحم تكون طعاماًً للأسماك .
محمد تقي : (غاضباً ) ومن قال أننا نريد الخروج من هنا ؟! .
الشيخ : ألا ترغب في مغادرة هذه الزنزانة البغيضة ؟! .
محمد تقي : (بحدة ) لا ..
الشيخ : وأنت يا غريب ؟ .
غريب : ( يهز رأسه رفضاً .. يحتضن قنديله أكثر ويكاد أن يبكي ) .
الشيخ : لا ترغب أنت أيضاً ؟! .. ترغبان في البقاء هنا حتى تموتا ..هناك خلف القلعة تراب طاهر ..وجوه طاهرة مزجت بنداوة السماء تنتظرنا .. أنموت هنا لنكون طعاماً للأسماك ؟! .
محمد تقي : من قال أن هناك تراباً طاهراً ووجوهً تنتظرنا ؟! .. لا ينتظرك سوى سجن كبير يسمى الحياة .. فلا فرق بين هنا و هناك .
الشيخ : ( محتداً ) من قال أن لا فرق بين هنا و هناك ؟! .
محمد تقي : سترى .
الشيخ : فعلاً سأرى أنه ليس من العدل أن أقارن هذا الجحر الضيق .. وهذه العفونة التي تملأ المكان حتى لأنها تسد الأنوف بمكان امتزج برائحة البحر .. إنك تهذي يا تقي .
محمد تقي : أنا لا أهذي .. بل أتحدث عن وعي مني .. صدقني يا شيخ أحمد إنك لن تلقى ما تتحدث عنه .. ( لغريب ) أصحيح ما أقول ؟! .
غريب : ( يرفع كتفيه بأنه لا جواب عنده ) .
الشيخ : ستصيبني بالجنون يا تقي ..لم أرَ ولم أسمع عن مثلك أبداً .. أيعقل يا رجل أن تفضل العيش في هذا القمقم البغيض على الخروج إلى الدنيا الواسعة .. تفضل وجوه البرتغاليين وحقدهم الذي يطفر حتى من لفتاتهم على رؤية وجوه طاهرة وقلوب صافية .
محمد تقي : بل وجهك طاهر وقلبك صافٍ .
الشيخ : والناس ؟! .
محمد تقي: كل يغني على ليلاه .
الشيخ : التراب ليلانا كلنا .
محمد تقي : بل المال .
الشيخ : إنك تبالغ يا حاج .
محمد تقي : رغم أنك على علمٍ ودراية .. إلا إني أكبرك سناً .. وأعلم ما في الناس أكثر منك .
الشيخ : (مهموماً يقعد على الأرض ) لقد زدت همي .. جئتكم وفرحي ممزوج بالحزن لأجلكما .. لكنك زدت حزني .. وقتلت فرحي .
غريب : (يربت على كتف الشيخ محاولاً مواساته ) .
الشيخ : ألم يعد الناس كما كانوا يا غريب ؟! .
غريب: ( يرفع كتفيه أن لا علم له ) .
محمد تقي : ( يقترب من الشيخ ويقعد بجانبه )
الشيخ : (لمحمد تقي ) قل بالله عليك .. هل حقاً لم يعد الناس كما كانوا ؟ .
محمد تقي : أنا آسف يا شيخ إن زدت همك .. لكنك عرفتني أكثر من نفسك كما أنا أعرفك أكثر من نفسي ، فأنا لا طاقة لي على كتمان ما في صدري .. لساني يسبقني .
الشيخ : وما في صدرك أن الناس لا يراعون للتراب حرمة ولا شرفاً لأجل القرش ؟!
محمد تقي : ما في صدري قلته يا شيخ .
الشيخ : (يسند رأسه على الجدار ) ..سنوات و أنا أنتظر هذه اللحظة ..لحظة ولادتي الثانية ..كما يخرج الطفل من ظلام الرحم إلى نور العالم .
محمد تقي : ستكون كالطفل غريباً .. سيعلمونك أبجدياتهم .
الشيخ : ( بحدة ) أنا الشيخ أحمد بن سلمان ولا يغيرني شيء .
محمد تقي يقف مخاطباً الجمهور وحده
محمد تقي : هو حقاً الشيخ أحمد بن سلمان الخليجي الذي نشأ على ترابه محباً للناس فأحبه الناس .. يكره أكثر ما يكره الظلم والجبروت .. ومنذ أن كان شاباً يافعاً ثار في وجه التجار والنواخذه الطماعين الذين استعبدوا الناس وطغوا في الأرض حتى يُسحق الفقراء تحت الأقدام .. وكان يؤلب أهل مدينته ضدهم .
إضاءة على مشهد يقيد فيه أحد الفلاحين من قبل مجموعة تاجر طاغٍ .. ينهالون بالعصا على الفلاح وصراخه يعم المكان .. محمد تقي وغريب يتابعان المشهد
التاجر : ( للفلاح ) أنتم كالبهائم ..لا تتعلمون إلا بالعصا .
الفلاح : (صارخاً ) سامحني .. أرجوك سامحني .. أرجوك ، دعهم يتركونني .
التاجر : لن يتركوك حتى تدرك من تكون أنت ومن أكون أنا ،حتى لا تتجرأ على سادتك .
يدخل الشيخ أحمد شاباً .. يرى المشهد وينقض على المجموعة ينتزع منهم العصا
الشيخ أحمد: ( غاضباً ) ابتعدوا يا جبابرة .
يبتعدون عنه .. يرفع الفلاح عن الأرض
التاجر : لماذا تتدخل في شأننا يا شيخ ؟! .
الشيخ أحمد : شأنكم ؟! .. تطغى وتتجبر على العباد .. وتقول شأنكم ؟! .
التاجر : إنه أجيرٌ عندي .
الشيخ : أجيٌر وليس عبداً .
التاجر : اعرف ما حدث بالضبط ، ثم أحكم بيننا .
الشيخ : مهما يكن ..لا حق لك في ضربه هكذا .
التاجر : انه لا يحسب للمقامات حساباً .. أنا سيده ويقول لي لا .
الشيخ : (غاضباً يرفع صوته ) لست سيده .. سيده الذي خلقه .
التاجر : (يحاول تهدأة الشيخ ) يا شيخ .. إن ما ترتكبه سيئ في حقك .. أنت عالم جليل ولك مقامك .. لا يجدر بك أن تقف صفاً مع هؤلاء الجرذان .
الشيخ : (يقاطعه محتداً ) إن كانوا جرذاناً فأنت جرذٌ كبير .
التاجر : (يغضب لكنه يكتم غضبه ) أنت تهينني يا شيخ .
الشيخ : أنت أهنت نفسك .. هؤلاء خلقوا من طينةٍ كطينتك .. فلا فرق بينكم .
التاجر : لكننا سادة .
الشيخ : المال لا يصنع سيداً .
التاجر : لا حول ولا قوة إلا بالله .. ( يهم بالخروج ويشير لمجموعته باللحاق به ) سوف تندم يا شيخ على فعلتك .
الشيخ : اسمع ! .. لن يطال طغيانكم وجبروتكم الناس مادمت حياً .
يخرج التاجر غاضباً وتلحق به مجموعته
الشيخ : ( للفلاح ) وأنت وغيرك من الفلاحين والبحارة والأجراء .. لا يجب أن ترضخوا للظلم وتكونوا عبيداً .. لقد خلقكم الله أحراراً .. قولوا لا .. ولا تخشوا أبداً .
يظلم المشهد ويعود مشهد السجن كما هو .. الثلاثة في أماكنهم
الشيخ : لقد عانيت كثيراً ..كنت أحب أن أرى الناس أقوياء لا يخشون .. يقولون للظالم لا .. لأجلهم أهنت .. ضربت .. ولو كان في يدهم لذبحوني كالشاة ولأكلوا لحمي .
محمد تقي : الناس هم من أهانوك .. وهم من ضربوك .
الشيخ : يا حاج .. ليس كل الناس كأهل قريتك .
محمد تقي : بل كلهم سواسية يعميهم لون القروش .. ويصم آذانهم رنينها .
الشيخ : لا تقس الناس على من خانك .
محمد تقي : كنا سنملأ القرية بأجسادهم العفنة .. لولا الخيانة .
الشيخ : إذاً حاول أن تخرج .. ثر ثانية واملأها بأجسادهم .
محمد تقي : وحدي ؟!.
الشيخ: كل الناس سيكونون معك ..كما سيكونون معي .
محمد تقي: انك تحلم .
الشيخ: إنها الحقيقة .. الناس يحتاجون لمن يحرك ما بداخلهم .
محمد تقي : أخاف من الخيانة .
الشيخ: ( يقف مهموما ً.. يبتعد قليلاً عنهما .. يتنفس بعمق ) لا يسعني إلا أن أدعو الله أن يفك أسرك لترى حقيقة الناس .
غريب: ( يحتضن قنديله ويبتسم .. ثم يرفع يديه داعياً ) .
الشيخ : (لغريب) وأنت يجب أن تخرج .. لا يجب أن تبقى هنا .. لا بد أن هناك من ينتظرك .. يشعر أنك موجود حتى وإن غبت .
غريب : ( يحتضن قنديله بقوة ..وتبدأ الدموع تنزل من عينيه )
الشيخ : لابد أن عندك أولاداً ينتظرون عودتك ..كما عندي زينب .. أملي الذي من أجله أعيش .. من أجله أرغب في مغادرة هذا المكان .
محمد تقي: ( بحده ) أما نحن فلا نريد ..هذه مقبرتنا .
الشيخ: (يقترب من محمد تقي ) بل تريد وأكثر مني .
محمد تقي : ( لا ينبس ببنت شفة ) .
الشيخ : ألم تتشوق لأطفالك يجلسون حول العشاء ، منتظرين عودتك من المزرعة ؟
محمد تقي : لقد زهدت في كل شي ..لا رغبة لي حتى في العيش .
الشيخ : إنك تقتل نفسك .
محمد تقي : لا ضير .. فقد قتلت مراراً .
الشيخ : (محبطاً ) إنك تتعبني .. تثير فيّ الرغبة في صفعك .
محمد تقي : ( يقترب من الشيخ ) لك وجهي .. فافعل ما شئت .
يرفع الشيخ يده متردداً .. فجأة يقف بينهما غريب
غريب : ( يصرخ ) ..لا ..
الشيخ : (ينزل يده ) لا أقوى حتى على ضربك ..كم أحبك يا محمد تقي .
يظل محمد تقي صامتاً
الشيخ : أحبك يا غريب . .أحب كل من كانوا هنا وغادروا ..سنوات عشر وأنتم جميعاً ظلي الذي لا يفارقني .. تمر السنوات فأراكم تكبرون .. أرى الشيب يخط رأسك ولحيتك ( بأسىً ) .. وهذه الليلة الأخيرة لي معكما .. يا من يعز علينا أن نفارقهم .. وجداننا كل شئٍ بعدكم عدمُ .
غريب : ( يحتضن الشيخ بقوة ويجهش بالبكاء ) .. لا .. لا ..
بعد لحظات يبتعد غريب وهو يجفف دموعه بكم ثوبه .. يقف عند جدار السجن .. يظل الشيخ وحيداً
الشيخ : (يرمق محمد تقي بنظرات حزن ) وأنت .. ألن تودعــني بمثل ما ودعني غريب ؟!
محمد تقي : (يهز رأسه وعيناه مملوءتان بالدموع ) أكره ساعة الوداع .
الشيخ : وأنا أمقتها وأنت غاضب مني ..
محمد تقي : لست غاضباً منك ، لأني أحبك .. ألفت حياتي هنا بين هذه الجدران معك أكثر من أي شخص آخر .. و ها أنت تتركنا .
الشيخ : يعلم الله مدى أساي وأنا أغادركما .
محمد تقي : لمن نبث همومنا ؟! .. من يؤنسنا بين جدران السجن المظلم ..من ؟!.
الشيخ : الله أنيس المؤمنين ..وله لا لغيره تبث الهموم .
محمد تقي : ونعم بالله .. (يحاول التبسم ) والآن لا تضيع وقتك ..جهز حاجياتك استعداداً للسفر .. فزينب تنتظرك .. ربما نسجت لك من دموعها وشوقها إليك عباءة جديدة .
يتجه الشيخ إلى حيث أمتعته .. يفتح قطعة قماش كبيرة .. يملأها بالأمتعة
الشيخ : (حالما يجهز حاجياته ) عشر سنوات ..لقد كبرت زينب .. أصبحت امرأة ..منذ تركتها كانت في العاشرة ..سأعود وأزوجها لأفضل شباب المدينة ،فلا يستحقها سوى الأفضل .. والأفضل أنا ربيته على يدي .. ربيته على مبادئي ..حتى أصبح مثلي رغم صغر سنه .. لابد أنه أكمل المسيرة ..لابد أن الناس يعيشون في أمان دون خوف من طواغيت المال .
محمد تقي : ( يضحك بسخرية ) لازلت في هذيانك يا شيخ .
الشيخ : ( بحدة ) أنا متأكد أن حسيناً لن ينحو شبراً واحداً عن الخط الذي رسمته .
محمد تقي : أتمنى ذلك من كل قلبي .
الشيخ : (يعود لتجهيز حاجياته ) غداً كل الذين في هذا السجن سيعودون لأوطانهم .
محمد تقي : هل ستخرجنا وحدك ؟!.
الشيخ : أهل الخليج لا يرضون بالذل مهما طال .. سيثورون على النصارى .. سيخرجونهم من الخليج .. صدقني !! .
محمد تقي : الله أعلم ! .
الشيخ : ستخرج من هنا حتى وإن لم ترضَ .
يلزم محمد تقي الصمت وعلى وجهه ابتسامه تهكم ..يربط الشيخ حاجياته في القماش الأبيض .. يضعه جانباً .. ويسير حيث محمد تقي
الشيخ : لي رغبة في أن أحكي لكما حكايتي للمرة الأخيرة .. فربما لن نرى بعضنا ثانية ً
يقف غريب حاضناً قنديله .. وناحية الشيخ يتجه مترقباً الحكاية
الشيخ : الحكاية تقول أنه بعد أن أمن الناس في المدينة من جبروت أرباب المال .. وصار الناس على قدر عملهم يؤجرون ..ولم يعد في المدينة من مظلوم .. وفي ليلة من ليالي الصيف الرطبة ..وبعد أن نام كل من في المدينة ..كنا ننام على أسطح منازلنا ..نراقب النجوم في سكونها ..كانت المدينة هادئة ربما على غير عادتها ..فعادة ما نسمع نباح الكلاب أو صياح ديك جارنا ..فهذا الديك لا يهد أبدا ً.. أما تلك الليلة فلا صوت يقتحم السكون ..ربما أدركت الحيوانات ما سيحدث ..فجأة اهتزت المدينة بأكملها ..
يقعد مجمد تقي ويسمع باهتمامٍ بالغ لحكاية الشيخ .. وغريب أيضاً
الشيخ : رأيت أجساماً تملؤها النار تسقط على القرية ..فجعت ..تساءلت :- هل قامت قيامتنا ؟! ..لا .. للقيامة أشراط ..هل عذاب ساقه الله إلينا لما فعله المجرمون .. وما ذنبنا وذنب الآخرين ..سمعت صراخات الناس في كل مكان ..أخذت زوجتي وطفلتي زينب ..نزلت بهما إلى الدار ..خرجت كالمجنون عليَّ أجد جواباً ..سمعت من الناس أن بالبحر سفناً للبرتغاليين وما هذه النار إلا من مدافعهم .. أخذت بندقيتي ..عبأتها بالبارود ..خرجت ومعي الكثير من رجال المدينة .. أطلقنا النار وهم يطلقون .. استقبلنا بعض من خرج إلى اليابسة بالنيران .. أردينا منهم الكثير ..لكن كانوا طغاة دمروا فرضة المدينة ..فشلنا في ردعهم وردهم من حيث جاءوا .. أخذونا أسارى نحن الذين بقينا أحياء ..جاءوا بنا إلى هنا ..وعذبونا ..نكلوا بنا ..لم يكونوا بشراً بل وحوش ..قطعوا آذان البعض وجدعوا أنوف البعض الآخر ..لم يكتفوا بل سخرونا لخدمتهم ..بنوا حصوناً على جثث أهل الخليج .. بعد سنوات من السجن والذل والقهر ..طاف بسمعي أن ابنة عمي ..زوجتي ماتت ( تدمع عيناه ..وتلمع عينا محمد تقي ويبكي غريب ) ماتت ..حزناً لأني ما عدت كما وعدتها .. أمسكت بي وبالبندقية وقالت .. لا ترحل ..
يضئ جزء من المسرح على المشهد الشيخ أحمد وزوجته تمسك به وبندقيته ..وسط نظرات زينب الخائفة وأصوات القصف تسمع في المكان)
الزوجة : لن أتركك ترحل يا شيخ .
الشيخ : الله يحفظك يا أم زينب .. اتركيني أرجوك .
الزوجة : لن أتركك ..كلنا بحاجة إليك ..أنا وزينب والناس .
الشيخ : هذا وقت حاجة الناس إلي ..سفن النصارى تملأ ( السيف ) ..يقصفون المدينة بالنار .. لا يمكن أن أبقى متفرجاً .
الزوجة : عدني أنك ستعود .
الشيخ : إنشاء الله سأعود .. والآن اتركيني .
تترك البندقية في يديه وتنخرط بالبكاء ..تتبعها زينب ..تحضن أمها ..ويغادر ..يظلم المشهد .. ويتابع مشهد السجن
الشيخ : مذ ذاك .. أدركت أن المأساة أكبر .. إبنة عمي ماتت حزنا ً.. وغيرها مات حرقاً بنيرانهم ..أقام البرتغاليون في المدينة ..بنوا لهم حصناً يحميهم من الناس ..نهبوا أقوات الناس وأرزاقهم ..لم يأمن منهم لا غني ولا فقير .. امتلكوا البحر والبر .. أدركت أن مشاكستهم في السجن لا طائل منها .. فلابد أن أخرج ..حتى أقف مع الناس في مواجهتهم ليعود الخليج طاهراً من دنسهم ..(بصوت أرفع ) سيعود الخليج طاهراً من دنس النصارى .. (يكررها وبصوت أرفع ..ينقض عليه محمد تقي وغريب محاولين إسكاته ) .
محمد تقي : اسكت يا شيخ ..لا تنسَ أننا في سجنهم .
يُسمع صوت أقدام خارج السجن .. يطل جندي برتغالي بين القضبان وعلى ملامحه الغضب
الجندي : اصمتوا أيها الحيوانات .. وإلا وضعت الحجارة في أفواهكم .
محمد تقي : سوف نصمت .. إن الشيخ أحمد فرح لأنه سيغادر غداً .
الجندي : إن لم يصمت سوف لن يغادر إلا ميتاً ..فأنتم لا تستحقون سوى الموت .. ( بحدة يصرخ ) ناموا ..
يأخذ كل واحد منهم جانباً .. يغادر الجندي .. يقتربون من بعضهم البعض
الشيخ : (بصوت منخفض ) سيعود الخليج طاهراً من دنسكم ..لو كان بيدي لأوسعته ضرباً حتى يلفظ أنفاسه .
محمد تقي : (مبتسماً ) رغم أني أسمع حكايتك كل يوم منذ عشر سنوات إلا أن لها في كل مرة رونقاً آخر .. وزاد إحساسي بها الليلة .. كأني لأول مرة أسمعها .
غريب : (يبتسم ..ويشير بأنه هو كذلك يسمعها لأول مرة ) .
الشيخ : ربما هي نكهة الوداع .. تضفي على الحكايا إحساساً مختلفاً .
محمد تقي : ستخرج يا شيخ ونبقى دون حكايا .
الشيخ : قلت لكم ستخرجون أيضاً إما عاجلاً أو آجلاً .. سنلتقي من جديد .. صدقوني .. سنرفع معا راية النصر .
محمد تقي : كن حذراً يا شيخ .
الشيخ : الله الحافظ ..
محمد تقي : نم الآن ..فوراءك رحلة طويلة في هذا البحر .. ( يتوقف المشهد ..يتقدم محمد تقي إلى الواجهة ويخاطب الجمهور ) لم تكن الليلة سهلةً علينا نحن الثلاثة ..فهي آخر ليلة نكون فيها معاً .. فالسنوات التي مرت مزجت أرواحنا فبتنا كواحد .. نألم إن ألم واحدنا ..ونحزن إن حزن ..رغم قساوة السجن وفظاظة السجانين التي جرعناها .. ليلة بكيت فيها أكثر مما بكيت يوم أصابتني سهام خيانة الناس .. وبكى غريب وهو يحضن قنديله الذي لا نعرف ما قصته ولا قصة صاحبه ..لم ننم تلك الليلة .. وعند الفجر صلى بنا الشيخ ودعونا الله أن يوفقه وأن لا يخذل من إليهم سعى لينصروه ..كان واثقاً أن الناس سيعاضدونه و يؤازرونه ، أما أنا فلا .. غادر الشيخ في الصباح وثقلت صدورنا حزناً لفراقه .. غادر الشيخ أحمد إلى حيث فصلٍ جديد من فصول عذاباته .
إظلام
المشهد الثاني
نفس الجوقة في المشهد الأول..
الجوقة : تعود إلى الرحم الذي أنزل العشق فيك
إلى الرمل أطعمك الحب .. أحمد سراً
أمك هذي التفاصيل
شكل مدينة
كنت تظن .. ستغسل خصلتها بالترقب
بزيت اللقاء ..
وتنجب حضناً للذي عاد ..
عاد معتنقاً طهر هذي البلاد ..
محمد تقي يتصدر الخشبة .. وفي الخلفية يرى مشهد ميناء المدينة ..حيث ترسو سفينة للتو وصلت .. يفرغ العمال حمولتها ..يرى الشيخ أحمد حاملاً صرته .. يخرج من السفينة ينظر بدهشةٍ إلى الوجوه
محمد تقي : عاد من ظلمة السجن .. في سفينة تحمل لتجار المدينة بضائعهم من الهند ..
صعد إلى السفينة لم يكن يعرف أحداً ..ولم يكن يعرفه أحد .. غريباً أحس نفسه .. لكن الشوق لتنفس هواء الوطن أنساه الاغتراب ..وما أن وصلت السفينة لفرضة المدينة .. نزل إلى أرضها باحثاً عن وجوه يعرفها فلم يألف الوجوه ..فالوجوم .. والقهر يرسمان ملامحها ..حاول أن يقرأها ..ليترجم حكاية المدينة ..لكن الوجوه خرساء .. ولا لغة قادرة على قراءتها ..يتجه صوب داره ..يذكر أن داره كانت هناك وراء السوق .. في زقاق جانب المسجد …
أدِّ التحايا أيها الموجوع بالرمل ..
للدار , للأهل , للصور البعيدة
والقريبة ..
للمساء يمنح روحك حبل انتماء ..
للدروب تخبئ أسرارها .. يفضحها الفجر ..يلقي عليها السلام .
المشهد الثالث
المنظر .. سوق المدينة .. تتضح في البعيد أبراج القلعة البرتغالية .. وفي يسار الخشبة المقهى .. بعض أهالي المدينة يشربون الشاي أو يدخنون (القدو ) ..حركة المقهى وأصوات رواده تتداخل يتحدثون في شئون المدينة وفي زقاق خلف السوق منزل مهدم بانت بقاياه .. دكان لبيع المواد الغذائية بالداخل صاحب الدكان (أبو حسين التاجر ) وحوله بعض الناس وفي أقصى اليمين مسجد المدينة .. المارة يروحون ويجيئون ..باعة متجولون أو يفترشون الأرض لعرض بضائعهم ..أطفال يلعبون رواد المقهى يتحدثون
رجل1 : (مهموماً ينفث الدخان كثيفاً ) لقد ابتلينا مرتين ..مرةً بالتجار والنواخذة والأخرى بهؤلاء النصارى .
رجل2 : التجار معذورون .. يدفعون أموالهم لجلب البضائع من الهند ومن السند وهؤلاء يسرقونها .
رجل3 : (يدير رأسه إليهما ) فعلاً ..كما نعاني يعانون .
رجل1 : لكنهم أغنياء ..
يقاطعه دخول رجل 4 .. يسلم على الجميع فيردون عليه سلامه .. يقعد مهموماً
رجل4: (ينادي ) يا صبي ! .. جهز لي الشاي و( القدو ) لأعدل به رأسي .
الصبي : دقائق ويكونان عندك .
رجل2 : ( يضحك ) جئت في وقتك ..كنا نتحدث عن الأغنياء .
رجل1: ( يشاكسه ) لم نقصدك أبداً . .فأنت لست بغني .
رجل4 : ( محتداً ) كف عن لمزك يا رجل .
رجل1 : كنت أمازحك فقط .
رجل4 : يكفيني ما في .
رجل3 : لو كنت كسابق عهدك .. لكنت الآن في الفرضة تنتظر بضاعتك القادمة من الهند .
رجل4: (ينفث حزيناً ) زمان ومضى .
رجل2 : الخيرة في ما اختاره الله .
رجل4: الخيرة أن أخسر مالي وأبقى مثلكم ؟ ..خسرت المال والجاه .
ينتقل الحديث لفلاح يبيع الرطب ومشترٍ
المشتري : ( يتذوق رطبة ً يلوكها ثم يبصقها متقززاً ) أهذا رطب يا رجل ..لقد جف حلقي .
البائع : جرب غيرها .
المشتري : كنت أشتري منك أفضل الرطب .. ما الذي تغير؟.
البائع : أنت تعرف أنه لم يكن موسماً جيداً لقد أثر الجو في النخيل .
المشتري : أمري لله .. اختر لي أفضل ما عندك لن أضطر إلى الشراء من مكان آخر فلا وقت لدي .. (ينادي على خادمه ) أيها الصبي .. خذ الصندوق إلى البيت .
يمر شابان يتحدثان
الشاب 1: فعلت ما في وسعي ..لم يقبل .
الشاب 2: لا تيأس ..جرب مرة أخرى .
الشاب 1: ماذا سأفعل ؟! .. هل هناك أكثر من تقبيل رأسه ويديه ؟ ! .
الشاب 2: افعل أكثر ..قبل رجليه أفضل أن تبقى دون عمل .
الشاب 1: والله إني أتمنى أن أقطع هذا اللسان حتى لا أتجرأ عليهم ..هم سادتنا ومن خيرهم نعيش .
أبو حسين التاجر في دكانه يتحدث إلى أحد زبائنه
أبو حسين : وهل تعتقد أنها ستمر بسلام ؟! .
الزبون : ادعو الله أن يحفظها من جورهم .
أبو حسين : نصف البضاعة لهم .. والضرائب العالية لهم ..ولا يبقى لنا إلا القليل .. كيف نعيش ؟! .
الزبون : حسبنا الله ونعم الوكيل ..متى يفرج الله عنا هذه الكربة .
أبو حسين : نعيش في هذا العذاب ولا من معين .. أين المسلمون ؟
يدخل أحد عمال التاجر
العامل : (يلهث ) عمي أبو حسين لقد وصلت السفينة للتو .
أبو حسين : (يقف ) والبضاعة ؟!.
العامل : لقد بدأنا إنزالها ..
أبو حسين : وماذا تبقى منها ..
العامل : يقول البحارة أنهم دفعوا ضرائب عالية كالعادة .. وأخذ البرتغاليون جزءاً كبيراً من حمولة السفينة .
أبو حسين : (يضع يديه على رأسه ) خربت بيوتنا .. كل مرة خسارة .. يا رب فرج عنّا يا الله ..
يترك الدكان ..متجهاً ناحية الفرضة .. يدخل الشيخ أحمد من نفس المكان .. وفي يده متاعه .. يدير وجهه في أرجاء السوق
الشيخ أحمد : ( يحدث نفسه ) لماذا أشعر بالغربة في لحظات عودتي الأولى ؟ ..لماذا تغير شعوري من سعادة إلى قلق ؟ .. لاشيء تغير في المدينة ، السوق نفسه .. المسجد نفسه .. دكان أبي حسين التاجر نفسه .. الناس أنفسهم ، وداري نفسها .
يلحظ داره وقد هدمت وما بقي منها سوى أنقاض .. مندهشاً يرمي أمتعته على الأرض ويركض جهة داره ..يصرخ
الشيخ أحمد : داري .. أين داري ؟! .. ( يدخل مصدوماً إلى الدار يجول فيها ..يحرك الحجارة هنا وهناك ..يصرخ بأعلى صوته ..وفي يده بقايا جرة طينية ) أين داري ؟! .. أين داري يا أهل مدينتي .. أين داري ؟!
يتجمهر الناس حوله وهم يتهامسون .. يدخل الشيخ أحمد وسط الناس
الشيخ أحمد : ( في يده بقايا الجرة .. وكالمثكول يصرخ فيهم ) أهذا ما بـقي من داري ؟! .. أهذا ما كافأتموني به بعد السنوات العشر في سجون النصارى .. أهذه جائزتكم لي ؟!
تتداخل الأصوات
صوت1 : من يكون هذا ؟!.
صوت2 : أيعقل أنه الشيخ أحمد ؟!..
صوت3 : الشيخ أحمد مات ..
صوت4 : بل هو الشيخ أحمد أنا أتذكره جيداً ..
الشيخ أحمد : أخبروني بالله عليكم .. لم هدمتم داري ؟!…لم ؟!.
صوت2 : لقد نسيناه ..وهاهو يعود إلينا .
صوت3 : إنه محظوظ ..كيف أبقاه البرتغاليون حياًَ .
صوت1 : قال لي أبي أنه لا يخشى أحداً .
الشيخ أحمد : (يصرخ فجأة ويرمي ما بيده ) أين زينب ؟!.. أين ابنتي زينب يا ناس ؟!.. أخبروني .
يدخل الشيخ نصار مع بعض أهالي المدينة ..يلمحون جمهرة الناس ..يخترقهم ..ويبقى وجهاً لوجه مع الشيخ أحمد ..يبدآن تفحص أحدهما الآخر
الشيخ نصار : من ؟!.. الشيخ أبو زينب أحمد بن سلمان .
الشيخ أحمد : الشيخ نصار ..(يرتمي عليه يحضنه ويبكي ) أخي الشيخ نصار .
الشيخ نصار : (تفيض دموعه وهو يضمه بقوة ) كم اشتقت إليك يا شيخ ..
الشيخ أحمد : ( يبتعد عنه ويصرخ فيه ) قل لي أين ابنتي زينب ..
الشيخ نصار : زينب بخير ..
الشيخ أحمد : أين هي ؟
الشيخ نصار : ستراها .. إنها في بيت عمتها .
الشيخ أحمد : حقاً .. وداري .. لمَ هدمت ؟!
الشيخ نصار : ( يطرق برأسه إلى الأسفل ) هذا من فعل البرتغاليين ..لقد هدموا و أحرقوا بيوت كل من شاركك في تصديك لهم .
الشيخ أحمد : وكتبي ؟!
الشيخ نصار : لا علم لي بها يا شيخ .
الشيخ أحمد : ( يستند إلى الجدار للحظات ..يتفحص الوجوه ملياً ) من هؤلاء يا شيخ نصار ؟!
الشيخ نصار : هؤلاء أهل المدينة ..هل نسيتهم ؟! .. هذا موسى السمّاك ..وهذا أحمد بن الدباس .. وهذا ..
الشيخ أحمد : ( يقاطعه ) لا أشعر أن هذي الوجوه أعرفها .. دعـهم يبتعدون عني أرجوك .
الشيخ نصار : ( يفرق الناس ) هيا ..لو سمحتم .. دعوا الشيخ يرتاح قليلاً ..
تنفض الجمهرة .. والأصوات تتداخل
صوت1 : لو يعلم ماذا حدث ..
صوت2 : دعنا نسير في طريقنا ..وندعه في حزنه ..
يقعد الشيخ أحمد على الأرض مستنداً على بقايا جدار داره .. ينفث نفساً عميقاً
الشيخ أحمد : لكِ يا منازل في القلوب منازلُ .. أقفرت أنت وهن منك أواهلُ ..جئت وكلي شوق لمدينتي العتيقة ..كنت أحسب أني سأحظى باستقبال أهل المدينة .. ولكن .. قوبلت بدار مهدمة وبوجوه أحس الغموض فيها .. أين زينب يا شيخ ؟!.
الشيخ نصار : أخبرتك أنها بخير .. وهل عرفت ما حدث لابنة عمك ؟!
الشيخ أحمد : ( تغرورق عيناه بالدموع ) وصلني خبرها وأنا في سجن البرتغاليين ..ولكن هل ماتت قبل أو بعد هدم الدار ؟!
الشيخ نصار : بعد .. كما أخبرتني زوجتي كانت أم زينب لا تكف عن البكاء وتلهج باسمك على الدوام ..كانت تشتاق إليك كثيراً ..كما كنا نشتاق إليك ..كنت تملأ أزقة المدينة .. بصورتك وبأفعالك .
يمر عجوز يتكئ على عكاز ..يلحظ وجود الشيخ أحمد ..يتجه إليه ..يقترب منه .. يقف الشيخ ينظر إلى العجوز ملياً
العجوز : أأنت الشيخ أحمد ؟!
الشيخ أحمد : أنا بشحمه ولحمه .. ألست أبا قاسم ؟
العجوز : أنا والله هو ..( يضمه إلى صدره .. يقبل رأسه ويديه ) حمداً لله على سلامتك يا ولدي .
الشيخ أحمد : الله يسلمك يا أبا قاسم ..( يبتسم ) ما بالك أصبحت عجوزاً .
العجوز : عشر سنوات مضت كفيلة بجعلي عجوزاً .. أنظر إلى لحيتك أنت ، لقد خطها الشيب .
الشيخ نصار : أتعرف هذا الوجه يا شيخ أحمد ؟!
الشيخ أحمد : ( سعيداً ) هي ذي مدينتي أراها في عينيه .. أشم رائحة الماضي منه ..قل لي ..كيف تسير أحوال الزراعة معك ؟
العجوز : لقد كبرت ولا أقوى على أعبائها .. أولادي وأحفادي يقومون بالمهمة .
يدخل حسين من إحدى جهات المسرح يركض خائفاً .. يحاول ببعض الحركات إبعاد شئ وهمي عن جسده
حسين : نار ..نار ..جسدي يحترق .. إني أصبح جمرة ..ابتعدوا عني أنا أحترق .. أنا أحترق .. ( يخرج من الجهة الأخرى ) .
يلحظه الشيخ أحمد مذهولاً
الشيخ أحمد : أليس ..هو ..
الشيخ نصار : (يطرق حزيناً ) نعم هو بذاته .
الشيخ أحمد : ما الذي حدث ؟! .. أيعقل أن يكون هو ؟!
الشيخ نصار: حدث بعد سجنك ومقتل والده .
الشيخ أحمد : (ينادي ) حسين !!.
يخرج الشيخ أحمد من حيث خرج حسين
الشيخ نصار : (متأثراً ) مسكين يا أبا زينب .
العجوز : (يهز رأسه أسفاً وينفث ) .. لا حول ولا قوة إلا بالله .
الشيخ نصار : عاد وفي ظنه أن الناس كما الناس والمدينة كما المدينة .
يعود الشيخ ممسكاً حسين يقعده عند داره .. ويقعد إلى جانبه
الشيخ أحمد : ما الذي حدث لك ..حتى تصبح إنساناً آخر ؟!
ينخرط حسين في البكاء ..ويحتضن الشيخ أحمد
الشيخ أحمد : كنت أدخرك للمهمات ..حسبتك كبرت وستكون عضدي لنخرج هؤلاء المحتلين من مدينتنا .
الشيخ نصار : (يقاطعه ) ألا يزال الموال يعشعش في رأسك ؟!
الشيخ أحمد : إلى أن أموت .. لا يمكنني أن أنسى ما ارتكبوه .. زوجتي وهذا المسكين وأنا .. والمدينة بأكملها .
لا يكف حسين عن البكاء ..فيمسح الشيخ على رأسه
الشيخ أحمد : لم أفهم بعد ما الذي جعله في هذه الحالة ؟!
يبعد حسين يد الشيخ عن رأسه ويبدأ بالصراخ
حسين : حريق .. نار .. إني احترق .. أبعد يدك يا شيخ حتى لا تصير جمرة ..
( يقف ويبتعد عن الشيخ ) حريق .. نار .. المدينة تحترق ..أجسادنا تحترق ..حريق ..نار ..( يخرج هارباً ) ..
الشيخ أحمد : حسين !! .. أخبرني يا شيخ نصار ما الذي حدث ؟!
الشيخ نصار: لقد رأى بعينه أمه وأخوته يحترقون في دارهم بعد أن أضرم البرتغاليون النار فيها .. لأن والده كان شريكاً لك في تصديك لهم .
الشيخ أحمد : ( بيأس ) يعني أنا السبب ؟!
أصوات رواد المقهى
رجل 1: ومن السبب غيره .. لقد جن الفتى على يديه .
رجل 2: بل جن على يد البرتغاليين ..ما ذنب الشيخ أحمد ؟!
رجل 4: على رغم كرهي له في الماضي .. إلا أني كنت معجباً به ..كان يأخذ حقوقكم منا رضينا أم أبينا .
رجل 3: كان يجب أن نستقبله استقبال الأبطال ونقبل رأسه .
رجل 1: تقبل رأس من .. ألم تسمعوه يقول أنه لم يرَ هذه الوجوه من ذي قبل ؟! .. إنه يتنكر لنا .
رجل 2: لأنه كان غاضباً منا .
رجل 1: ولم ؟!
رجل 3: أهكذا يستقبل من قضى عشر سنوات في سجون المحتلين لأجلنا ؟!
رجل 4: كان أجدر بكم أن ترفعوه عالياً إلى السماء ..إنه شرف لكم وتاج على رؤوسكم .
تدخل زينب باكية من إحدى جهات المسرح ..تركض ناحية والدها
زينب : ( بفرح ) والدي !!
يلحظها الشيخ أحمد .. يركض إليها ويعانقها
الشيخ أحمد : ( فرحاً ) زينب !! .. أأنت زينب ؟
زينب : ( تبكي وهي في حضن والدها ) أنا هي يا أبي .. ابنتك زينب .
الشيخ أحمد : حياتي أنت ونور عيني يا زينب !!
تظلم الخشبة تماماً إلا من بقعة ضوء على الشيخ وابنته ..ترافق المشهد موسيقى أعياد .. يبعد الشيخ جسد ابنته قليلاً بحنو الأب ، وعلى وجهه ابتسامه عريضة
الشيخ أحمد : لقد كبرت يا زينب ..أصبحت امرأة .
زينب : كم اشتقت إليك ..كنت دونك شجرة بلا جذور .
الشيخ أحمد : كيف علمتِ بعودتي ؟
زينب : أخبرني عمي أبو سلمان .. ربما أحمد أهالي المدينة رآك في الفرضة وأخبره .
الشيخ أحمد : ( يرفع غطاء وجهها ) دعيني أتملى من وجهك كي أنسى سنوات القهر والذل .
زينب : ( تبين ابتسامة وجهها الذي تبلله الدموع ) عدت تزفك الأشواق .
الشيخ أحمد : ( يرمقها بنظرات حانية ) أصبحت تشبهين أمك كثيراً ..حتى وإن غابت أراها فيك .
زينب : كانت مشتاقة ً إليك .
الشيخ أحمد : وأنا كنت أتحرق شوقاً لمرآكما .
زينب : (تنتبه ليده المقطوعة .. تصرخ ) أبي .. أين يدك ؟!.
يضاء المسرح على المشهد السابق
الشيخ أحمد : (يتحسس يده ) قطعها النصارى ..إنها آثار أحقادهم .
زينب : ( تبكي ..تقبل يده ) لعنهم الله .. ألم يعرفوا أي يدٍ هذه ؟!
الشيخ أحمد : ( يمسح على رأسها ) لا تفسدي فرحة اللقاء .. دعك من يدي .. واخبريني عن الأحوال .
الشيخ نصار : لا تنسَ يا شيخ أنك في الطريق .. الناس يمرون من هنا .. لا يجوز أن تبقى هنا .. تعال معي إلى البيت .
العجوز : بل معي .. أفضاله على رأسي .
زينب : لا معك ولا معك أنت .. أنا أحق بأبي .
الشيخ أحمد : بل سأبقى في داري .
الشيخ نصار : دارك ؟! .. لا أثر لدارك يا شيخ .
الشيخ أحمد : وهذا الطين ؟! .. إنها داري وستبقى .. ولن أبرح المكان .
الشيخ أحمد : ماذا عنك يا زينب .. أين تعيشين ؟
تطرق زينب برأسها خجلى ولا ترد
الشيخ نصار : لقد تزوجت ابن عمتها سلمان .
الشيخ أحمد: (مصدوماًً ) من ؟! .. سلمان ؟!
زينب : نعم .. سلمان .
الشيخ أحمد : كيف ؟!
الشيخ نصار : كانت في منزل عمتها .. واتفق الطرفان على الزواج .. وأنا من عقدت لهما .
الشيخ أحمد : لكنه كوالده .. (يصرخ غاضباً في وجه العجوز والشيخ نصار ) لم تحفظوا لي في ابنتي حرمة .
الشيخ نصار : يا شيخ …
الشيخ أحمد : (يقاطعه ..ثم لزينب ) أين عمتك ؟!
زينب : (تبكي ) إنها في الطريق إلى هنا .
يدخل عندها أبو سلمان وخلفه ولده سلمان ثم زوجته ..يتجهون مسرعين إلى الشيخ وعلى وجوههم الإبتسامات .. يلحظهم الشيخ فينقبض
أبو سلمان : (يعانق الشيخ ويقبله ) حمداً لله على سلامتك يا أخي ..كم اشتقنا إليك ..
الشيخ أحمد : ( يصطنع إلابتسامة ) سلمك الله .
يعانق سلمان الشيخ أحمد ويقبل رأسه
سلمان : الحمد الله أن فك قيدك يا خالي .
تعانقه أم سلمان وتنخرط في البكاء .. دون أن تنبس ببنت شفة
أبو سلمان : أخبرني يا شيخ أحمد ..كيف كانت رحلتك ؟!.. ( ينتبه ليده ) لا حول ولا قوة إلا بالله .. أهذه أفعالهم ؟! .. يقطعون يدك ؟!
تبتعد أم سلمان باكية وتقف جوار زينب
الشيخ أحمد : (يرفع يده المقطوعة ) نصارى ..ما جاءوا إلا لينفثوا ما في صدورهم ضدنا ..( لأخته ) كيف حالك يا أختي ؟!
أم سلمان : ( باكية ) الحمد الله .. وكيف أنت ؟! ..كيف قضيت هذه السنوات في السجن ؟!
الشيخ أحمد : مترقباً عودتي .. مترقباً الناس الذين سجنت لأجلهم .. مترقباً حسين يكبر أكثر ويصير يدي الذي فقدت .. مترقباً زينب تكبر وأزوجها ..
أبو سلمان : ( يضحك ..محاولاً ترطيب الجو ) لو أننا ظننا أنك ستخرج من السجن سريعاً .. لأجلنا الزواج .. لكن يكفي أن تسعد بزواجها .
الشيخ نصار : لابد أن أترككم وحدكم الآن . .لقد قرب وقت الصلاة وسأستعد للذهاب إلى المسجد .. ( للشيخ أحمد ) لمَ لا تؤم الناس في الصلاة يا شيخ أحمد ؟
الشيخ أحمد : اعفني .. أنت إمام المسجد .
الشيخ نصار : كما تشاء .. سنراك .. ( يتجه إلى المسجد ) .
العجوز : خذني معك يا شيخ نصار ..نتركك في أمان الله يا شيخ أحمد .
الشيخ أحمد : ( لأخته ) لماذا زوجتها لولدك رغم معرفتك رغبتي ؟!
سلمان : ولماذا لا أتزوج ابنة خالي ؟! .
الشيخ أحمد : لأنك لا تصلح زوجاً لها .
سلمان : ولمَ .. أنت تكرهني يا خال .
الشيخ أحمد : ( محتداً ) لا أكرهك بل أكره تصرفاتك .
أبو سلمان : لقد أصبح سلمان رجلاً يا شيخ .
الشيخ أحمد : لم ولن يكون رجلاً .. إنه الرعونة بعينها .
سلمان : إنك تظلمني .
الشيخ : ( لأخته ) زينب كانت أمانة في عنقك ..لمَ لم تصن ؟!
أبو سلمان : يبدو أنك ما زلت تحمل لي البغض ؟!
الشيخ أحمد : (لا يرد .. ويكتم غيظه ) .
أم سلمان : ( تحاول الدخول في النقاش ) يا أخي ..
أبو سلمان : ( محتداً ) اصمتي ..إذا تكلم الرجال فلا حديث لكنّ .
الشيخ أحمد : دعها تتكلم ..ما عودها والدي ، كما لم أعود أنا زينب على لزوم الصمت .. تكلمي يا أم سلمان .
تنظر أم سلمان لأبي سلمان كمن تطلب الإذن
أبو سلمان : تكلمي .
أم سلمان : سامحني يا أبا زينب أماتني الله إن قصدت إيلامك لكن ..
أبو سلمان : ( يقاطعها ) لكن أنا من رغبت في زواجهما .. لا تنسَ يا شيخ أن ابنتك كانت عذراء .. ويجب أن يكون وجودها في منزلنا شرعياً حفظاً لها من كلام الناس .
الشيخ أحمد : لا يجرأ أحد على المساس بزينب ( يمسك كتفها ) .
سلمان : لقد دخلت بيتنا عزيزةً كريمة .. وعلى العموم البنت كالزهرة إن لم تُسقَ تذبل.
الشيخ أحمد : (بسخرية ) وأنت من رويتها ..شكراً لك ( يحتد ) أبداً لن تبلغ مبلغ الرجال .. لا تحتاج زينب إليك .
سلمان : ( غاضباً ) أوه ..أنت لا تكف عن هجومك علي .. وكأني ارتكبت جرماً لا يغتفر .. ( يدفع زينب تجاه والدها ) خذها واشبع بها .. كل بنات المدينة يتمنونني .
الشيخ أحمد : ( يتلقف زينب التي تبدو متألمة .. يصفع سلمان على وجهه ) لا تلمسها أيها الأرعن .
سلمان : (يتحسس مكان الصفعة ) تصفعني ؟! ..سوف تندم ( يخرج وسط استياء والده وبكاء والدته ) .
أبو سلمان : سامحني يا شيخ على ما ارتكب ولدي .
الشيخ أحمد : أسامحك لأجل ماذا أو ماذا ؟! .. اتبعه فأنت من ربيته وزرعت فيه بذرة الشر .
أبو سلمان : (يتبرم ) يبدوا أنك مجهد ..سأتركك حتى ترتاح .. ( يستدرك ) لكن أين ستقيم ؟! .. بيتي هو بيتك .
الشيخ أحمد : هذه هي داري .. وسأقيم فيها .
أبو سلمان : أصبحت دارك خراباً ولا تصلح مكاناً للإقامة .. يقولون أن الخرائب مأوى للجن .
الشيخ أحمد : (يضحك ) الجن ؟!.. لم أخف من شياطين الأرض ..حتى تخيفني الجن .
أم سلمان : لكن لا يجوز أن تبقى في العراء وبيتي مفتوح لك .
الشيخ أحمد : كنت أتوق للخروج من سجن البرتغاليين لأعود إلى بيتي .. أرجع فيه ذكرياتي الجميلة .. لا أن أقطن بيت غيري .
أبو سلمان : لكنه منزلي ومنزل أختك .
الشيخ أحمد : عودوا لمنزلكم .. فلا مكان لي غير هذا .
أبو سلمان : كما تحب .. لن نجبرك ..( لزوجته ) هيا يا أم سلمان .
أم سلمان : دعك من هذا المكان وتعال معي .. يبدو عليك الإنهاك ..كلْ ..ثم ارتح .
يهز الشيخ أحمد رأسه سلباً
أبو سلمان : هيا يا أم سلمان دعيه وحده .. ولنرجع .
أم سلمان : يحفظك الله يا أخي .. ( تهم بالخروج مع زوجها ) .
الشيخ أحمد : توقفي يا أم سلمان . .ألن تأخذي ابنة أخيك زينب معك ؟!
زينب : ( مذهوله ) وأنت ؟
الشيخ أحمد : سأكون بخير .. أنت مكانك في بيت زوجك ..كوني خير زوجة له .. ( يستدرك ) لم أرَ أثراً في البيت لمكتبتي ..أين كتبي ؟!..هل أحرقها البرتغاليون ؟!
زينب : ( تقلب نظرها بين أم و أبو سلمان ) لا .. إنها في الحفظ .
الشيخ أحمد : (سعيداً ) حقاً ؟!
تهز زينب رأسها مبتسمةً .. ويبدو الضيق على وجه أبي سلمان
الشيخ أحمد : أين ؟!!
زينب : لاحقاً سأخبرك .. والآن سأعود للمنزل .. سآتيك بالعشاء .. مع السلامة .
يخرجون .. يعود الشيخ أحمد إلى منزله .. يفتش فيه بين الأنقاض .. وبعد برهة يعلو صوت الأذان .
إظلام
المشهد الرابع
في أقصى اليمين بقعة ضوء على منزل أبي سلمان إذا يقف بجوار ولده سلمان
أبو سلمان : لقد سمعت بأذني أن الكتب في الحفظ .. لا بد أنها تعرف مكانها .
سلمان : لماذا يريد القائد كتب الشيخ أحمد ؟
أبو سلمان : لا أعرف .
سلمان : غريب أمرهم .
أبو سلمان : ربما لأن خالك رجل علم .. وهم يتحسسون كثيراً من رجال العلم .. أنت تعرف ما حدث للشيخ نصار (يستدرك ) المهم .. حاول معرفة مكان الكتب من زوجتك .. لقد أعطيت القائد وعداً بأني سأجدها له .
سلمان : كان هذا منذ سنوات مضت .. ربما نسي الأمر .
أبو سلمان : وإن يكن .. ربما أحظى بقبوله لو سلمته الكتب بعد سنوات من طلبه .
سلمان : (يدق على صدره ) لا عليك سأجدها ..سأجعلها تقر بمكانها حتى لو كسرت رأسها .
أبو سلمان : ( محتداً ) إياك ..كن لطيفاً مع زوجتك .. وكفاك رعونة .
سلمان : حتى أنت ؟! .
أبو سلمان : كيف تتصرف بهذا الحمق مع زوجتك .. وأمام والدها ؟! .. لو كنت قريباً منك لصفعتك قبل أن تصل يده إليك ..
سلمان : لقد استفزني .
أبو سلمان : لا تنسَ أبداً أنه خالك .. والآن كن ليناً معها فربما تخبرك عن مكان الكتب بطيب خاطر .
تمر زينب بعد لحظة وفي يدها بعض الطعام ومن على كتفها يتدلى جراب قماشي .. يوقفها سلمان
سلمان : إلى أين ؟!
زينب : ( تشيح بوجهها عنه ) إلى والدي .. آخذ الطعام إليه .
سلمان : ( يلاطفها ) زينب .. هل غضبتِ من تصرفي معك ؟!
لا ترد .. ينسحب أبو سلمان بعد أن أعطى إشارة لولده بأن يفعل حسناً
سلمان : لم أكن أقصد إغضابك ..لكن أيعقل بعد أن تزوجنا وجمعنا بيت واحد أن يعاملني والدك بهذه الطريقة ؟!
لا ترد زينب يمسك سلمان يدها .. فتبعدها عنه
سلمان : يا زينب أنا أحبك كثيراً .. لكن أنت تعـرفين أني لا أسيطر على أعصابي أبداً ( يقبلها ) سامحيني .. إذا أردت سوف أوصلك إلى والدك وأقبل رأسه ويده معتذراً .. لكن لا تغضبي مني .
زينب : لا حاجة لذلك .
سلمان : يعني أنك لست غاضبةً مني ؟!
زينب : ( تحاول التهرب ) لا .. اتركني الآن آخذ الطعام إلى والدي .
سلمان : سأوصله أنا .. فعندي موضوع أرغب التحدث فيه إليك .
زينب : ليس الآن ..حال عودتي .. لك الوقت كله .
سلمان : تتركينني وأنا في حاجة للتحدث إليك ؟
زينب : لن أترك والدي دون طعام وهو للتو قادمٌ من رحلة منهكة .. ومن سجن سلب من عمره عشر سنوات حتى أتحدث معك .. قلت لك حال عودتي سأعطيك ما تريد .
سلمان : إنك تغضبينني يا زينب .. أود يوماً أن أشعر بأن لي كلمة عليك .
زينب : لم ولن تكون لك كلمةٌ علي .. أنا امرأة حرة .. وذاتٌ مستقلة .
سلمان : حسناً ..ما الذي تحملينه في يديك ؟
زينب : قلت لك طعام والدي .
سلمان : والجراب .
زينب : (مرتبكة ً ) إنه ..إنه ..إنه غطاء ..حتى لا يبرد الشــيخ في الليل .. عن إذنك ( تخرج ) .
سلمان : ( وحده غاضباً ) حسناً يا ابنة خالي .. سأعرف أين تخبئين الكتب .
إظلام
المشهد الخامس
الشيخ يستند إلى جدار داره مهموماً حزينا وقد أطبق الظلام على الأرجاء إلا بعض أضواء متفرقة من قناديل أهل المدينة .. تدخل زينب وفي إحدى يديها قنديل يضئ لها الطريق .. وفي الأخرى طعام والدها وعلى كتفها جراب .. يراها والدها .. يقف يتلقاها .. يأخذ ما بيديها .. ويقعدها جانبه
زينب : السلام عليكم .. هذا طعامك يا والدي .
الشيخ أحمد : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته .. ( قلقاً ) قبل الطعام أخبريني ما حل بالكتب .. يبدو أنك تخفين عني شيئا .
زينب : ( بابتسامة مطمئنة ) سأخبرك .. لا تقلق .. فكل الكتب بخير .
الشيخ أحمد : ( مرتاحاً ) حقاً .. بشرك الله بالخير .. أين ؟!
يُرى في نهاية الزقاق سلمان يقترب محاولاً استراق السمع
زينب : ( بصوت خفيض ) اخفض صوتك يا أبي .. أخاف أن يسمعنا أحد .
الشيخ أحمد : وأنا لا أخاف أحداً .
زينب : لقد حفظت سر الكتب عشر سنوات .. لأني لا أريد أن نخسر هذا الكنز .. ولأن للجدران آذاناً ، لنخفض صوتينا .
الشيخ : ( خافضاً صوته ) بارك الله فيك .. الآن اخبريني .
سلمان يقترب أكثر .. لكنه يبدو قد فشل في محاولته للاستراق
زينب : ( تخرج كتاباً من جرابها ) هذا دليل على أن الكتب في الحفظ والصون .
الشيخ أحمد : ( يأخذ الكتاب سعيداً.. يقبله ثم يضمه إلى صدره ) المصحف الشريف !! .. المصحف الذي جاءني من العراق .. كم اشتقت للنظر إلى حروف كلام الله ..
زينب : ( تخرج كتاباً آخر ) وهذا ديوان المتنبي ..
الشيخ أحمد : ( فرحاً ) هو بعينه .. ( يقبلها ) أنت ابنتي زينب التي أحب .
زينب : ( تطرق حزينة ) وهل ساورك شكُ في لأني تزوجت سلمان ؟!
الشيخ أحمد : لا .. لكني لم أكن أتمنى ذلك .
يبدو سلمان يحاول التقرب أكثر و التنصت على حديثهما .. لكنه يبدي حركات تذمر لفشل محاولاته
زينب : أعرف أنك كنت تتمنى حسيناً زوجاً لي .. لكنه فقد عقله .. منذ أحرق النصارى منزلهم بمن فيه .. صار يهيم في الطرقات يصرخ فزعاً .. حريق .. جمر .. ولا يكف عن صراخه حتى يُصب فوقه الماء .. يقولون أن جنياً سكن جسده .
الشيخ أحمد : بل سكنته جرائمهم .. لقد سمعت ورأيت .. ما يشيب له الرأس .. ( يمد يده المقطوعة ) وهذا أكبر شاهدٍ على وحشيتهم .
زينب : ( بتأثر تمسح على يده ) لمَ فعلوا ذلك ؟ .. أشل الله أجسادهم .
الشيخ أحمد : هم لا يحتاجون لتبرير جرائمهم .. فهم ما جاءوا إلا لقتلنا .. لا عليك .. أخبريني أكثر عن الكتب .
زينب : نقلناها من هنا .. أنا وحسين وعمتي أم سلمان قبل أن يهدموا الدار .
الشيخ أحمد : إلى أين ؟!
زينب : إلى مكان آمن .
الشيخ أحمد : أين ؟!
زينب : في …
يقطع حديث زينب دخول حسين مبللاً .. يصل جهة الشيخ .. يقف له
الشيخ أحمد : حسين !! .. هل تعرفني ؟!
حسين : ( يتفحص وجه الشيخ حزيناً .. يهز رأسه إيجاباً ) أعرفك ..
الشيخ أحمد : من أنا ؟!
حسين : ( تنزل دمعة على خده .. يمسحها بطرف كمه ) أنت الشـــيخ أحمد .. أبي أحمد .
الشيخ أحمد : ( يحتضن حسين بتأثر ) ولدي حسين .. كبرت .
حسين : أنا كما أنا .. لم أكبر .. منذ الحريق .. ما عدنا نرى غير الجمر والنار .
الشيخ أحمد : حكوا لي ما حدث .. إنها لفاجعة .
حسين : أجسادنا احترقت .. النخيل .. البحر .. حتى الهواء أضحى حريقاً .
الشيخ : ( يهزه ) كفّ عن هذيانك .. عد كما كنت .. أنا أحتاجك .
حسين : لا حاجة لك بجسدٍ محروق .
الشيخ أحمد : أنت سليم معافى .. ( يهز يده فتقطر ماءً ) انظر !.. لقد أطفأ الماء حريق جسدك .
حسين : سيجف .
الشيخ أحمد : ( لزينب التي تطرق حزناً ) قولي له يا زينب .. يجب ألا يملكنا الحزن ، فلا نملك أنفسنا .
يبدو على سلمان المختبئ الحنق والغضب .. يضع حسين رأسه على كتف الشيخ
الشيخ أحمد : ( يمسح بيده على رأس حسين ) كنتما أنت وزينب شمعتان تنيران لي حلكة السجن .. أرى تفاصيل الحياة على نورهما .. كنتما المذاق الأحلى للحياة .. كلما أقبل فجر جديد .. أرى الشمعتان تكبران وتكبران .. فتغدوان لا حدود لهما .. أرقب الأيام لحظة بلحظة .. أخرج من ذلك الجحر العفن ، لأشم رائحة الحرية .. لأراكما أنت وزينب تنتظرانني كأم تنتظر وليدها .. وأنت تحمل لهذه الأرض ما علمتك إياه .. أزوجكما على أنغام مواويل الفرح باندحار المحتلين .. لكن .. ( يهز رأسه أسفاً ) .
يتفحص حسين وجه الشيخ
الشيخ أحمد : يبدو أن الحرية وجهٌ آخر للقيد ..ما نفع الحرية وأنا مجبول بالحزن والألم ؟!
زينب : ( ترفع رأسها .. تتنهد ) إنك تفطر قلبي يا أبي .
الشيخ أحمد : آه يا زينب .. فقد الأحبة غربة .
زينب : نحن موجودون .. وهذه أرضك .
الشيخ أحمد : كأن الأرض لفظتني كمنبوذ .
يبدأ حسين بحك جسده
زينب : إنها تتشرف أن تطأها قدماك .
الشيخ أحمد : تهتك حبل السرة الذي يربطني بها .
يحك حسين جسده بقوة .. يبتعد قليلاً عن الشيخ
الشيخ أحمد : ما بك ؟
حسين : النار .
زينب : لقد عادت حالته من جديد .
الشيخ أحمد : أنت تهذي .. لا نار هنا .
حسين : ( كمن يبعد شيئاً عن وجهه ) الحريق .. النار .
الشيخ أحمد : ( يحاول إمساك حسين .. لكنه يركض ) بسم الله الرحمن الرحيم .
حسين : ( وهو يركض بهستيريا ) حريق .. جمر .. أجسادنا تحترق .. أجسادكم تحترق .. ( يخرج ) .
الشيخ أحمد : ( يتبع حسين ) أعوذ بالله من الشيطان الغوي الرجيم .
يختبئ سلمان عند مرور الشيخ .. يظهر بعد خروجه .. يدخل متجهاً إلى زينب
زينب : سلمان ؟! .. ما الذي جاء بك إلى هنا ؟!
سلمان : جئت لأصطحبك إلى المنزل .. فسمعت صوت المخبول يصرخ ووراءه يركض خالي .
زينب : لكنه ليس مخبولاً .. إنه ممسوس .
سلمان : عدتِ للدفاع عنه .
زينب : لأنه مسكين ..
سلمان : ألا زال في قلبك حبٌ له ؟!
زينب : ( بغضب ) كف يا بن عمتي .. إنك تهينني .
يدخل الشيخ من نفس المكان الذي خرج منه آسفاً يضرب كفاً بأخرى .. وهو يلهث
زينب : ( تتلقى والدها ) هل أمسكت به ؟!
الشيخ أحمد : لم أقوَ .. جسدي ما عاد شاباً .. لقد كبرت .. كدت أختنق وأنا وراءه .
سلمان : أتركض وراء مجنونٍ يا خالي .. وأنت في مثل قدرك ؟!
الشيخ أحمد : من ؟! .. ابن أبيه .
سلمان : أنا سلمان .. ابن أختك .
الشيخ أحمد : مسكينة أختي .
سلمان : ( يقترب من الشيخ راجياً ) لمَ لا نفتح صفحةً جديدة .. أنا الآن زوج ابنتك عوضاً عن كونك خالي .
الشيخ أحمد : مستحيل .. وجوهكم يملؤها الحقد والبغضاء .. أياديكم تقطر بدماء الفقراء .. أصواتكم امتزجت بأنين الفلاحين والمسحوقين .. وأنت نسخةٌ من والدك .
سلمان : كان هذا في الماضي .
الشيخ أحمد : والآن .. لا يمكن لوالدك أن يكون رحيماً بأحد .. المال سلب كل المشاعر من صدره .
سلمان : إنك تكرهنا .
الشيخ أحمد : ( يقاطعه محتداً ) بل أكره أفعالكم .. تنامون ملئى بطونكم ، وفي المدينة أطفال جوعى .
سلمان : وهل نشبع الفقراء من أموالنا ؟! .
الشيخ أحمد : ما جاع فقيرٌ إلا بما متع به غني .. وهي ليست أموالكم .. إنها أمانةٌ ساقها الله إليكم .
يلزم سلمان الصمت .. ويبدو عليه الضيق .. ينتبه لوجود الكتب على الأرض
الشيخ : ( بصوت اهدأ ) وصلني أن قائد المحمية البرتغـالية عيّن والدك حاكماً على المدينة ؟! .
سلمان : لمصلحة المدينة .
الشيخ أحمد : بل لمصلحته وحده .
سلمان : بدل أن يباشر البرتغاليون الحكم في المدينة .. تصدى والدي للحكم .. فهو الأرأف بها منهم .
الشيخ أحمد : ( يضحك سخريةً ) والدك ؟! .
سلمان : نعم والدي .. وما وجودك هنا إلا دليلٌ على أنه حكم المدينة ليقضي مصالح أهلها .
الشيخ أحمد : ما الذي ترمي إليه ؟! .
سلمان : هو الذي أخرجك من السجن .. لذا عرفنا وقت مجيئك ؟!
الشيخ أحمد : ( مصدوماً ) كيف ؟! .
سلمان : منذ أكثر من ثلاث سنوات وهو يحاول إقناع قائد المحمية بالتحرك لفك أسرك .. ولولاه لبقيت بين جدران السجن حتى مماتك .
الشيخ أحمد : أنت تكذب .
سلمان : إنها الحقيقة بعينها .
الشيخ أحمد : كنت أنتظر الثورة تخرجني .
سلمان : زمان الثورات ولّى .. فالناس ما عادوا يفكرون سوى بعيشهم .. اعتادوا وجود البرتغاليين .. ألفوا حياتهم هكذا .
زينب : لا بد من ثورةٍ تقتلعهم من أرضنا .. هم محتلون .
سلمان : من يقتلعهم ؟! .. سفنهم تربض في المياه تحرس قلاعهم .. لو أرادوا لدمروا المدينة بأسرها بما يملكونه من عتاد .
زينب : معنا الله .
سلمان : ( يضحك ساخراً ) الله معكم .
زينب : إن ينصركم الله فلا غالب لكم .
سلمان : أنا أكرههم كما يكرههم كل أهل المدينة .. أتمنى الساعة التي يخرجون فيها .. لكن الحياة معهم تحتاج إلى منطق .. تعقل .. وليس إلى عواطف .
الشيخ أحمد : ( مصدوماً .. يقعد على الأرض .. يزفر حزيناً ) آه !! .
زينب : ( تقعد إلى جانبه ) لا تقل آه .. فإنها سكين تمزق أحشائي .
الشيخ أحمد : الآه بلسم الجروح .
سلمان : ( يقعد في الجانب الآخر للشيخ ) يا خالي .. حكّم عقلك .. اترك فكرة الثورة فلا طائل منها .. وجودهم تجذر في تربة هذه الأرض ومحالٌ اقتلاعه .
الشيخ أحمد : آه من ترابك يا مدينتي .. آه من ناسك .. آه من حبي لك ..
زينب : أنت علمتني أنها أرض طاهرة .. وستبقى .. غداً يفتح الحب فيها قلوب الناس .. وتعود من جديد .
الشيخ أحمد : ( يقف كمن يستمع إلى صوتٍ ) محمد تقي .. محمد تقي .. كأني أسمع صوتك من الجنوب .. تحمله رياح الغربة .
زينب : ( تقف ) من يكون محمد تقي ؟! .
الشيخ أحمد : رفيق السنوات المرة .. رفيق السجن والألم .. ( يصرخ ) كم أشتاق إليك يا محمد تقي .. كم أشتاق إليك يا غريب .. كم أشتاق إليكم يا رفاقي الموتى .. عودوا إلي .. أو أعود إليكم .
زينب : أتعود للسجن ؟! .
الشيخ أحمد : بل أعود لحريتي .. ( يمسك يد سلمان ويهزها بقوة ) قل لوالدك أن الشيخ ولد وعاش وسيموت حراً لن يخضع لكم .. أنا أعرف والدك كما أعرف نفسي .. ما خرجت من السجن إلا لمصلحة حظي بها .
سلمان : إنك تظلمنا .
الشيخ أحمد : بل أفتح عيني أكثر على الحقيقة كما أردتني .
سلمان : ( راجياً ) يا خالي .. نحن نحبك .
الشيخ أحمد : بل تحبون ذواتكم أكثر من كل شئ .. عد لمنزلك الآن .
سلمان : وزوجتي ؟!
زينب : سأبقى هنا مع والدي .
الشيخ أحمد : لا .. عودي معه .. هو زوجك .. ولا يحق لي منعك عنه .
زينب : وأنت ؟!
الشيخ أحمد : سأكون على ما يرام .. فكلمت تناهى إلى ذاكرتي ظلام السجن .. زادت جذوة الحرية فيّ .
سلمان يومئ لزينب بالذهاب معه .. ترمق والدها بحزن .. يومئ لها بأن تذهب .. تخرج و زوجها .. يبقى الشيخ وحيداً .. يطيل النظر إلى القلعة التي تبدو من البعيد شامخة
الشيخ أحمد : ما أنت إلا حجارة .. يختبئ فيك الجرذان .. وستكونين شاهداً على أننا أحرارٌ ساعة أردنا .
إظلام
الفصل الثاني
المشهد الأول
المنظر السابق .. في الصباح حيث للتو بدأت الحركة .. المقهى ملئ بالمرتادين .. الناس يروحون ويجيئون .. وعند الزقاق يبدو الشيخ منهمكاً في القراءة في نفس مكانه .. رواد المقهى يتبادلون الأحاديث .. ودكان التاجر أبي حسين مغلق ..
رجل1: لقد خسر خسارةً كبيرة .
رجل2: مسكين .. لو باع نصف البضـاعة الذي بقي لعوض ولو القليل مما صرفه .. لكن ..
رجل3: مسكين ؟! .. لا يمكن للتجار أن يكونوا مساكين .. إن الله يعاقبهم لما فعلوه بنا .. البرتغاليون يسرقون نصف بضائعهم .. وهم يرفعون الأسعار .. والله نحن المساكين .
رجل2: لكن أن يخسر البضاعة كلها .. حتى النصف يكتشف أنه فاسد .. فهذا يدعو للشفقة .
ينتقل الحديث إلى مجموعة أخرى
رجل4: إنه يبقى طوال الليل نائماً في العراء .
رجل5: لو كان منزلي كبيراً لأضفته .
رجل4: إنه يرفض .. لقد عرض عليه الكثيرون ذلك .. لكنه متشبث بداره .
رجل6: أيعقل أن يكون هذا حال الشيخ أحمد الذي وقف في وجه الجميع من تجار ونواخذة وإقطاعيين لأجلنا نحن الفقراء ؟! .
رجل5: لقد نسي الجميع فضله .. وفضل غيره .. عندنا شهداء ونسيناهم .
رجل4: لم نعد نفكر إلا في معائشنا .. الحياة قاسية .
ينتقل الحديث لاثنين يتهامسان
رجل7: وما الذي ستفعله ؟!
رجل8: الخوف يتملكني .. أنت تعرف أن لا رحمة في قلوبهم .
رجل7: دائماً ما تورط نفسك .
رجل8: ما الذي تريدني أن أفعله .. أصمت ؟! .. إن مكان العصا لا زال يلتهب كالجمر على ظهري .
رجل7: كان يجب أن تتحمل .
رجل8: ما قويت .. كان الألم أشد من الاحتمال .. كبرنا ونعامل كالعبيد .. نهان ونضرب كالدواب .. ومن من ؟! .. من ولده .
رجل7: إنه صغير .
رجل8: صغير ؟! .. إنه كالثور .
رجل7: ( يحاول كتم ضحكته ) كيــف استطعت أن تحمل ذاك الجسد وترميه في العين ؟! .
رجل8: لا أعلم .. كأن كل قوى العالم نبتت في جسدي .
يدخل هنا أحد التجار وخلفه معاونيه يتسلحون بالبنادق
التاجر : ( غاضباً ) أين الكلب ابن الكلب عبد الكريم ؟! .
رجل8 يقف مرتعداً .. ويقف كل من في المقهى بعده .. يعم الصمت للحظة .. يأخذه معاونو التاجر ويجرونه .. يوقفونه أمام التاجر
التاجر : ( ينقض على رجل 8 ممسكاً رقبته ) كيف تجرؤ أيها الوقح على فعلتك ؟! .
رجل8: ( باكياً ويرتعد خوفاً ) سامحني .. لقد أخطأت .
التاجر : ( يشد الخناق عليه ) إنه خطأ جسيم يكلفك حياتك .
رجل8: ( مختنقاً ) اغفر لي .
التاجر : أغفر لك ؟! .. كاد الولد أن يغرق في العين .. ( يرميه أرضاً بكل قوته .. ثم لمعاونيه ) قيدوه .. علقوه أمامي حتى أسلخ جلده عن عظمه ليكون عبرة للجميع ليعرفوا من نكون .. ومن يكونون .
رجل8: ( يتشبث برجل التاجر يقبلها ) سامحني يا طويل العمر .. أنا عبدك فعاقبني كما تشاء .. قطع جسدي أشلاءً .. لكن ليس أمام الناس .
التاجر : ( يركله ويرميه بعيداً ) قيدوا هذا الحيوان .
يقيد معاونو التاجر رجل8 وسط صرخاته مستجدياً العفو .. يمزقون ملابسه .. ويظهر أثر الضرب على ظهره .. ينتبه الشيخ لما يحدث .. يغلق كتابه ويضعه جانباً .. يمشي متجهاً ناحية الحدث
التاجر : ( ينهال ضرباً بالعصا على جسد رجل8 ) لتــأكل العصا من لحمك النتن .. ( يضربه وذاك يصرخ ألماً ) .. خذ .
مع كل ضربة تتبعها صرخة من رجل8 يبدو الخوف والوجوم على ملامح الناس .. يدخل الشيخ وسط التاجر ومعاونيه
الشيخ أحمد : ( للتاجر ) لمَ تضرب هذا الرجل هكذا ؟!
التاجر : ( يتوقف عن الضرب ) يا شيخ أحمد .. هؤلاء وقحون يتجرأون علينا .. كأننا نحن العبيد .
الشيخ أحمد : ( بسخرية ) حاشا لله أن تكونوا عبيداً .. أنتم سادة الأرض .. هل ارتكب هذا الرجل جرماً يستحق به كل هذا الضرب والإهانة ؟!
التاجر : نعم .. لقد رمى ولدي في عين الماء حتى كاد أن يغرق .
الشيخ أحمد : ( لرجل8 ) ولمَ فعلت ذلك يا عبد الكريم ؟!
رجل8 : ( يبكي متألماً ) لقد كان يضربنا كالحمير كي نسرع في العمل .. طلب مني صندوقاً من الرطب .. جهزت له أفضل ما في المزرعة ، لم يعجبه .. الكل يعلم أنه لم يكن موسماً جيداً .. رمى ما في الصندوق على رأسي .. وأخذ ينهال عليّ ضرباً آلمني الضرب .. لم أحتمل .. رميته في العين .. ( يبكي ) ليتني تحملت .
التاجر : ( غاضباً ) حتى وإن ضربك .. أو حتى قطع رأسك .. لا يجب أن ترفع رمشك في وجهه فأنت عبدٌ عند والده .. ( يضربه ) .
الشيخ أحمد : ( يمسك بالعصا من يد التاجر ) كف عن ضربه .. هو ليس عبدك ، بل أجير عندك ..
التاجر : إنه يستحق العقاب .
الشيخ أحمد : ولدك أخطأ .
التاجر : لو فعل ما فعل بهؤلاء لن يكون خطأً .. فابتعد عن طريقي يا شيخ .
الشيخ أحمد : لن تمسه بسوء .
التاجر : لا شأن لك بهذا .
الشيخ أحمد : ( يبعد التاجر عن الرجل8 ) بل هو شأني .
التاجر : إنك تغضبني يا شيخ .
الشيخ أحمد : حقاً ؟! .. أتريد أن تضربني أيضاً .
التاجر : لن يوقفني شئ .
الشيخ أحمد : مد يدك لتندم .
التاجر يبتعد قليلاً عن الشيخ ويشير لمعاونيه بإبعاد الشيخ .. يبعد المعاونون الشيخ .. ويتابع التاجر ضرب رجل8 .. يهجم الشيخ على التاجر .. فيركل الشيخ ويرميه أرضاً .. يرفعه أحد المارة .. يقف الشيخ يمسح ملابسه بيده الوحيدة .. يهجم على أحد معاوني التاجر .. يخطف من البندقية .. يصوبها على التاجر
الشيخ أحمد : ( منفعلاً ) ابتعد عنه وإلا أفرغت البارود في رأسك .
التاجر : ( يبتعد خائفاً ) ما الذي تفعله .. إنه محشوٌ بالبارود .
الشيخ أحمد : أعلم .. ولا يضيرني شئ إن أرديتك هنا .
التاجر : ( خائفاً .. يحتمي بمعاونيه الذين يتراجعون ) إنك ترتكب حماقة .
الشيخ أحمد : خذ أزلامك وابرح المكان .
التاجر : إنك حقاً مجنون .
الشيخ أحمد : بل أحمل في رأسي عقلاً يفوق عقولكم .. وأحمل في صدري قلب إنسان .. ألم يخبرك والدك من يكون الشيخ أحمد ؟! .
التاجر : ( خائفاً ) أخبرني .. ( يهم بالخروج ) سوف تندم .
الشيخ أحمد : افعل ما بدا لك .. وإلا فاشرب البحر .
يخرج التاجر غاضباً ويتبعه معاونوه
الشيخ أحمد : ( للبعض ) فكوا قيد هذا المسكين .
يفك البعض قيد رجل8 .. وتبدو ابتسامة عريضة تملأ الوجوه
رجل5: ( للشيخ أحمد ) أنت حقاً الشيخ أحمد الذي سمعنا عنه .
رجل4: بارك الله فيك يا شيخ .
رجل8: ( يتقدم متهالكاً للشيخ ) أشكرك .. كدت أموت .. لقد أنقذتني من براثنهم.
الشيخ أحمد : ما فعلت إلا ما يجب أن يفعله الجميع .. فكفاكم ذلاً .
يلتف الجميع حول الشيخ أحمد
رجل1: نحن ضعفاء .
رجل3: ما الذي تريدنا أن نفعله ؟!
الشيخ أحمد : ( يصرخ فيهم ) كلكم أقوياء .. أنتم من تصنعون الضعف .. قفوا في وجوههم ووجوه المحتلين المختبئين خلف أسوار القلعة .
رجل7: سيذبحوننا .
رجل2: ولن يبقى في المدينة أحد .
الشيخ أحمد : كيف ترضون هذا الذل .. يحكمكم الغرباء والدجالون .
يدخل الشيخ نصار بمعية أحد أهل المدينة فرحاً .. يتجه ناحية الشيخ ويحتضنه
الشيخ نصار : يا حبيبي يا أخي .. ( يقبل رأسه ) أنت أنت .. ولا تتغير .
الشيخ أحمد : لكني كبرت وضعفت .. لي يدٌ واحدة .. رجلاي لا تقويان على حمل جسدي .. لكن في المدينة يافعون .. ليحملوا أرواحهم بين أيديهم راية حرية .
رجل1: وأرزاقنا؟! .. أطفالنا ؟! .
الشيخ أحمد : هذا القيد الذي يكبلكم حتى ليحفر اسمه على جباهكم .
يبدأ الناس بالانسحاب والعودة إلى المقهى
رجل8: نرغب في العيش .
الشيخ أحمد : إذاً عودوا لمعائشكم .. فلا حديث لي معكم .
رجل8: نحن يا شيخ ..
الشيخ أحمد : ( يقاطعه ) قلت عودوا ..
رجل8 ومن معه ينسحبون .. تبدأ الأحاديث الجانبية .. ويعود الشيخ أحمد ويتبعه الشيخ نصار يقعدان
رجل4: والله إني خائفٌ عليه .
رجل5: ممن ؟
رجل4: أتسأل يا رجل .. من التاجر وأعوانه .
رجل 6: أيمكن أن يؤذوه ؟!
رجل4: لا رحمة في قلوبهم .. ولا غربة أن يؤذوه .
مجموعة أخرى
رجل8: ( يرتدي ملابسه الممزقة ) .. أشعر أن ناراً تحرق جسدي .
رجل7: لولا الشيخ لتمزق جسدك أمام الجميع .
رجل8: لو تركني أموت بين يديهم لكان أفضل .
رجل7: ( مندهشاً ) ولمَ ؟!
رجل8: وهل تعتقد أن الأمر سيمر بسلام .. أكيد أنهم لن يسمحوا لي بالعمل عندهم .. وربما أمعنوا في تعذيبي وإذلالي .
رجل7: أمرك غريب
مجموعة أخرى ينتقل الحديث إليها
رجل1: لو أن في المدينة عشرةً من أمثاله .. لكنّا بخير .
رجل2: وماذا سيفعل العشرة ؟!
رجل3: سطوة التجّار أكبر .
رجل1: يقول والدي أنه أجبر التجار على معاملة أجرائهم بالحسنى .
رجل2: كان هذا في الماضي .. الحال تغير .
رجل3: وربما سيجر تصرفه الوبال علينا .
ينتقل الحديث للشيخين أحمد ونصار
الشيخ نصار : ربما يؤذونك ..
الشيخ أحمد : ما تعودت الخوف .
الشيخ نصار : أعلم .. لكنك تفتح على نفسك جبهاتٍ كثيرة .. أنت تواجه التجار وتريد مواجهة البرتغاليين وحدك .
الشيخ أحمد : لا يهمني ، ما دمت أؤمن أن الله معي .
الشيخ نصار : ونعم بالله .. ( ينتبه لوجود الكتب ) .. كتبك ؟! .. ألم يحرقها البرتغاليون ؟!
الشيخ أحمد : ( يضحك ) كيف وأنا خلفت زينب .
الشيخ نصار : ماذا تعني ؟!
الشيخ أحمد : جمعت كل الكتب قبل أن يهدم البرتغاليون الدار وخبأتها في مكان آمن .. و هاهي منذ يومين تأتيني بالبعض .
الشيخ نصار : أين ؟! .. وكيف خبأت كل تلك الكتب ؟
الشيخ أحمد : والله إني لا أعلم .. كل ما قالته أنها بمعية أختي أم سلمان و حسين قبيل أن يُمس نقلوا الكتب إلى مكان ما .
يدخل حسين صارخاً كعادته
حسين : الحريق .. الجمر .. حتى البحر احترق ..
الشيخ نصار يمسك بحسين ويتلو عليه بعض الآيات .. يتجه الشيخ أحمد للمقهى
الشيخ أحمد : ( لصبي المقهى ) اعطني إناءً فيه ماء ..
الصبي : حاضر يا شيخ أحمد .
يدخل الصبي إلى داخل المقهى .. ويعود بعد قليل بإناء فيه ماء .. يأخذه الشيخ ، ويصبه على حسين الذي كان يصرخ بين أحضان الشيخ نصار
حسين : ( يهدأ تدريجياً ) حريق .. جمر .. جمر ..
الشيخ نصار : لا حول ولا قوة إلا بالله .
الشيخ أحمد : سيهدأ الآن .. لقد أطفأ الماء جمر جسده .
يقعدانه على الأرض .. يبدأ بالارتعاش .. يغطي الشيخ جسده ببطانية
الشيخ نصار : مسكين .. كان نعم الفتى .
الشيخ أحمد : ( تغرورق عيناه ) وماذا أقول أنا .. إنه ولدي ..
حسين : ( يهذي ) لقد احترق .. رأيته يشتعل .
الشيخ أحمد : لقد عاد لهذيانه .. يبدو أن الماء لم ينفعه .
حسين : أحرقته كما أحرقوا أهلي وبيتي .. أحرقته .. وسأحرق سفنهم كلها .
الشيخ نصار : ما الذي يعني ؟
حسين : أشعلت النار في قاربٍ للمحتلين يا أبي .
الشيخ أحمد : ( مندهشاً ) حقاً ؟! .. وهل رآك أحد ؟ .. لمحك أحد ؟
حسين : ( يرتعش ) لا .. لم يرني أحد .. سوف أحرقهم جميعاً ..
الشيخ أحمد : ( فرحاً ) تربت يداك .
الشيخ نصار : لا بد أنك من أحرقت قاربهم في الشهر الماضي ؟!
حسين : نعم .. ما غيري أحد .
الشيخ أحمد : ( للشيخ نصار ) احفظه سراً بيننا يا أخي .
الشيخ نصار : أنا لم أسمع .. ولم أرَ .
الشيخ أحمد : ( لحسين ) أين تنام يا ولدي ؟
حسين : كما تنام أنت .. على حجارة دارنا المحروقة .
الشيخ أحمد : ابقَ معي ..
يهز حسين رأسه قبولاً وهو يبتسم .. يدخل في الأثناء أحد الأهالي مستنفراً الناس
رجل : يا ناس .. أحد قوارب البرتغاليين احترق .. ( يكررها ) .
يقف كل من في المقهى على ندائه
رجل2: ( خائفاً ) أيُ مأفونٍ فعلها ؟!
رجل5: ألا يعلم أنها كارثة .. سينتقمون منا نحن .
رجل4: هيا بنا نطفأ الحريق حتى تخف وطأة إنتقامهم .
يخرج البعض مسرعين إلى البحر
رجل7: أينك يا أم رشدان تحمينا من هذه اللعنة .
رجل8: ( يتألم ) ليلة الغد سأصنع أكبر طبق عصيدة لها وأدعوها للانتقام لي من التاجر .. ومن البرتغاليين أيضاً .
يخرج الباقون إلى نفس الجهة
إظلام
المشهد الثاني
المنظر كسابقه .. أهل المدينة في المقهى يتحدثون .. الشيخ يقرأ على أسماع حسين بصوت غير مسموع ..
رجل4: لقد رأيته بأم عيني يزفر ويرعد .
رجل5: وكان يقول أن انتقامه لن يكون هيناً .
رجل2: ألم يفكر هذا الذي فعلها أنه يجر انتقامهم على أهل المدينة جميعاً .
رجل3: إنه بلاء .. الليلة أدعو أم رشدان أن تجنبنا الكوارث .
يدخل عندها قائد المحمية وبحارته المجندون خلفه .. خلفهم يدخل أبو سلمان منكسراً .. يقف كل من في المقهى والمارة خوفاً .. يقف القائد في منتصف الخشبة .. ينظر يميناً ويساراً بنظرات ملؤها الغضب والحقد
القائد : ( لأبي سلمان ) اجمع لي أهل المدينة أمامي .
أبو سلمان : ( متلعثماً ) حـ .. حاضر .. ( ينادي ) يا أهل المدينة .. هلموا إلى هنا .. يا أهل المدينة .. ( ينتقل هنا وهناك ) سيدنا القائد أعلى الله مقامه يريد التحدث إليكم .. يا أهل المدينة ..
يحتشد الناس حول القائد ولا زال أبو سلمان ينادي .. وبعد برهة
أبو سلمان : ( للقائد خاضعاً ) لقد جاءوا يا سيدي القائد .. ويبدو أن البعض لا زالوا في أشغالهم .
القائد : يكفي هؤلاء .. فهم سيوصلون رسالتي للباقين .
أبو سلمان : يا أهل المدينة .. إن القائد يود إلقاء التحية عليكم في هذا الصباح ..
القائد : ( يصطنع المودة ) نحن ما جئنا إليكم إلا حاملين رسالة سلام .. جئنا نحميكم من قراصنة البحر والبر .. نحمي أموالكم وأعراضكم .. فلا يتبادر إلى أذهانكم أن ما نأخذه منكم ضرائب .. لا .. إنما هي مكافأة لنا على ما نصنعه لأجلكم .. وأنا أعلم أنكم راضون .. مرحبون بنا .. لكن هناك من يدس السم بالعسل .. يرغب في إفساد ما بيننا من مودة .. فلشهرين متتابعين كما تعلمون تحرق قواربنا .. ويهان بحارتنا الذين جاءوا براية السلام إليكم .. كلكم يعلم أن رأس أحد بحارتنا فُلِق بحجر .. وهذا لا يرضيكم .. فكونوا معنا يداً واحدة لنخلص المدينة من هؤلاء الأشرار .. وإلا نفذ صبرنا .. وعاقبنا الجميع على أفعال البعض .. ( بصوت أرفع ) فانتم تعلمون من نكون .
الشيخ أحمد : ( صوته يخرج بين الحشود ) ومن تكونون ؟!
القائد ينتبه غاضباً لصوت الشيخ وسط ذهول الجميع
القائد : ( يواجه الشيخ بعد أن وصل منتصف الخشبة ) من تكون أنت ؟!
الشيخ أحمد : أنا الشيخ أحمد بن سلمان .. ابن هذه المدينة .
القائد : هذا هو أنت .. سـمعت كثيراً عنك وعما كنت ترتكبه من حماقات داخل السجن .
الشيخ أحمد : ليست حماقات .. بل كنت أعرفهم بنفسي فقط .
القائد : ( يضحك بسخرية مشيراً إلى يد الشيخ المقطوعة ) واضحٌ أنهم عرفوك .
الشيخ أحمد : نعم .. عربون معرفة ( يرفع يده ) إنكم لا تملكون في أجسادكم قلوباً فلا غرابة في قطع يد .. قتل .. حرق .. نهب .
القائد : ( يضغط على أعصابه ) إنك لا تجفل خوفاً كأهل مدينتك .
الشيخ أحمد : لا أخاف إلا ممن خلقني وأسلمت له الوجه .
القائد : ( لأبي سلمان ) يبدو في المدينة من لا يرضى استضافتنا .
أبو سلمان : ( خائفاً ) لا عليكم يا سيدي القائد .. فإنه رجل أنهكته سنوات السجن .. ربما أثر السجن على أعصابه .
الشيخ أحمد : ( غاضباً ) أنا في كامل أعصابي ومسئول عما أقول .
القائد : وما الذي تريده ؟
الشيخ أحمد : أن تبرحوا هذا المكان .
القائد : أهذا ما تفعله بضيوفكم ؟ ! .. ( للناس ) أترضون يا ناس .
الشيخ أحمد : ( بحدة ) لستم ضيوفاً بل محتلون .
القائد : لقد جئنا لحمايتكم .
الشيخ أحمد : بل جئتم لتُركعونا .. لنلحس أقدامكم .. لنُذل .. جئتم لنعرى .. لنموت .. لأننا مسلمون .. أو تنكرون أن أحد قادتكم كان يسعى لهدم الكعبة .. ونبش قبر رسول الله ( ص ) .. لكن هيهات .. بلعه البحر ومن معه .
القائد : ( غاضباً ) إنك تهذي ..
أبو سلمان : يا شيخ أحمد إنك تجر الوبال عليك وعلينا .. كفاك حمقاً يا رجل .
الشيخ أحمد : لست أحمقاً أيها الذليل .
القائد : ( يرفع بندقيته ثم يرفع جنوده بنادقهم ) لو شئت لقتلتك أمام كل هؤلاء .
الشيخ أحمد : لا تقوى ( يكشف عن صدره ) هاك صدري فافعلها .
أبو سلمان : ( يتوسط بين القائد والشيخ ) سامحه يا سيدي إنه مجنون .. امسح زلته في وجهي .
الشيخ أحمد : ( للقائد ) لن تقدر .. فأنتم جبناء .. لأنك تخاف إن قتلتني سيخرج آلافٌ مثلي من كل مكان كالأزهار البرية .. حتى في جدران حصونكم .. ستمطر السماء على رؤوسكم ألف أحمد .. حتى هؤلاء الراجفون سيغدون أسوداً تنشب أنيابها في أجسادكم النتنة .. ( يصرخ ) فاخرجوا من هنا .
أبو سلمان : ( يحاول تهدأة القائد الغاضب ) عد إلى المحمية أرجوك .. وحسابه عندي .. أنا من سيعاقبه على تجرئه عليكم .. أرجوك لأجل العهد الذي بيننا .
القائد يشير لجنوده بالمغادرة .. ينسحبون وينسحب بعدهم بعد أن رمق الشيخ بنظرة شزر .. يتبعهم أبو سلمان
الشيخ أحمد : ( يرفع يده إلى السماء ) إلهي .. أمتني ميتة الأحرار .. ولا تمتني ميتة الأذلاء .. إلهي لا تجعلني عبدك الذليل لشرار خلقك .. إلهي سلط على هؤلاء غضبك فهم رأوا الباطل فلم يغيروه .. ( يكررها ) .
إظلام
المشهد الثالث
منزل أبي سلمان .. يقعد أبو سلمان على أريكته .. تقف في مقابله زوجته أم سلمان
أبو سلمان : ( غاضباً ) هذا من قبلت الرؤوس والأقدام لأجله .. لأجل خروجه من السجن .
أم سلمان : ( تستجمع قواها ) ما فعله عين العقل .
أبو سلمان : ( يحتد ) تدافعين عن هذا المجنون ؟!
أم سلمان : ليس مجنوناً .. بل هو الرجل الوحيد في هذه المدينة .. الأفضل للجميع أن يرتدوا عباءاتهم السود ويلزموا المطابخ كالنساء .
أبو سلمان : ( يقف ) أنت تسخرين منا .
أم سلمان : بل حقيقتكم هي .. وأنت أولهم .. سعيت لمصلحتك قبل مصالح الناس والأرض .. تزلفت للمحتلين طمعاً بالجاه .
أبو سلمان : إنك مجنونة كأخيك تماماً .. ( يرفع يده ويهـم بصفعها ..لكنها تمسك بيده ) ما الذي تفعلينه يا امرأة ؟! .. أنا زوجك وسيدك .
أم سلمان : ( ترمي يده ) أنا أخت الشيخ أحمد بن سلمان .. ولن يجرؤ أحدٌ على إهانتي .. فاعلم أني ما صبرت عليك إلا لحقك علي .. لكن صبري نفذ .
أبو سلمان : تقوين بأخيك ؟! .. يسعني أن أفنيكم عن الوجود كلكم .
أم سلمان تضحك تهكماً وتغادر المكان .. يبقى أبو سلمان وحده مذهولاً
أبو سلمان : عائلة كلها مجانين .. سيهدمون كل ما بنيته في سنين على رأسي .
تمر زينب وعلى كتفها جراب
أبو سلمان : ( يوقف زينب ) هيه .. أنت .. إلى أين تخرجين ؟!
زينب : إلى والدي .
أبو سلمان : عودي إلى مكانك .. لن يرى ذلك المجنون أحدٌ منكم .
زينب : إنه والدي .. وآخذ إليه طعامه .
أبو سلمان : دعيه يموت جوعاً وعطشاً .. ( يخطف الطعام والجراب منها ) أعطني هذا الطعام لن يأخذه إليه أحد .. عودي الآن إلى الداخل .
زينب : ( تقف دون حراك ) أعطني الجراب ! .
أبو سلمان : حسنٌ .. ( ينثر ما في الجراب على الأرض فيسقط الطعام وبعض الكتب على الأرض .. يحمل أحد الكتب ) كتب ؟! .. إنها كتب والدك .. أيـن خبأت الكتب ؟! .. ( يقترب منها ، فتتراجع خائفةً ) أين ؟!
زينب : إنهم أمانة في عنقي .. ولن أخبرك .
أبو سلمان : إنكم تغضبونني جميعكم .
زينب : ( خائفة ) وإن يكن .. لن أخبرك .
أبو سلمان : إنهم يبحثون عن الكتب .
زينب : ( تهز رأسها سلباً ) .
أبو سلمان : ( ينقض على زينب ويمسكها من شعرها ويشد ) أين الكـتب أيتها الوقحة ؟!
زينب : ( باكية ألماً ) لن أخبرك .. لن أخبرك ..
أبو سلمان : ( يشد أكثر ) سأخبر البرتغاليين أن الكتب في حوزتك .. سيجلدونك في ساحة السوق كالمارقين ..
زينب : ( متألمة ) حتى لو قطعوا لحمي إرباُ لن أخبرك .. أترك شعري إنك تقتلعه من مكانه .
أبو سلمان : ( يشد أكثر ) سأقتلع روحك من منخاريك .
تدخل أم سلمان على صرخات زينب .. تنقض عليه ضرباً بنعالها
أم سلمان : اتركها أيها الوحش .
يرمي أم سلمان أرضاً .. ثم يرمي زينب إلى جانبها .. ويخرج غاضباً
زينب : ( تعتنق عمتها ) عمتي هل آذاك ؟!
أم سلمان : لا .. وأنت ؟!
زينب : أحس بالدوار .. أشعر أن الدم خـــرج من رأسي .. آه .. ( تسقط مغمىً عليها ) .
أم سلمان : ( تصرخ ) زينـــب !!
إظلام
المشهد الرابع
ذات المنظر السابق .. زينب ترقد غائبة على فراشها .. إلى جانبها عمتها تكفكف دموعها .. وعلى الآخر سلمان مطرقاً .. وفي وسط المسرح ، الشيخ أحمد يجوب المكان منتظراً
سلمان : لا أعلم لماذا فعل والدي ذلك ؟! .. لا بد أنها ارتكبت خطأً أغضبه .
أم سلمان : اسكت أنت يا بن أبيك .. صوتك يخنقني .
سلمان : أمي .. أنا ..
أم سلمان : ( تقاطعه ) قلت لك اسكت ، أو غادر .. فأنت لا تختلف كثيراً عن والدك .. أنتم وحوش بهيئة بشر .
يطرق سلمان حزيناً
أم سلمان : ( للشيخ ) لقد تعبت وأنت تجوب المكان .. ارتح قليلاً .
الشيخ أحمد : أرتقب عودته .
أم سلمان : ( راجيةً ) لا تفقد أعصابك .
الشيخ أحمد : وهل بقـي فيّ أعصاب حتى أفقدها .. فقدت كل شئ .. حتى اتزاني فقدته .
يدخل أبو سلمان .. يرمق الجميع بنظرات شزر .. ويقف في منتصف المسرح
أبو سلمان : ( للشيخ دون النظر إليه ) ما الذي أتى بك إلى بيتي ؟!
الشيخ أحمد : ( يقترب منه ) جئت زائراً أختي .. ثم إني سمعت أنك كثير الحنو على زينب .. مسحت على رأسها كأب .. فغابت عن الوعي لما أفضت عليها من الحب والحنان الأبوي .
يظل أبو سلمان صامتاً
الشيخ أحمد : ( يواجهه ) لمَ آذيتها .. لتنتقم مني ؟!
أبو سلمان : إنها في بيتي .. زوجة ولدي ، ولي الحق في معاقبتها إن أخطأت .. ولا شأن لك أنت بذلك .
الشيخ أحمد : وأي جرمٍ ارتكبته زينب لتستحق كل هذا العقاب .. هه؟!
أبو سلمان : ( يتلعثم ) .. أ ..أ .
الشيخ أحمد : اسمع .. يبدو أنك لم تعرفني بعد .. فحين يصيب المكروه زينب فلن أدرك من يكون أمامي .. ( يصرخ ) قلت لك لمَ آذيتها ؟!
أبو سلمان : لا تصرخ في وجهي ، وإلا رميتك خارجاً .
ينقض الشيخ على أبي سلمان يطيح به أرضاً ويمسك بخناقه
الشيخ أحمد : سأزهق روحك إن مسستها ثانية بسوء .
أبو سلمان : ( بصوت مبحوح ) ابعد يدك عني إنك تخنقني .
سلمان : ( يتقدم ) أبعد يدك عنه يا خالي .. سيموت .
أم سلمان : ( تقف معترضةً طريق سلمان ) لا تتدخل .. الزم مكانك .
سلمان : إنه يقتل أبي .
أم سلمان : إن ما فعله يستحق القتل .. ألا ترى ما فعله بزوجتك ؟!
الشيخ أحمد : ( يشد عليه الخناق ) ما عدت أطيق جرأتك وتبجحك .. بعت ذاتك ومدينتك وأهلها للنصارى ، لتشبع بطنك الكريهة .
أبو سلمان : ( يحاول المقاومة ) سأموت .. يكاد ينقطع نفسي .
الشيخ أحمد : لن يهدأ بالٌ لي إلا إذا أرّقت مناماتكم .؟
تتحرك زينب .. تعود عمتها وسلمان إليها
أبو سلمان : ( لا يقوى على التنفس ) سأقبل رأسك .. سأقبل رجليك .. لكن اتركني .. سأموت .
الشيخ أحمد : كما قبلت أرجلهم .
زينب : ( بصوتٍ ضعيف ) أبي .. أبي .
أم سلمان : أبوك هنا .. جاء ليراك .
سلمان : أنا سلمان .. زوجك .
زينب : أريد أبي .
أم سلمان : أخي أبا زينب .. أفاقت زينب .. وترغب في رؤيتك .
الشيخ أحمد : ( يرفع يده عن أبي سلمان الذي بدا يتحسس رقبته بضعف ) والله لو حدث مكروهٌ لها .. لما تركتك تحيا لحظة واحدة .
إلى زينب يتجه الشيخ .. ويقعد إلى جانبها .. يمسح على جبينها
الشيخ أحمد : زينب .. حبيبتي ، أنا أبوك .. فاسمعيني صوتك .
زينب : ( تفتح عينيها .. وبصوت منهك ) أبي .. أنا بخير ..
الشيخ أحمد : أعلم .. هل تشعرين بألم ؟!
زينب : رأسي يكاد ينفجر .. لا أكاد أرى جيداً .
أم سلمان : سيزول الألم .. مجرد أيام .
سلمان : زينب .. أنا .. أنا سلمان .. زوجك سلمان .
الشيخ أحمد : مجرد اسم يطلق عليك .. أنت حقاً لا تستحق أن تكون زوجاً لها .. لم أخطأ أبداً .
سلمان : ( متذمراً ) عدنا لنفس الحكاية يا خالي .
الشيخ أحمد : لو كانت تهمك زينب .. لحميتها .. تتركها تتأذى وكأن شيئاً لم يحدث .. ( متهكماً ) كيف تحميها وأنت لا تقوى على حماية نفسك .. أبوك يجرك كالبهيمة .. تمشي كيفما يشاء .. تفعل كيفما يشاء .. أنت مسلوب الإرادة .
سلمان : ( يقف متذمراً ) أوه .. سأخرج أفضل لي من البقاء هنا .
أم سلمان : الباب يسع بعيراً .
الشيخ أحمد : خذ والدك معك .. اروهِ ببعض الماء .. فقد نشف ريقه .
يساعد سلمان والده على الوقوف .. ويخرجان
أم سلمان : آه يا أبا زينب .. عشر سنواتٍ ولا أمان .. والآن وقد عدت .. عاد الأمان إلي .. أشعر بأن ثمة أملاً بزوال الغمة يلوح .. ( تستدرك ) أشعرك شاباً كما كنت .. قوياً لا تهزك ريح .
الشيخ أحمد : ( يبتسم ) كل هذا لي ؟!
زينب : ( تحاول الابتسامة بصعوبة جراء الألم ) أنت أكثر من ذلك .
أم سلمان : أنت أخي .. سندي .. عضدي .. من يرفع عن كاهلي عبء السنوات .. من أجد عنده الحب والحنان الذي فقدتهما مذ تزوجت .. أنت أبي وأمي ..
زينب : كفى يا عمتي .. اتركي لي القليل .. كأنك أختي الكبرى .
الشيخ أحمد : بل أنتما أحب الناس إلي .. امرأتان من لحمي ودمي .. سدت الدنيا أبوابها في وجهي .. وها أنتما تشرعان الأبواب .
زينب : أبي .
الشيخ أحمد : ( بحنان ) .. نعم يا حبيبتي .
زينب : كنت خارجة إليك .. أحمل إليك بعض كتبك .. وكنت سأخبرك أين كنت أخبأها .
الشيخ أحمد : ( بلهفة ) حقاً .. أين ؟
أم سلمان : ( تبتسم ) هنا .
الشيخ أحمد : ( مندهشاً ) هنا ؟! .. في هذا البيت ؟!
أم سلمان : نعم في هذا البيت .. هو أأمن مكان عليهم .. فلا البرتغاليون ولا أبو سلمان سيشكون أن الكتب هنا .
الشيخ أحمد : ( يضحك ) إن كيدكن عظيم .
زينب : لتعلم أننا لسنا ضعيفات .
أم سلمان : لكن أشعر أن سلمان ووالده بدآ يشكان بالأمر .. تحركاتهما غريبة .. وبعد أن وجد أبو سلمان الكتب في جراب زينب .. سيزيد شكه .
الشيخ أحمد : يجب نقل الكتب من هنا .
أم سلمان : لماذا يصرون على حرق الكتب ؟
الشيخ أحمد : لأنهم يرون أني ما أصبحت على ما أنا فيه .. لا أخشاهم .. إلا لأن الكتب أدخلت في رأسي فكرة الجهاد ضدهم ، ومقاومة احتلالهم .. ويريدون قطع هذا السبيل .. فلا أحد غيري ستغيره الكتب إن هم أحرقوها .
زينب : لا يعلمون أن الكرامة شعور إنساني .. لا يتعلمه المرء من الكتب .
أم سلمان : ما دمنا ارتاحت قلوبنا على زينب .. سأجلب لك طبقاً من عصيدةٍ لذيذة .. عصيدة أم رشدان .. ( تقف .. وتخرج )
الشيخ أحمد : أم رشدان ؟ ! .. من تكون .. أهي جارتكم ؟! .
زينب : ( تضحك ) لا يا أبي .. إنها جنيةٌ مرت بالمدينة منذ سنوات .. ويعتقد الناس أنها جاءت لحمايتنا .
أم سلمان : ( تدخل بالطبق وتضعه بجانب الشيخ ) وأُخبرنا أنها تنفذ مطالبنا وأمنياتنا .. إذا قدمنا لها العصيدة عندما يكون القمر بدراً .. أي في منتصف كل شهر .
الشيخ أحمد : ( بسخرية ) وهل رأيتم أم رشدان تلك ؟!
أم سلمان : لا .. فقد حولت نفسها وابنتها .. وحتى الفارس الذي جاء ليخطف ابنتها إلى حجارة .. حتى تحمينا .
الشيخ أحمد : يعني أنكم تقدمون العصيدة لحجر ؟
زينب : بل لأم رشدان .
الشيخ أحمد : وهل حظي أحدٌ من أهل المدينة بمطلبه ؟!
أم سلمان : نعم .. الكثير .. أتعرف الحاج راضي الخبّاز ؟
الشيخ أحمد : نعم .. أعرفه .. سمعت أن الله منّ عليه بولدٍ بعد سنوات انتظار .
أم سلمان : هذا ببركات أم رشدان .
الشيخ أحمد : بل بإرادة الله .. أراد الله لزوجته أن تنجب ، فأنجبت .
زينب : لكنها على مدى ثلاث سنوات كانت تلح في السؤال والطلب هي وزوجها .. وكانت تصنع ألذ عصيدة طمعاً في رضا أم رشدان فاستجابت لها .
الشيخ أحمد : يا زينب ، إنها خرافات .. هل من غير زوجة الخباز حظي بما يتمنى ؟
أم سلمان : الكثير .. خيرها عمّ المدينة .
الشيخ أحمد : لكني لا أرى إلا الـسوء يعمها .. ألم تطلبوا منها أن تخلصكم من النصارى المحتلين ؟
أم سلمان : دائماً .. لكن يبدو أن الوقت لم يحن بعد .. إذ يقال أنها تحب أن يُلح عليها بالسؤال .
الشيخ أحمد : ( يهز رأسه أسفاً ) يا أختي الغالية .. إنها خرافات .. بل كفر بالله .. إنكم تطلبون الرزق والخير من غيره .
زينب : لكن أم رشدان ..
الشيخ أحمد : ( يقاطعها بحدة ) إنكم تكفرون .. ما هي إلا حجارة .. كونوا مع الله ، يكون معكم .. يقول عز وجل ” فإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعانِ ” .. ويقول ” إدعوني ، أستجب لكم ” .. أما التضرع والتزلف للحجارة فهو الكفر بالله بعينه .
أم سلمان : إنها جنية .. وصارت حجارة .
الشيخ أحمد : بل حجارة .. وأنا على يقين أن هناك أحداً وراء زرع هذه الفكرة في رؤوسكم حتى تنشغلوا عن قربكم لله .. ( يستدرك ) ولماذا العصيدة بالذات ؟
زينب : ربما .. لأنها تحبها .
الشيخ أحمد : بل يحبها من كان وراءها .. عودوا إلى رشدكم .. يا زينب أنتِ فتاةٌ عاقلة وهبك الله العقل ليحكم أفعالك .. ولا يليق بك إذاً التصديق بهكذا تخريف .
زينب : يبدو أنك على حق .
الشيخ أحمد : ومتى تذهبون لتذيقوها عصيدتكم ؟!
أم سلمان : الليلة بعد صلاة العشاء .. يخرج جميع الناس بالشموع وأطباق العصيدة متوجهين إليها .. وهم يهللون لها .
الشيخ أحمد : إلهي بلاؤك عظيم .. محتلون ، وبشر لا يعقلون .. فاغفر لنا يا رب .. اغفر لنا يا رب .
إظلام
المشهد الخامس
في مكان قصي غرب المدينة .. حيث الصحراء .. يبدو البدر في السماء .. كل أهل المدينة يلتفون حول ثلاثة أحجار على الرمل .. وهم يحملون شموعهم وأطباق العصيدة
الجميع : ( في صوتٍ واحد ) عائدون ..
إليك عائدون ..
يا أختنا .. يا بنتنا .. يا أمنا الحنون ..
فالجرح في صدورنا عميق ..
كبحرنا العتيق ..
لأننا نهون ..
في أرضنا .. الأشرار يرتعون ..
في أرضنا .. الأشرار غاصبون ..
مدي يدك .. خففي أسانا ..
وكفكفي الدموع في العيون ..
وضمدي جراحنا ..
وافتحي سماءنا ..
لينزل المطر ..
وتنتشي الزروع ..
جئناك يا حبيبة القلوب ..
نقدم الهدايا ..
لنحصد العطايا ..
من كفك الحنون ..
يا أمنا الحنون ..
رجل : ليتمنى كل واحدٍ منكم أمنيته .. ويضع طبق عصيدته .. ويطفئ الشمعة .. لنلتقيها ثانية بالشموع .
يتقدم أحد أهالي المدينة .. يتلو شيئاً في سريرته .. يضع الطبق على الأرض .. ويطفئ الشمعة .. يتراجع .. يتبعه آخر وكما فعل يفعل .. ثم آخر .. بعدهم يتقدم التاجر أبو حسين الذي يبدو عليه الإنهاك والتعب
أبو حسين : هل لي أن أسمع الناس ما أضمر من أمنية .
رجل : لا ضير .. لكن لا تطل .. فغيرك ينتظر الكثير .
أبو حسين : يا أم رشدان .. يا صاحبة الفضل والبركة على المدينة وأهلها .. لا ينكر فضلك سوى جاحد .. وأنا مؤمن بك .. فكما وهبتِ للخباز ولداً .. وأبرأتِ ابنة الحاج حسن من علتها .. وأرجعتِ بن بائعة اللبن إلى أمه سالماً .. وأخرجتِ الشيخ أحمد من سجنه .. ( بصوت أرفع ) خلصينا من جور النصارى .. صبي عليهم جام غضبك وسخطك .. فإنهم آذونا في معائشنا .. سرقونا .. أثقلوا كواهلنا بالضرائب .. تجارتنا بارت .. تجارتنا بارت .. ( يقعي على الأرض منهاراً ) يا أم رشدان .. ما بقي عندي سوى تراب قبري .. سنوات العز ولت وراحت .. أصبحت فقيراً مدقعاً .. راح مالي .. راحت تجارتي .. راح مالي .. ( يضرب بكفه على الرمل ) .
رجل : كفى يا أبا حسين .. ( يرفعه ) أعطِ الدور لغيرك .
يطفئ أبو حسين شمعته .. ويتراجع متهالكاً .. يتقدم غيره .. يدخل في الأثناء الشيخ أحمد يجرجر معولاً بيده الوحيدة
الشيخ أحمد : ( يصرخ في الناس ) كفوا يا ناس .. كفوا يا عالم .. ما تفعلونه حرام .
رجل : ما بك يا شيخ أحمد .. دعنا فيما نحن فيه .. ولا تفسد علينا طقوسنا .
الشيخ أحمد : بأذني سمعت أبا حسين يبتهل لهذه الحجارة .. كأنه نسي أن له رباً أحق بالدعاء .. وأحن على عباده من عباده .
رجل1: ما الذي ترمي إليه يا شيخ أحمد ؟
الشيخ احمد : كأنكم تشركون في عبادتكم لله حجراً .. والله ما أنتم فيه من بلاء سوى جزاء ما تفعلون .. ( يلمح الشيخ نصار الذي يحاول التواري ) حتى أنت يا شيخ نصار؟!
يطرق الشيخ نصار خجلاً
امرأة : ما الذي تريده الآن ؟! .. دعنا نتلو رغباتنا وأمانينا لأمنا أم رشدان .
الشيخ أحمد : أمكم ؟! .. الحجر صار أمكم ؟ .. كأنكم عميٌ ولا تسمعون .. كأن عقولكم سُلبت من رؤوسكم .. خيرٌ لك يا امرأة أن تفرشي سجادة الصلاة وتنشري كفيك وتضرعي لله .. ابكي .. ادعيه بإخلاص .. والله لو كنتم دعوتم ربكم بجوارحكم ، لأنزل سخطه عليهم وجعلهم كعصفٍ مأكول .. لكنكم ضللتم .
بعض الناس يطرق برأسه خجلاً
امرأة1 : وما الذي بين يديك ؟!
الشيخ أحمد : هذا معول .. جئت به لأريكم كيف تتحول أمكم إلى حصى صغيرة.
رجل : ( مصدوماً ) تحطمها ؟!
امراة2 : ستخسف الأرض علينا .
الشيخ أحمد : أنا لا أقوى على رفع المعول وحدي .. لي يدٌ واحدة .. آمل أن يكون بينكم عاقلٌ واحد يعينني على تحطيم هذا الوثن .. ( يصرخ فيهم ) هــل من عاقلٍ بينكم ؟!
يسود الصمت .. بعد لحظات .. يتقدم الشيخ نصار واثقاً
الشيخ نصار : أنا معك ..
الشيخ أحمد : لمَ انجررت وراء الخرافات ؟! .. وراء هذا الكفر .. أين سنوات العلم والتحصيل ؟! .. ألم تزدنا السنوات إيماناً بالله ؟!
الشيخ نصار : ( خجلاً ) كالمسحور جئت .. السنوات زادتني إيماناً بخرافة أم رشدان .. كلما أردت إبعادها عن رأسي .. راودتني ثانية .
الشيخ أحمد : والآن ؟!
الشيخ نصار : أنا مؤمن بكل جوارحي أنها حجر .. حجر لا ينفع .
تبدأ جلبة بين الناس
الشيخ أحمد : أيها الناس .. إن كنتم لم تؤمنوا بما قلت .. فهذا شيخكم .. إمام مسجدكم .. وأنتم أعرف به .. بعلمه .. بتقاه .
يخترق حسين جموع الناس .. ويتقدم حيث الشيخ أحمد .. يأخذ المعول من يد الشيخ .. يتبادلان نظرة الرضا
الشيخ نصار : يا أهل المدينة .. لقد خُدعنا .. آمنا بأن الحجر ينفع .. يسمع .. بل جعلناه رباً لنا .. نتضرع ونبتهل إليه .. لقد أفرطنا في جهلنا .. فالله وحده لا شريك له ، يهب الذكور والإناث .. يرجع الغريب من غربته كما أرجع ليعقوب يوسف .. لقد سُلبنا عقولنا .
رجل2 : ألم تخرجك أم رشدان من السجن يا شيخ أحمد ؟!
الشيخ أحمد : كيف لحجر أن يخرجني من سجني .. البرتغاليون أخرجوني بإلحاح من أبي سلمان .. وفوق كل هذا هي إرادة الله .
امرأة2 : والعصيدة .. من يأكلها غير أم رشدان ؟
الشيخ أحمد : هناك من يسخر منكم .. حتى أنه لا أحد منكم فكر في أن يأتي إلى المكان ليرى إن كانت أم رشدان كما تدعون تأكل عصيدتها .
جلبة وسط الناس
الشيخ أحمد : يبدو أن من اخترع القصة يهوى أكل العصيدة .. وهكذا يحصل على كمياتٍ كبيرة من العصيدة تكفي المدينة بأكملها .. ولو أُفدتم من طحينها وصنعتم به خبزاً لسددتم جوع الكثيرين .
الشيخ نصار : أشك أن النصارى هم من اخترعوا القصة ليسلبونا إرادتنا .. وليأكلوا هنيئاً مريئاً من أقواتنا .
ترتفع الجلبة .. ينسحب البعض
الشيخ أحمد : الآن سنحطم هذا الوثن .. وسترون إن خسف بنا أم لا ..
يشير لحسين .. فيرفع المعول ويهوي به على الحجارة .. وثانية .. وثالثة ..
الشيخ احمد : سينير الله أرواحكم إن عدتم لبارئكم .. حطموها .
يشترك البعض في تحطيم الحجارة .. وينسحب البعض .. تبدأ الحجارة بالتكسر ..
بقعة ضوء على الشيخ أحمد وحده بينما يظلم باقي المشهد
الشيخ أحمد : ( داعياً الله ) يا صريخ المستصرخين ، ويا غوث المستغيثين ، ويا مفرج كرب المكروبين ، قد ترى مكاني وتعرف حالي ولا يخفى عليك شئُ من أمري .. يا لطيفاً فوق كل لطيف ، ألطف بي في جميع أحوالي بما تحب وترضى في دنياي و آخرتي .. اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلّت وأنت أعظم منها وأجل ، فافعل بنا ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله .. يا رب .
إظلام
الفصل الثالث
المشهد الأول
منزل أبي سلمان .. أبو سلمان يتوسط مجلسه .. وحوله اثنان من التجار والنواخذة وإقطاعي ..
تاجر1 : إنه يتمادى كثيراً .
نوخذة : لقد ضعفت هيبتنا .. لم نعد كما كنا .
إقطاعي : لم يعد الأُجَراء يرتجفون كلما مررنا .. ما عدنا نقوى على ممارسة سلطتنا عليهم .
تاجر2 : صباحاً .. طلب عاملٌ عندي زيادة أجره .. تصور ! .. لم يكن يرفع رمشه أمامي .
نوخذة : أنت حاكم المدينة بأمر البرتغاليين .. وما جئنا إليك إلا لنبث شكايتنا .. الحال لم يعد يطاق .
تاجر1 : الرجل قريبك .. فدعه يكف عن تأليب الناس ضدنا .
إقطاعي : لو بقي في سجنه لكان أجدى لنا .
تاجر1 : كأننا نكلم حجراً يا أبا سلمان .. أنت تلزم الصمت .
أبو سلمان : ( ينفث مهموماً ) أسمعكم .. وأعلم بما تعنونه .. أنا واحدٌ منكم .
نوخذة : هو واحد .. ونحن مجموعة .. لمَ لا نلتمس طلباً من القائد ليعيده إلى سجنه .. خاصة وأنه تجرأ على القائد أمام الناس .
أبو سلمان : إنها كارثة لو عاد .. سيطيح الناس بنا والبرتغاليين .. إنهم شعلة خامدة .. أججها الشيخ ، وستنفجر فينا إن أوذي .
إقطاعي : والحل .. أنتركه ؟!
أبو سلمان : أنا أطلب الحل قبلكم .. حتى بيتي انقلب علي .. لم أعد صاحب الكلمة فيه تاجر2 : نقتله .
أبو سلمان : ( غاضباً ) إنك لا تفهم .. سمعتني أقول أن سجنه سيسبب كارثة .. فماذا تظن في قتله .. إنك ترى الناس يحتشدون أمام خرابته يعلنون الولاء له .
تاجر1 : أيعقل أن يشل حركتنا .. نقف حائرين هكذا ؟
إقطاعي : ندس له السم .. ولن يعرف الناس أنه مقتول .. سيظنون أنه مات بشكل طبيعي .
أبو سلمان : أبعدوا فكرة قتله من رؤوسكم .. نحن نحتاج لهز ثقة الناس به .. لكن كيف وهم يقدسونه الآن ؟
نوخذة : كيف صدقه الناس .. وحطموا معه أم رشدان ؟!
تاجر1 : أحالوها كسراًُ بعد أن كانت ملاذهم لتحقيق مآربهم .
تاجر2 : يتفننون منتصف كل شهر في صنع ألذ العصيدة زلفةً لها كي تشفي عليلهم .. وتعيد غريبهم .
إقطاعي : وتخلصهم من قبضاتنا .
نوخذة : لقد حققت لهم ما أرادوا ..
تاجر1 : جزاؤها أن انساقوا وراء المشعوذ وحطموها ..
أبو سلمان : ( يقاطعهم بحدة ) كفى يا جهلاء .. لم تبقوا للفقراء شيئاً .. حسبت أن الغنى جديرٌ بجعلكم أكثر تعقلاً .
تاجر1 : ما الذي تقصده ؟!
أبو سلمان : ( يقف بينهم ) أبداً لم أؤمن بقصة أم رشدان تلك .. فهي حجارة اخترعها أحدهم لمصلحة ما .
نوخذة : ربما البرتغاليون .
أبو سلمان : وربما غيرهم .. المهم أنها كانت لعبةً انطلت على الجميع حتى أنتم .. حتى أبا حسين خرج يبكي كالطفل حاملاً عصيدته لحجر .
تاجر2 : يبدو لي يا أبا سلمان أننا أفدنا كثيراً من قصتها .
أبو سلمان : حقاً .. لقد شغلت الناس في التفكير فيما يواجهونه منا ومن البرتغاليين .. أصبحنا نعمل بهدوء .. ما يسرقه البرتغاليون منا نسترده من الناس طوعاً أو غصباً برفع الأسعار .. لكن .. ( ينفث حسرةً ) .
نوخذة : سمعت أنك من تزلفت للقائد كي يخرجه من سجنه .
أبو سلمان : هو أنا ..وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير .
يدخل سلمان يلقي التحية .. ويقترب من والده
سلمان : أبي قائد المحمية قصد في طلبك .
أبو سلمان : ( يتلعثم ) أ .. أنا .. ولمَ .. ألم تعرف ماذا أراد ؟
سلمان : وما أدراني أنا .
أبو سلمان : حسنٌ .. سأذهب حيث هو .
يخرج أبو سلمان .. ويتبعه البقية عدا سلمان الذي تبدو عليه الحيرة .. يدخل إلى البيت حيث والدته وحدها تخيط ثوباً .. يلقي عليها التحية .. فترد بجفاء .. يقعد إلى جانبها خجلاً
سلمان : أمي ؟!
أم سلمان : ( بجفاف ودون أتنظر إليه ) نعم .
سلمان : أين زينب ؟!
أم سلمان : ليست في البيت .. ستمر على والدها ثم تجالس جارتنا أم ناصر .
سلمان : ( متأثراً ) وكيف هي الآن ؟!
أم سلمان : لمَ لا تسألها أنت ؟!
سلمان : إنها تجافيني .. لا ترغب في حديثي .
أم سلمان : تستحق ذلك .
سلمان : ( بحزن ) نعم .. أستحق .. أنا من كان يجب أن أحميها من الأذى .. لكني رأيتها تتأذى ووقفت جامداً دون حراك .. ( يتنهد ) أمي .. أنا متعب ٌ .. أكاد أختنق .
تترك أم سلمان ما بيدها بتأثر .. وتحاول الاستماع إلى حديث ولدها
سلمان : أرى كل الأبواب موصدةً في وجهي .. مذ رأيت زينب على فراشها مت ألف مرة .. تمنيت أن تبلعني الأرض ولا أراها متألمة .. ( لوالدته باستجداء ) أمي .. أرغب في أن أضع رأسي على حضنك كما كنت طفلاً .. أمي .. أنا أتوق لدفئك وحنانك .. أتوق لأن تهزيني كطفلٍ صغير .. تعبثين في شعري لأنام ..
يضع سلمان رأسه في حضن والدته .. فتمتد يد الأم إلى شعره مترددة
صوت : ( صوت أم سلمان ) لولو .. لولوة
لولو .. لولوة
نام يا وليدي
عن الكلب والعوى .. لولو .. لولوة
تترك أم سلمان ما بيدها وتمسح على رأس ولدها على خلفية موسيقية مناسبة .. تلمح دمعة على خده .. تمسحها بتأثر
أم سلمان : لمَ تبكِ يا سلمان ؟!
سلمان : أتكرهينني يا أمي ؟!!
أم سلمان : لا تنجب الأم كي تكره .. الأم لا ترضيها تصرفات أولادها .
سلمان : لم أكن ولداً باراً بك .. أليس كذلك ؟
أم سلمان : قلب الأم كعين الماء .. إن كدر صفوها حجر .. عادت إلى صفائها من جديد .
سلمان : أمي .. أنا أحب زينب كثيراً .. لا أقوى على إغضابها .
أم سلمان : وما ترتكبه في حقها ؟
سلمان : يعمي الغضب القلب .. سليها .. كلما حدثت مشادة بيننا تغضب مني .. فأعود أستجدي العفو منها .. وهي شفافة ، طيبة القلب .. ترضى وتهديني ابتسامتها العذبة كدفء الربيع .
أم سلمان : ( بحنو ) لماذا لا تتصرف كرجل .. اترك نزوات والدك .. ارعَ زوجتك كي توقن أنها بحصن رجل .. وما أخطأت يوم قبلت بك .
سلمان : أنا حائر بين والدي من جهة .. وأنت .. وزينب .. وخالي من جهة أخرى .. أنا أعلم أن لوالدي تصرفات لا ترضي العقل .. وأنا لا أقبلها .. وعلى الخصوص تزلفه من النصارى .. لكن لا أقوى على إغضابه .. أما خالي .. فصدقيني يا أمي .. أنه رغم القسوة التي يقابلني بها .. إلا إنني فخورٌ به .. ( يقعد ) خالي بطل .. لن تنجب هذه الأرض مثله .. لكني لا يمكن أن أكون معه .
أم سلمان : هل رضيت بما فعله أبوك بزينب ؟
سلمان : ( يبكي ) والله إنه لخنجر مزق صدري .. أراها بين الحياة والموت .. تتألم .. وأقف كالجدار دون حراك .. كرهته لحظتها .. لكنه والدي .. والدي .
تحتضنه أمه فيجهش بالبكاء
سلمان : ( وهو يبكي ) أنا لست سيئاً يا أمي .. سامحيني .. قولي لزينب أن تغفر لي .. إنني أتعذب كل ساعة .. وهي تتحاشاني .
أم سلمان : أنا أمك فلا تطلب مني السماح .. وأما عن زينب فهي تملك قلباً كلون الغيم.
تبعده قليلاً .. تكفكف دموعه .. تقف .. وتطلب منه الوقوف .. يقف مقابلها
أم سلمان : أمامي الآن إنسان آخر ؟! .. رجل .. يمكن أن أفخر أني أنجبته ؟
سلمان : ( يهز رأسه إيجاباً ) نعم .. أعدك أن أكون كما تريدين .. ( يستدرك ) علي الذهاب إلى السوق .. هل ترغبين في شئ ؟!
أم سلمان : سلامتك .
سلمان : أستودعك الله .. ( يقبل رأسها .. ثم يخرج )
ترقب أم سلمان ولدها بنظرات كلها حنو .. وهو خارج .
إظلام
المشهد الثاني
في حصن البرتغاليين .. يقعد القائد على كرسيه متربعاً .. ويقف أبو سلمان بمواجهته مطرقاً برأسه خوفاً
القائد : ( بحدة ) أهذا من أقنعتني للتوسط لفك أسره ؟!
لا ينبس أبو سلمان ببنت شفة
القائد : كنت تقول أنه أصبح عجوزاً ، معاقاً ، هدت قواه سني السجن .. فما عاد يقوى على ارتكاب الحماقات .
أبو سلمان : ( يتلعثم ) كنت .. كنـ ..
القائد : ( يقاطعه ) لا تبرر لي أخطاءك .. كنا نعيش في هدوء .. بسلام نلتزم حصننا .. نأخذ مكافآت حمايتكم .. نتعايش دون منغصات .. حتى جعلتني أخرجه من السجن .. فأصبح كالشوك في حلوقنا .. مجيئه آذن بالفوضى .. حتى قواربنا احترقت .
أبو سلمان : لكنه ..
القائد : أعلم أن القارب الأول احترق قبل مجيئه .. لكن ربما كان نذير شؤم لم ندركه .
لحظات صمت .. ثم
القائد : لقد جاءني وفدٌ من تجار المدينة ..
تبدو علامات الدهشة على ملامح أبي سلمان
القائد : طلبوا مني إيجاد حلٍ لما يواجهونه من العصيان ، بعد أن نخرت سوسة الشيخ أحمد عقول الناس .. ولأنك لم تعد تمثلهم لأنك تقف مكتوف اليدين أمام تجاوزات قريبك .
أبو سلمان : فعلت ما في وسعي .
القائد : لمَ لم تقتله ؟!
أبو سلمان : ( يستجمع قوته ) كانت الفرصة سانحةً لك وأمام الجميع .. لمَ لم تفرغ بارود بندقيتك في صدره ؟! .. كان كاشفاً صدره لك .
القائد : ( غاضباً ) لا تلمز يا أبا سلمان .
أبو سلمان : لم أتعمد اللمز .. إنما قصدت أنك كنت تخاف من ثورة الناس ضدكم لو قتلتموه .. وهذا ما أخافه أنا .. من الحماقة قتله خاصة الآن .
القائد : وما الحل في رأيك ؟
أبو سلمان : أنا أبحث عن وسيلة نهز بها ثقة الناس فيه .. فيبتعدون عنه ، فيظل وحيداً منبوذاً .
القائد : ( بخبث ) لا .. دع أمره لي .. وأرح رأسك منه .
إظلام
المشهد الثالث
نفس منظر المدينة .. حيث بدأ الناس للتو الخروج من المسجد .. الباعة يأخذون أماكنهم خلف بضائعهم .. يتوافدون على خشبة المسرح ويتوزعون عليها .. تتحدث كل مجموعة على حدة .. البعض يبتاع ، البعض يتحدث .. يخرج الشيخ أحمد والشيخ نصار ويتبعهما التاجر أبو حسين .. يتصدرون الخشبة
أبو حسين : حتى رؤوس المدينة الكبيرة التي كان يسند ظهره بها ، انقلبت عليه .. ضربت بحكمه عرض الحائط .
الشيخ نصار : هو من جر هذا على نفسه .. أضاع ذاته وكاد أن يضيع المدينة معه .
الشيخ أحمد : مسكين أبو سلمان .. يظن أن الدنيا دار مقرٍ لا دار ممر .. باع أرضه وناسه لأجل المال والكرسي .. ظن أن البرتغاليين أصحاب عهد .
الشيخ نصار : صدقني .. في حال أحسوا أن لا مصلحة لهم فيه .. سيرمونه مثل الجيفة .
أبو حسين : سيفعلونها .. فالناس لا يحسبون له حساباً ، لقد ملّوا الذل .
الشيخ أحمد : دعكما الآن من أبي سلمان .. الله سيحاسبه على أفعاله وليس نحن .
أبو حسين : صدقت .
الشيخ أحمد : ( لأبي حسين ) والآن يا أبا حسين .. ألن تفتح دكانك وتستأنف عملك .
أبو حسين : ليس الآن .
الشيخ أحمد : إلى متى .. حالك لا يرضي أحداً .. لقد أصبحت فقيراً معدماً .. وكما تعلم أن الفقر في الوطن غربة .
أبو حسين : سأعود .. لكن إذا خرج المحتلون من أرضنا .
الشيخ نصار : الفرج قريب بإذن الله .. لكن لا يجب أن تبقى دون عمل .. عندك أولاد يحتاجون للقمة .
الشيخ أحمد : عد لتجارتك يا رجل .. وكما بدأت من لا شئ .. إبدأ الآن .
أبو حسين : اللقمة نأكلها ممزوجة بأجاج الذل ، فتغدو كالسم في الأبدان .. كما أني كرهت التجارة .. في هذه المدينة يتعلم التجار الفجور .. وأنا تبت لله .. ولا أرغب في تدنيس صفحة أعمالي ، فأظلم هذا أو أعتدي على ذاك .
الشيخ أحمد : أفضل الرزق التجارة .. ولو أن التجار راعوا الله في أعمالهم لكنا وكانوا بألف خير .
الشيخ نصار : إنك تملأ القلب غبطة يا أبا حسين .. بأمثالك سيفرج الله عنا كربتنا .
أبو حسين : لولا الشيخ أحمد لما لاح فجر هذه المدينة .
الشيخ أحمد : استغفر الله رب العالمين .. لولا رب العالمين ما كنا .
الشيخ نصار : بالمناسبة يا شيخ أحمد .. لا أرى زينب هذه الأيام تأتيك بالطعام كعهدها.
الشيخ أحمد : ( تملأ وجهه ابتسامة ) أنا من أمرتها ألا تبرح الدار .
الشيخ نصار : لمَ ؟! .. أهي مريضة ؟
الشيخ أحمد : ( فرحاً ) بل حبلى .
الشيخ نصار : ( فرحاً ) حقاً ؟!
يهز الشيخ رأسه إيجاباً .. يحتضنه الشيخ نصار مهنئاً
الشيخ نصار : مبروك .. مبروكٌ يا أخي .. ستصبح جداً ..
أبو حسين : ( يهنئ الشيخ ) مبروك يا شيخ أحمد .. مبروك .
الشيخ نصار : ( منادياً ) يا ناس .. يا أهل المدينة .. إن زينب ابنة أخي الشيخ أحمد حبلى .. سيصبح جداً .. سيصبح جداً .
يتوافد الناس على الشيخ مهنئين
رجل8 : ( ممازحاً الشيخ أحمد ) أخبر عمتها أن تـطعمها العصيدة .. فهي مفيدة للحامل .
الشيخ أحمد : كعصيدة أم رشدان ؟!
يضحك الجميع .. يدخل حسين خائفاً يتلفت خلفه .. يقطع الخشبة دون أن يلمحه أحد سوى الشيخ أحمد .. يدخل إلى المسجد .. يتبعه الشيخ أحمد بعد أن أستأذن الناس .. بعد لحظات يدخل أبو سلمان وبمعيته بعض الجنود البرتغاليين .. يزيحون الناس ويتصدرون الخشبة
أبو سلمان : ( غاضباً بأعلى صوته ) ألم ير أحدكم ذلك المجنون ؟
يتعالى لغط بين الناس
أبو حسين : من تقصد ؟!
أبو سلمان : أقصد حسين .. المجنون الذي أحرق قارباً للبرتغاليين ، وكادت النار تلتهم السفينة القابعة خلف الحصن .
يزداد اللغط
أبو حسين : ( فرحاً ) سلمت يداه ..
أبو سلمان : ( غاضباً يلتفت إلى أبي حسين ) هل أنت سعيدٌ بما فعله ؟!
أبو حسين : نعم .. وكل الناس كذلك .
أبو سلمان : إنه فعلٌ يجر عليكم الوبال .. لقد هدد القائد بنسف المدينة بمن فيها .
يخرج عندها الشيخ أحمد من المسجد .. ويقترب من أبي سلمان
الشيخ أحمد : ( لأبي سلمان ) لتغني أنت على أنقاضها ؟
أبو سلمان : ( يصرخ في وجه الشيخ ) لا شأن لك أنت .. أنا أريد المجنون .
الشيخ أحمد : لن يمسسه أحد ما دمت حياً .
أبو سلمان : روحك في يدي .. لو شأت لأمرت هؤلاء بإطلاق النار عليك .. وقتلك .
الشيخ أحمد : أتحداك .. فأنت أجبن من أن ترتكب هكذا فعل .
أبو سلمان : أنا محتفظ إلى الآن بالدم الذي بيننا .
الشيخ أحمد : لو قتلتني .. أو قتلني غيرك ، سيخرج ألف أحمد .. كالكمأ في الصحراء .. سينتزعون روحك وأرواح من جئت تستند بهم من حلوقكم .
أبو حسين : ( يقف مواجهاً أبا سلمان ) أنا الشيخ أحمد ..
رجل8 : أنا الشيخ أحمد أيضاً .
رجل1 : وأنا الشيخ أحمد .
الشيخ نصار : أنا الشيخ أحمد .
رجل2 : وأنا ..
أبو سلمان : لا عليكم .. إنه يلعب بكم .. سيفنيكم لأجل مصالحه الشخصية .. إنه يعمل مع البرتغاليين .. ( بهستيريا ) صدقوني ..
رجل3 : أنا الشيخ أحمد ..
أبو سلمان : اسمعوا ما أقول لكم ..
يختفي صوته خلف هتاف الناس ” كلنا الشيخ أحمد ” .. عندها يتراجع أبو سلمان خوفاً ، فيتقدم الناس خطوة يتراجع بعدها أبو سلمان والجنود البرتغاليون .. حتى يتقهقروا ويخرجوا من المسرح
الشيخ أحمد : ( بأعلى صوته ) .. سيأتيكم أهل الخليج كالطوفان يجرفكم .
رجل8 : نحن رجالك يا شيخ أحمد فاعتمد علينا .
الشيخ نصار : ابتهج فهم رجالٌ كالطود لا تهزه ريح .
الشيخ أحمد : ها أنا أشعر الآن أنكم من تشوقت للخروج من ظلام السجن لأجلهم ..أنتم أهلي جميعاً .
أبو حسين : أنا أرى أن نفد على السلطان العثماني في بغداد أنا والشيخ نصار وبعض الشرفاء في المدينة معلنين للدولة العثمانية الولاء .
الشيخ أحمد : وهل سيكون سليمان القانوني أفضل من الشاه عباس زعيم الصفويين ، وأرحم بنا ؟! .. إنهم يروننا نعاني الأمرين وهم صامتون خوفاً على مصالحهم .. وكأننا من دين غير دينهم .
أبو حسين : العثمانيون لن يرضوا .. سيعينوننا على البرتغاليين .
الشيخ أحمد : ( حائراً ) لا أدري .. ربما .. جربوا .. فقد يكون الخير فيهم .
أبو حسين : سيكون .. سنعلن المدينة ولايةً لهم .. والمدينة تزخر بالخيرات .
الشيخ أحمد : توكلوا على الله إذاً .
يخرج حسين من المسجد وجلاً .. يتلفت حوله
الشيخ أحمد : ( يلحظ وجود حسين ) تعال يا ولدي يا حسين أيها البطل .
يقترب حسين حذراً .. يمسك به الشيخ
الشيخ احمد : ( للناس ) هذا من كان يحرق قلوب البرتغاليين على قواربهم ..
رجل5 : حقاً ؟!
الشيخ أحمد : لقد جرت الكرامة في جسده مجرى الدم فأبى الذل والخنوع .. كان يعمل وحيداً في الخفاء .. وهو من فلق رأس النصراني بحجر .. هو ولدي حسين .. وولد هذه الأرض الطاهرة .. ( بأعلى صوته كمن ينادي ) لتنقل الغيوم إليك صوتي يا محمد تقي .. هاهم أهلي وهاهي أرضي ستلفظ النصارى كما وعدتك ..
أبو حسين : من محمد تقي هذا ؟
الشيخ أحمد : أخي في السجن .. راهن عليكم .. قال أنكم مـجبولون بالذل ولا أمل فيكم .
أبو حسين : خاب ظنه .. فنحن رجالك .
الجميع : ( بصوتٍ واحد ) نحن رجالك يا شيخ أحمد .
إظلام
المشهد الرابع
يدخل محمد تقي ..تسلط بقعة ضوء عليه وحده ويظلم بقية المشهد
محمد تقي : تردد الأصداء نداءك ..أراك أمامي ممتداً للسماء ، متجذراً في الأرض كنخيل الخليج ..أراك تثمر رطباً ونخلاً ..أراك أحمد موانئ الناس ..علمهم أبجدية الحب ..وحروف الولاء للتراب ..علمهم كيف يكونون أحراراً .
إظلام
المشهد الخامس
منزل أبي سلمان .. أم سلمان وزينب في باحة المنزل
زينب : ( يبدو عليها التعب ) كل يوم على الوضع نفسه .
أم سلمان : ( مبتسمة ) إنه الوحم .. لقد بدأ عندكِ مبكراً .
زينب : أهكذا يكون الوحم ؟! .. أستيقظ من النوم بغثيان يُخرج ما في جوفي .
أم سلمان : إنها الأمومة وتحتاج إلى الصبر .
زينب : أحياناً أتمنى لو أني لم أحبل .
أم سلمان : كل هذا سيزول .. وعندما يكبر ما في رحمك وتشعرين بحركته .. ستملؤك السعادة و تنسين كل هذا العناء .. المهم أن تتغذي جيداً فأنت بحاجة إلى طعام اثنين .
زينب : صدقيني يا عمتي .. أشعر أن لا رغبة لي في الطعام .. رائحته كريهة .. حتى والدي ما عدت أعد له الطعام كالسابق .
أم سلمان : لا عليك .. أنا سأهتم بأخي .
زينب : ألم يتأخر عن المجيء ؟!
أم سلمان : تعرفين مشاغله .. أكيد أنه في المسجد مع الناس .. فقد أحسوا بحاجتهم إليه.
زينب : دائماً أتشوق إليه هذه الأيام .. وأخاف عليه كثيراً .
أم سلمان : إنه بخير وعافية ، فممَ تخافين عليه ؟!
زينب : من النصارى و التجار .. ( بتردد ) و .. حتى من عمي أبي سلمان .
أم سلمان : لأنه أصبح عثرة في طريقهم ؟
زينب : نعم ..
أم سلمان : لا تخافي عليه .. معه الله ثم الناس .
يدخل الشيخ أحمد يلقي السلام فتردان عليه .. يقعد بالقرب من زينب
الشيخ أحمد : هاه يا حبيبتي زينب .. كيف حالك وحال حفيدي ؟
زينب : نحن بخير ، وفي أحر الشوق إليك .
الشيخ أحمد : بل أنا أكثر .. ولولا انشغالي لبت أرعاك بعينيّ .
أم سلمان : أنا موجودة .
الشيخ أحمد : بك كل الخير يا أختي .
زينب : هل تود بغذائك الآن ؟
الشيخ أحمد : لا .. فأنا مدعو على الغذاء في منزل أخي الشيخ نصار .
أم سلمان : ألن تتناول غذائك معنا ؟
الشيخ أحمد : تعلمين أني لا أجتمع مع زوجك على مائدة .
زينب : مذ عدت وأنت تتناول الطعام وحدك .
الشيخ أحمد : معي حسين .
زينب : أيكفيك عنا ؟
الشيخ : ( ممازحاً ) أتغارين ؟
زينب : لا .. لكن لي شوق أن أقعد معك على مائدةٍ واحدة ، ولو لمرة .
الشيخ أحمد : قريباً إنشاء الله .
أم سلمان : بالمناسبة .. سمعنا أن حسين هو من كان يحرق قوارب البرتغاليين ..
الشيخ أحمد : ( يضحك ) نعم هو .. لقد أشاب رؤوسهم .. لكنهم اكتشفوا أمره .
زينب : حقاً .
أم سلمان : هل سيعاقبونه ؟
الشيخ أحمد : على جثتي .. لن يمسسه أحد بسوء ما دمت حياً .
أم سلمان : احفظه في عينيك .. فهو أمانة .
الشيخ أحمد : أتوصينني على ولدي ؟ .. ( يستدرك ) المهم .. أريد نقل الكتب من هنا .
أم سلمان : لماذا ؟
الشيخ أحمد : أريدهم أمام عيني .. في داري .
زينب : أبي .. دارك مهدمة .
الشيخ أحمد : أنا لا آمن على الكتب هنا .. أشعر أن أبا سلمان يضمر لي شيئاً .
أم سلمان : الكتب في الحفظ هنا ، ولا يعلم مكانهم أحد .. ووجودهم في العراء هو الخطر بعينه .
الشيخ أحمد : أود أن أتوسدهم .
أم سلمان : انقلهم إلى مكان آخر .
الشيخ أحمد : سأدفن القدر الأكبر منهم في باحة المسجد .
زينب : ولماذا في باحة المسجد ؟
الشيخ أحمد : ليظلوا في الحفظ .. ليكونوا النور الذي يفتح أبواب عقول الناس .. ولك يا زينب .. وللصغير أو الصغيرة التي ستأتي .. ربيها على حب الكتاب .. سأدخر الكتب للآتين من بعدي .
أم سلمان : وكيف ستنقلهم ؟! .. سيراك الجميع .
يدخل سلمان فجأة
سلمان : أنا سأنقلهم معه .
الشيخ أحمد : ( مندهشاً ) سلمان؟!!
سلمان : نعم يا خالي .. أنا من سينقل الكتب لك .
الشيخ أحمد : ( يقف ) ووالدك؟ .. إنه يبحث عن الكتب ليحظى بجائزة من القائد .
سلمان : لا شأن لوالدي بالأمر .. كنت تريدني أن أكون رجلاً حر التفكير ، لأكون جديراً بزينب .. وها أنا أحاول أن أثبت أني كما أردت .
الشيخ أحمد : وهل ستتخلى عن والدك لتثبت لي ذلك ؟
سلمان : رغم أن أمقت تزلفه للبرتغاليين .. إلا انه يبقى والدي .
الشيخ أحمد : أنا ووالدك في خندقين متواجهين .
سلمان : أعلم ..
الشيخ أحمد : فمع من ستكون ؟!
سلمان : معك .. ولست ضد والدي .. سأكون في الخندق المواجه للمحتلين .
الشيخ أحمد : وأين والدك في القصة .
سلمان : سأحاول ما استطعت إبعاده عن المواجهة ..
صمت من قبل الشيخ أحمد .. بعد قليل
سلمان : صدقني يا خالي .. أنا لا أخاتل .. منذ زمن وأنا أتمنى أن يخرج المحتلون من ديارنا .. وها أنت جئت لتؤجج جدوة الحقد عليهم .
الشيخ سلمان : ألم تكن تألفهم ؟
سلمان : كيف أألف من أحرق مدينتنا .. لا زالت صورة الأجساد المحترقة تطوف بخيالي .. أجساد عائلة حسين .. أجساد أهل المدينة .. كيف لي أن أألف من جاء عنوة ليجثم فوق صدورنا .
الشيخ سلمان : لكنك كنت على علاقة بهم تبعاً لعلاقتهم بوالدك .
سلمان : هذا ما فرضه علي والدي .. سلبني إرادتي .
الشيخ أحمد : ولمَ لم يظهر سلمان هذا الذي أمامي من ذي قبل .. ما الذي غيرك ؟
سلمان : ما فعله والدي بزينب قلب كياني .. أدركت أن خطأً ما يبعثر خطوي .. لأني ما تزوجت زينب إلا لأني متيم بها .. أخاف عليها من الآه .
الشيخ أحمد : أعلم .. لكن قد تضر موالاتك لي بعلاقتك بوالدك .
سلمان : لا .. لأني لن أكون ضده .. ولن أسمح أن يكون مع المحتلين .
الشيخ أحمد : اسمع يا ولدي يا سلمان .. أنا موقن أن ما سمعته منك نابع عن صدق .. لكن أوصيك بحسن معاملة والدك .
سلمان : إنك تكبر في عينيّ أكثر .. أنت خالي الذي أحببت .
أم سلمان : قال لي أنه يفتخر كونك خاله .
الشيخ أحمد : ( يومئ متسائلاً ) حقاً ؟
سلمان : ألا يحق لي أن أرفع رأسي فخراً كونك خالي ، ووالد حبيبتي زينب وجد ولدي المنتظر .. كل المدينة .. أهلها ، ترابها حتى هواءها يفتخرون كونك منهم .
زينب : أبي .. حقاً تغير سلمان .. إنه يُشعرني بالدفء في معاملته لي .
الشيخ أحمد : بارك الله فيك .. أثلجت صدري .
سلمان : الآن .. أين كتبك ؟!
الشيخ أحمد : ليس الآن .. عندما يخلد كل أهل المدينة إلى النوم سننقلهم .. ربما يستغرق الوقت أياماً .
سلمان : حسنٌ .. سنبدأ في نقلهم الليلة .. أين تخبئين الكتب يا أمي ؟
أم سلمان : في غرفة جدتك .
سلمان : ( مندهشاً ) الغرفة مغلقة .
أم سلمان : نعم .. وعندي مفتاح قفلها .. وتعلم أن والدك لا يقوى على دخول الغرفة فهي تذكره بأمه .
سلمان : أنت حقاً ذكية يا أمي .
أم سلمان : ( تضحك ) بعض مما عند الشيخ أحمد .
الشيخ أحمد : ( لسلمان ) اسمع ! .. مر داري بعد العصر .. سنتفاهم .. أنا وأنت وحسين في كيفية نقل الكتب .. ( يستدرك ) أما زلت تتحسس من حسين ؟!
سلمان : بتاتاً .. قال لي أنه أبداً ما كان يفكر في زينب كزوجة .. لأنه دائماً يراها أختاً له .. صار يسميني زوج أخته .
الشيخ أحمد : حسنٌ .. هذا يكفيني عبء تلاؤمكما .. ( يهم بالخروج ) لقد حان موعد انصرافي .
سلمان : إلى أين يا خالي ؟! .. ألن تتغذى معنا ؟
الشيخ أحمد : لا .. فأنا على موعد في منزل الشيخ نصار للغذاء ولمناقشة أمر وفود بعض شرفاء المدينة على السلطان العثماني ، لإعلان الولاء له .
سلمان : كلنا يتمنى أن تُكلل رحلتهم بالنجاح .
الشيخ أحمد : إنشاء الله .. ربما تكون فاتحة خيرٍ على هذه المدينة .. مع الســــلامة ( يخرج) .
أم سلمان : حفظك الله من كل سوء .
إظلام
المشهد السادس
منظر المدينة في الليل .. يفرش الشيخ أحمد غطاء سرير وبعض القطن على كومة من الكتب شكلها على هيئة سرير .. يقعد إلى جانبها يأخذ كتاباً ، ويقرأ .. يخرج حسين من المسجد .. يغلق بابه .. ويتجه إلى الشيخ
الشيخ أحمد : ( ينتبه لوجود حسين ) ها ؟! .. هل غطيت أثر الحفرة جيداً ؟!
حسين : بشكل لا يثير الشك .
الشيخ أحمد : الآن أشعر بالطمأنينة .. الكتب تحت جسدي أحفظهم به .. والبعض تحفظهم رعاية الله فهم في بيته .. اسمع جيداُ ! .. إنها أمانة في أعناقكم لا تضيعوها .
الشيخ أحمد : ( مبتسماً ) أتدري يا ولدي ! .. كثيراً هذه الأيام ، ما يطوف خيال خالتك أم زينب في خاطري .. أراها وقد ارتدت ثوب عرسها وعلى أصوات الزغاريد تمد يديها إلي لأقبل .
حسين : ( ينقبض ) خيراً إنشاء الله .. ربما الشوق إليها .. ربما الراحة التي تعيشها بعد هذا الإنجاز .
الشيخ أحمد : ربما ..
يبدو في أقصى المسرح جزء من منزل أبي سلمان تسلط عليه بقعة من الضوء .. سلمان يحمل إناءً فيه طعام .. يتبعه والده
أبو سلمان : سلمان !!
سلمان : ( يتوقف ويلتفت لوالده ) نعم !!
أبو سلمان : إلى أين تخرج في هذه الساعة من الليل ؟
سلمان : آخذ الطعام إلى خالي .
أبو سلمان : ( غاضباً ) أنت ؟!
سلمان : نعم .. أنا .
أبو سلمان : حقاً ما نُقل لي ..
يبدي سلمان حركة تساؤل
أبو سلمان : أنك معه في خندقه .
سلمان : نعم ! .
أبو سلمان : و أنا ؟!
سلمان : أنت والدي .. الذي أحبه وأكن له كل الاحترام .
أبو سلمان : كيف تكون معه ، ومعي في ذات الوقت ؟
سلمان : أن أكون معه .. وألا أكون ضدك .
أبو سلمان : لسنا متفقين .
سلمان : أعلم .
أبو سلمان : أنت تعرف أنه أضر بي .. ألب الناس ضدي .. حتى أن البرتغاليين سحبوا الحكم من يدي وسلموه للنوخذة أبي جابر هذا المساء .. وكل هذا بسبب خالك .
سلمان : أفضل .
أبو سلمان : ( مندهشاً ) أفضل ؟!! .. أيرضيك أن أخسر مكانتي بين الناس ؟!
سلمان : ومن قال أن تحكم باسم النصارى ، فتحظى بالمكانة .. إنه الذل بعينه .. لقد دمروا المدينة .. بل دمروا الخليج كله .. خسر الخليجيون كل شئ .. وأنت أحدهم .
أبو سلمان : لقد سمم أفكارك ذلك المعتوه .
سلمان : أنا هو سلمان ، من ربيته .. ولم يغيره أحد .
أبو سلمان : ( بصرامة ) عد إلى مكانك ، ودعه يموت جوعاً .
سلمان : عذراً يا أبي .. إنها المرة الأولى التي أرفض لك أمراً .. لا يمكنني ترك خالي دون طعام .
أبو سلمان : لقد دمرني هذا الرجل .. هدّ كل ما بنيته ، وتطعموه من خيري ؟
سلمان : لا أظن أن خالي في حاجة إلى طعامك .. فلو أراد لقدم له الناس ما لذ وطاب من الطعام .. كما فعلوا مع أم رشدان في الماضي .. لكنه ألف نَفَس أمي في الطبخ .
أبو سلمان : ( بحدة وبصوت عالٍ ) ضع هذا الطعام أرضاً .. لن يأكل من بيتي لقمة واحدة .
سلمان : إن لم يأكل خالي من هذا البيت .. لن نأكل نحن أيضاً .. وسنترك لك البيت .
أبو سلمان : بل أنا من سيتــــرك لكم البيت .. فلو بقيت لبرهة سأموت قهراً .. ( يصــرخ ) قاتلك الله يا شيخ أحمد .. أفسدت علي حياتي .
يخرج أبو سلمان ويتبعه ولده .. يطفأ الضوء .. ويعود المشهد للشيخ أحمد الذي يتحدث لحسين
الشيخ أحمد : إذا أصابني مكروه .. لا تدعهم يظفرون بك .
حسين : ( منقبضاً ) إنك تحدثني .. كمن يودع .. ما بك يا أبي ؟!
الشيخ أحمد : أحس المنية اقتربت .
حسين : ( مرعوباً .. يتحسس جسد الشيخ ) أتشعر بالمرض ؟ .. بالتعب ؟
الشيخ أحمد : لا .. أشعر أني عدت أربعين عاماً .. قويٌ كفتى .. لا تعب .. لا نعاس .
حسين : إذاً ما الذي يجعلك تتحدث عن الموت ؟
الشيخ أحمد : كم أنا مشتاقٌ لأصدقاء السجن .. من كل بقعة على هذا الخليج لي صديق .. جمعنا سجنٌ واحد و ظلامٌ واحد .. فغابوا واحداً تلو واحد .
حسين : أتشتاق للموتى ؟!
الشيخ أحمد : أشتاق لكل الذين أعرفهم ..محمد تقي ، أنت ، زينب ، أختي ، سلمان .. الشيخ نصار ، أهل المدينة الطيبين واحدا واحدا .. حتى أبا سلمان .
حسين : إنك ترعبني .. لمَ لا ترتح قليلاً .. يبدو أنك منهك .
الشيخ أحمد : بل سأقرأ قليلاً .
يقرأ الشيخ .. ويبدو الهلع جلياً على وجه حسين وهو يراقب الشيخ أحمد .. يدخل سلمان بعد لحظات .. يلقي التحية .
حسين : ( في سرحانه ) وعليكم السلام .. مرحباً يا زوج أختي .
سلمان : لقد جئت بطعامكما .
الشيخ أحمد : تعال يا سلمان .. اقعد بالقرب مني .
سلمان : ( يفعل كما أمره ) أمرك !
الشيخ أحمد : أوصيك على زينب ؟
سلمان : إنها في عينيّ .
الشيخ أحمد : والطفل المنتظر ؟
سلمان : لا يوصى أبٌ على ولده .. لمَ توصيني .. هل أنت مسافر ؟
الشيخ أحمد : ربما ..
سلمان : ( بعد أن لمح الهلع على وجه حسين أثناء حديثه والشيخ ) ما الحكاية ؟ .. أخبراني .
الشيخ أحمد : لا أبداً .. كيف والدتك .. وزينب .. كيف أبوك ؟
سلمان : إنه متذمر لأن البرتغاليين أقالوه وعينوا بدلاً عنه أبا جابر .
الشيخ أحمد : لعل الله يغفر له .. قل لي أني أسامحه .
سلمان : قل لي يا خالي إلى أين أنت مسافر ؟
يسُمع صوت جلبة خفيفة .. يتنبه الجميع لها .. يتلفت كلٌ من حسين وسلمان يمنة ويسرة .. بينما يبقى الشيخ أحمد على حياد
سلمان : ( لحسين ) أسمعت ؟!
حسين : نعم .
سلمان : ما الذي يمكنه أن يكون ؟
حسين : ربما قطة مرت .
سلمان : ( يقف ) سأستطلع الأمر .
حسين : ( يقف ) سآخذ الجهة الأخرى .
يخرجان .. ويبقى الشيخ أحمد وحيداً .. يمسك مصحفاً ويبدأ بالتلاوة
الشيخ أحمد : ( بصوت عذب ) بسم الله الرحمن الرحيم .. والعصر .. إن الإنسان لفي خسر .. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ..
تقطع رصاصة صوت الشيخ فجأة وتخترق صدره .. تتبعها أخرى .. يسقط الشيخ أحمد على الكتب التي تتناثر في الأرض .. يسقط المصحف من يده ..
الشيخ أحمد : ( يمسك مكان الدم الذي يفور متألماً .. وبصوت متقطع ) .. فعلوها .. ما أنا سوى واحد .. سيأتـونكم كالمد .. ينزع كل ظالم من تراب هذه الأرض .. آه .. ( يرفع يده التي تقطر بالدم إلى السماء ) .. آتٍ إليك يا أم زينب .. آتٍ إليكم أيها الأصدقاء .. ( يتقطع صوته أكثر ) أشهد ألا إله إلا الله .. وأشهــد أن محمداً رسول الله ..
تسقط يد الشيخ أحمد .. ويرحل شاخصاً ببصره .. بعد لحظات يدخل سلمان وحسين من جهتين مختلفتين ..
سلمان : ( لحسين ) ألم يكن صوت بارود ؟
حسين : مرتين دوى الصوت .. (يلتفت إلى الشيخ ) شيخ أحمد .. ( ينقض على جسد الشيخ أحمد مرعوباً ) أبي .. أبي ..
سلمان : ( بعد أن تبع حسين إلى جسد الشيخ .. يمسك به ويصرخ ) خالي .. خالي .. ( يضع يده على الجرح الذي يقطر دماً ) تكلم يا خالي ..
حسين : ( يبكي بمرارة .. ويهز جسد الشيخ ) أبي .. كلمني .. أنا حسين .. ( يهز الجسد .. ولا حراك ) قتلوه .. قتلوا الشيخ أحمد يا سلمان .. ( يصرخ عالياً ) قتلوا الشيخ أحمد يا سلمان .
سلمان : ( بهستيريا ) إنه حلم .. حلم .. خالي لم يمت .. لن يموت حتى يرى حفيده .. لن يموت حتى يرى المدينة طاهرةً من المحتلين .. ( يصرخ بصوتٍ عالٍ ) لا ..
تبدأ قناديل المدينة تضاء ..
حسين : ( ببكاء مر ) قتلوه ليقتلوا الأمل فينا .. قتلوه ليقتلوا الأمل يا أهل الخليج ..
تتراءى من البعيد زينب تركض جهة الحدث .. تقترب أكثر .. يلمحها سلمان .. يقف معترضاً إياها ..
سلمان : ما الذي جاء بك في هذه الساعة من الليل ؟
زينب : ( مرعوبة ) أفقت من النوم على حلمٍ مخيف .. ضاق صدري .. أريد أن أرى والدي ..
سلمان دون حراك والدموع تنهمر من عينيه
زينب : ( مذهولة ) لمَ بكاؤك يا سلمان ؟ .. ( تصرخ فيه ) أين أبي ؟
يفسح سلمان لها الطريق .. تتجه ناحية والدها فتراه مدمياً
زينب : ( في ذهول ) أهذا أبي ؟
حسين : ( يجهش بالبكاء وهو يحتضن جسد الشيخ ) هو .. هو الشيخ أحمد ..
زينب : ( تسقط على جسده تتأمله ) سلمان ! .. أهذا الشيخ أحمد ؟
سلمان : ( ببكاءٍ مفجع ) هو يا زينب .. هو ..
زينب : ( تصرخ بأعلى صوتها ) لا …
يتكرر النداء .. إظلام المشهد .. بعد لحظات تنار بقعة ضوء على نعش محمول وسط موسيقى جنائزية .. يتقدم الجنازة محمد تقي ، وغريب محتضناً قنديله .. زينب، أم سلمان ، سلمان ، حسين ، الشيخ نصار ، العجوز ، التاجر أبو حسين ، رجل8 .. يشيعون الشيخ أحمد يمرون به على الجمهور .. يشارك بعض الجمهور في الجنازة .. وهم يرددون ” البقاء والدوام لله ” .
إظلام
خاتمة الفصول
محمد تقي وحيداً على خشبة المسرح
محمد تقي : غائر جرح هذى الأرض ..موجعة روحها ..عاد أحمد للرحم الذي لقنته صلاة البقاء ..عاد أحمد مفترشاً زهرة العمر ..ودماً من بقايا التلاوات يا أحمد ..كنا على وعد ..كان الرمل على وعد ..وكان الخليج على وعد ..
يدخل أهل المدينة واحداً واحداً ..وهم يرددون ..(( كنا على وعد )) ..يحتشدون على خشبة المسرح ..يدخل سلمان وهو يردد ذات الكلمة ..تتبعه والدته , الشيخ نصار , حسين ..ثم زينب
زينب : كنا على وعد
الجميع : ( بصوت واحد ) كنا على وعد
إظلام ويرى في الخلف مشاهد لثورات في مدن الخليج ضد البرتغاليين إذ يقتحمون حصونهم
صوت محمد تقي : في ليلة من ليالي عام 1522م انفجرت ثورة الأهالي ..حيث شارك الخليجيون جميعاً فيها في ذات الليلة ضد البرتغاليين ليكتبوا فصلاً جديداً في تاريخ الخليج ..ويعلنوا أن للخليج رجالا ..
إظلام
جميييييييييل سلمت أناملك وروحك المشعة بالحرية👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻🍃🍃🍃🍃🍃🌷🌷🌷🌷