على عتبة الانتظارات

الشخصيات:

الحارس1: ثلاثيني بسيط

الحارس2: ثلاثيني، طموح ويميل إلى الحدة.

الشابة: عشرينية، جميلة، وتشع حيوية.

السيدة: ستينية ريفية، ويبدو عليها بساطة الشكل والطيبة.

الممثل1: عشريني.

الممثل2: عشريني وفيه ميل للحدة.
الكاتب المسرحي: ثلاثيني.

الحكواتي: ستيني.

الضابط: أربعيني.

المشهد الأول

في مكان ما، غير محدد، وفي زمن غير محدد أيضاً. بوابة حدودية حديدية ضخمة تفصل مدينتين، عندها يقف حارسان على أهبة الاستعداد، بملابسهما العسكرية ووقفتهما الثابتة الواثقة. المكان هادئ سوى صوت مؤثر لعقارب الساعة، الدقائق تمر. الحارسان يمشيان مشية عسكرية، يتقاطعان ويأخذ كل منهما مكان الآخر. ينظر الحارس1 لساعة يده، فجأة يتحرك، ويمشي مشية عسكرية.. ويقترب من الحارس2 الذي يراقب الحارس1 بنظراته. يقترب الحارس1 أكثر.

الحارس2:     ما بك؟.

الحارس1:     (يهمس) الساعة اقتربت من التاسعة والنصف، ولم يأت بعد.

الحارس2:     (دون أن يتحرك) أعرف ذلك. لننتظر، لا نستطيع فعل أي شيء دون حضوره (بحزم) خذ مكانك يا حارس.

الحارس2:     (يستعد عسكرياً) حاضر سيدي.

يبتعد عنه بنفس المشية العسكرية ويقف مكانه. يبدو القلق أيضاً على الحارس2 الذي يسترق النظر بسرعة لساعة يده. الحارس1 هو الآخر يبدي قلقاً وهو يتلفت يميناً ويساراً ويكسر استعداده العسكري.

الحارس1:     سيأتون وهو لم يأت بعد. كيف سنتصرف؟.

الحارس2:     ننتظر، وينتظرون معنا. لا تقلق.

الحارس1:     إنها المرة الأولى التي يتأخر فيها. ليس من عادته.  المفترض أن يأتي في السابعة كعادته اليومية منذ سنوات طويلة.

الحارس2:     للغائبين أعذارهم، ربما منعه أمر ما من المجيء.

الحارس1:     وماذا سنفعل؟.

الحارس2:     لن نفعل شيئاً. سيأتي، سيأتي. المهم أن نكون في وضع الاستعداد حين يأتي.. ويأتون. (بصوت عسكري) استعد.

يقف الحارس1 وقفته العسكرية. لحراسة البوابة. يمر الوقت، صمت. لا صوت، يبدو أن صبر الحارس1 قد نفذ، يرفع يده لينظر للساعة، ينتبه له الحارس2 

الحارس2:     (بحزم) مكانك يا حارس.

يستعد الحارس1، يسمع صوت حافلة من الخارج. مكابح الحافلة، يسمع صوت أشخاص ينزلون منها، ويقتربون من المكان، والقلق بادٍ على الحارس1. 

الحارس1:     (وهو على نفس وقفته) جاءوا، قلت لك سيأتون وهو لم يأتِ بعد.

الحارس2:     ينتظرون، وننتظر نحن أيضاً. خفف من قلقك هذا الذي لا داع منه. ثم لا بد أن تطع أوامري. أنا أعلى منك رتبة. أنسيت؟. أنا قلت لك لا تقلق. إذاً لا تقلق.

الحارس1:     ولكن الأوامر نتلقاها أنا وأنت منه.

الحارس2:     ولكنه لم يأتِ. وأنا بعده في الرتبة، إذا أنا من يأمر.

الحارس1:     سننتظره إذا (بقلق) نعم. سيأتي أكيد لن يترك البوابة.

يبدو التذمر على الحارس2، تدخل لحظتها سيدة كبيرة في العمر وفي يدها كيس وتجر حقيبة، وبجانبها شابة على ظهرها حقيبة ظهر. بينهما حديث، الشابة تساعد السيدة على المشي، تقتربان من وسط المسرح. تقفان، تنظران جهة البوابة.

الشابة:         (وهي تنظر لساعتها) لم يفتحوها بعد. بقي خمس دقائق.

السيدة:         ننتظر. لا بأس. ربما وصلت الحافلة مبكراً.

الشابة:         ربما. هل أنت متعبة؟. أبحث لك عن مكان تجلسين فيه لترتاحي؟.

السيدة:         لا، استطيع الانتظار وقوفاً لخمس دقائق، إبني ينتظرني خلف البوابة، وسأركب معه في سيارته.

الشابة:         (مبتسمة) ستمر الخمس دقائق سريعاً.

السيدة:         وقد تكون الدقائق بطيئة جداً حين يلازمها الشوق لمن تحبين.

الشابة:         سترينه، ستفرحين به. وأنا أيضاً أنتظر من أحب بكل لهفة. هو ينتظرني خلف هذه البوابة، لنبدأ حياة جديدة.

السيدة:         (ترفع الأكياس التي بيدها) صنعت له الحلوى التي يحبها، منذ سنوات طويلة لم يذقها. فرقتنا الحاجة والمسافات البعيدة. هو كشباب المدينة الذين غادروها بحثاً عن لقمة عيش أو حضن آمن، غادروا ومنعتهم البوابة من العودة.

الشابة:         لماذا لا يعود إليك؟، هم يفتحون البوابة كل يوم. يمكنه أن يزورك على الأقل. لماذا تتكفلين أنت بزيارته؟. المسافة بعيدة إلى هنا، المحطات عديدة ومتفرقة، تنتقلين من حافلة إلى أخرى حتى تصلين إلى هنا.

السيدة:         الشوق يا ابنتي هو ما يدفعني، يجعل المسافات الطويلة مجرد خطوة. كأني لم أخطُ سوى خطوة واحدة إلى هنا. الشوق ينسيني المحطات وعدد الحافلات، بل ينسيني التعب.

الشابة:         ولماذا لا يزورك هو؟.

السيدة:         زهد في العودة، لا يشعر أن لعودته جدوى؟.

الشابة:         وأنت، أليس وجودك هنا جدوى لعودته؟، غريب أمره. حضنك سيكون أأمن ملجأ له، ولو جال كل العالم.

السيدة:         (تتنهد) ما بيدي حيلة، لا يريد العودة للمدينة، يقول أنه سيشعر بالغربة هنا، لا شيء يربطه بهه المدينة، لم يعد يراها وطناً له (تستدرك) لا بأس، يكفيني أني سأراه. حتى لو في المدينة الأخرى. يبدو أنه يشعر بالأمان هناك، وهذا اكثر ما يحتاجه المرء. الأمان.

الشابة تنظر للساعة. وتمسك يد السيدة.

الشابة:         هيا، لقد حان وقت فتح البوابة.

تمشيان باتجاه البوابة. تنتظران.

الشابة:         (باستغراب وهي تنظر لساعتها، ثم للحارس1) لماذا لم تُفتح البوابة؟. لقد حان موعد فتحها. الساعة الآن التاسعة والنصف تماماً.

الحارس1:     لا نستطيع فتحها الآن.

الحارس2:     لم يأت بعد.

السيدة:         ومن هو الذي لم يأت بعد؟. افتحا البوابة لنعبر.

الحارس2:     لا نستطيع. لا نملك أمراً بفتحها.

الشابة:         ومن أين يأتي الأمر؟. ليست المرة الأولى التي نسافر فيها للمدينة الأخرى. ولم يحصل أن تأخر فتح البوابة.

يسمع صوت سيارة تتوقف بالخارج، يبتسم الحارس1

الحارس1:     لقد وصل، سيأمرنا بفتحها. لا تقلقا.

تنظر السيدة والشابة باتجاه صوت السيارة، ويقف الحارس1 والحارس2 في وضع الاستعداد العسكري. لحظات ويدخل ثلاثة أشخاص شباب، ممثلان في فرقة مسرحية ومعهما كاتب مسرحي.

الكاتب:         تحركا بسرعة، لقد وصلنا. لا بد أن البوابة قد فتحت.

يقتربون من البوابة ويفاجؤون أنها لم تفتح.

الممثل1:       لم تفتح بعد.

الممثل2:       (وهو ينظر لساعته) لقد تجاوزت التاسعة والنصف.

الكاتب:         لننتظر إذاً، هناك من ينتظر.

الشابة تنظر للممثلين بفرح، تقترب منهم. 

الشابة:         أنتما ممثلا المسرح، أعرفكما. لقد حضرت لكما كل مسرحياتكما.
الممثل1:       (بفرح) نعم، نحن هم. أخيراً وجدنا من يعرفنا في هذه المدينة.

الشابة:         الجميع يعرفكما ويعرف فرقتكما، أقصد ليس الجميع… لكن أنتما مبدعان. أحب مسرحياتكما.

الكاتب:         أشكركِ جداً. لقد صنعتِ يومنا، كنا نحتاج بعض الفرح ووجدناه هنا. يبدو أنك مهتمة بالمسرح. وإلا من يحضر عروضاً مسرحية هذه الأيام. الجميع انشغل عن المسرح. أنا الكاتب المسرحي، أنا من أكتب مسرحياتهم.

الشابة:         أهلاُ بك. أنا متابعة لكل الفنون، أحضر المعارض التشكيلية والأمسيات، والمسرحيات. ولكن للأسف لا أتقن أياً منها.

الممثل2:       لذلك تعرفيننا، فالجمهور غادر كراسي مسرحياتنا. أصبحت الكراسي فارغة. وما عاد المسرح فناً للناس، بل فن للنخبة.

السيدة:         (للشابة) من هؤلاء؟.

الشابة:         إنهما ممثلان.

السيدة:         (وهي تتفرس في وجهيهما) لم أرهما أبداً في التلفزيون.

الكاتب:         إنهما ممثلا مسرح. فقط مسرح، ولا يمثلان في التلفزيون يا سيدتي.

السيدة:         ما أعرفه أن الممثل هو من يظهر على التلفزيون.

الممثل1:       (متذمراً) لأنكم لم تعتادوا على حضور المسرحيات (متحمساً) التلفزيون أخذكم من الفن الحقيقي. من الأداء و لحظات الدهشة التي يقدمها ممثل المسرح على الخشبة.

السيدة:         (باستغراب) والله أنا لا أفهم ما تقول يا بني. أنا امرأة عجوز، لا تعرف من المسرحيات إلا التي يعرضونها على التلفزيون، تسلينا وتضحكنا.

الممثل2:       (بعصبية) أكيد، فهم لا يعرضون لكم إلا المسرحيات التافهة.

الشابة:         (تبتسم) يا عزيزي، الخالة لا علاقة لها بكل هذا. ليست هي السبب فيما تشعرون به من غياب الجمهور عن مسرحياتكم. هي لا تعرف عن عروضكم المسرحية، وإن عرفت فهي لن تحضرها بالتأكيد.

الكاتب:         ولماذا لا تحضرها، ما الذي يمنعها من حضور مسرحياتنا؟.

الشابة:         يا استاذي العزيز، أنت كاتب مسرحي، وأكيد أنك واعٍ. ما تقدمونه من عروض ليس لكل الناس. امرأة في هذا العمر كيف تفهم ما تقدمونه من مسرح؟. أنتم تقدمون مسرحياتكم للنخبة، صاحبك قالها.

الكاتب:         (بعصبية) للنخبة؟، إنها حجة لكي تهجروا المسرح. نحن نرفع من ذائقة الناس بما نقدمه من عروض مسرحية مدهشة.

الشابة:         (تبتسم بنوع من الخجل) لكنكم تقدمون ما لا يفهم. مع أني أقرأ الكتب، وأدعي أني أفهم، إلا أني كثيراً ما أخرج من مسرحياتكم دون أن أفهم. اعذرني، لكن هذا رأي من يحضر مسرحياتكم. يمكنكم أن تسألوهم.

الممثل2:       (بعصبية) لأن ذائقتكم هابطة.

السيدة:         خفف من عصبيتك يا بني. مع أني لا أفهم ما يدور هنا من كلام. لأن لا علاقة لي به. لكن تعلّم، إن تحاورت مع أحد، حاوره بهدوء دون عصبية. يبدو عليك أنك شاب وفاهم.

الممثل2 يبدو محرجاً.. ينظر لساعته

الممثل2:       (متهرباً) ومتى سيفتحون البوابة؟، نريد أن نعبر.

الحارس2:     لم يأت بعد. هو من يعطينا الأمر بفتحها.

الشابة:         ومن يكون هذا الذي لم يأت؟. كل ما سألناكما قلتما لم يأت. من هذا الذي بسببه نحن نقف تحت الشمس بانتظار حضرته؟.

الحارس1:     ضابط البوابة. عادة ما يأت باكراً، ويكون موجوداً في السابعة. هو من يأمرنا بفتح البوابة عن التاسعة والنصف.

الكاتب:         وإن لم يأت؟.

الحارس2:     لن نفتحها.

الممثل2:       (بحدة) وهل سننتظر حضرته حتى يأتي؟.

الحارس2:     نعم. ثم تحدث باحترام عن السيد الضابط.

الممثل1:       اتصلوا به. يعطيكم الأمر بالهاتف، تصرفا.

الحارس1:     لست من يعلمنا ما نفعل. الأوامر أن نفتح البوابة حين يأتي السيد الضابط. وحده من يأمرنا بفتحها.

السيدة:         (مستسلمة) لا بأس. سننتظره، الغائب عذره معه.

الحارس1:     بالعادة لا يتأخر، هو ضابط البوابة منذ أكثر من عشر سنوات. ولم يتأخر أبداً. تأخره غريب جداً (للحارس2) هل نتصل بالقيادة ونخبرهم بالأمر؟.

الحارس2:     لا، لسنا مخولين للاتصال، تعرف أنه منعنا أن ندخل مكتبه مهما حدث. سننتظره. ربما في التأخير خير.

السيدة:         حسناً (للشابة) سأجلس على الأرض، فقد تعبت رجلاي من الوقوف. ويمكنك إكمال حديث المسرح والنخبة والتمثيل الذي لم افهمه.

الشابة:         (وهي تساعدها على الجلوس على الأرض) هههه، لا داعي لذلك. الحديث معك أجمل. عن ابنك وعن الحلوى التي يحبها.

السيدة:         الله يحفظك. والله قلبي ارتاح لك، لماذا لم تتزوجي أنت شابة وجميلة، وألف من يتمناك؟.

الشابة:         (تتنهد) لأن قلبي حائر يا خالة. بين من أحب، واختاره قلبي حين طرق بابه. وبين من يجب أن أتزوجه بحكم العادة.

السيدة:         اختاري طريق قلبك.

الشابة:         وهذا ما فعلته. ليت أمي مثلك. هي لا تؤمن بباب القلب. ما يهمها فقط ما يفترض بي أن أفعله. أن أتزوج من اختارته هي لي منذ كنا صغاراً.

السيدة:         ولمَ تختار لك هي؟. أنت من ستتزوج وليس هي. لم أفكر يوماً أني سأختار لولدي زوجة ولا طريقاً يسلكه. منذ طفولته علمته أن يختار بنفسه. دراسته، ملابسه، لون غرفته حين دهناها له. حتى منفاه لم أختره له. ولم أعترض يوماً على أي قرار له.

الشابة:         أكيد صنعت منه رجلاً قوياً. يملك قراره. لكننا لا نملك قراراتنا. لا بد أن تتدخل الأم والأب وحتى الأخوة في قراراتنا. لا تدرسي هذا التخصص، لا تعملي في هذا المكان، لا تحبي هذا الشخص. لا تلبسي هذه الملابس، حتى الطعام يختارونه لنا. نحن لسنا مخيرين.

السيدة:         دافعي عن خياراتك. لا تكوني أبداً مجرد تابع. ينفذ ما يؤمر دون أي تفكير. كوني أنت، ولا تكوني ظل أحد. حتى زوجك حينما تتزوجين، لا تجعلي من نفسك ظله.

الكاتب:         (للممثلين) هذه السيدة تقول حكماً، لا بد أن أكتبها حتى لا تضيع في النسيان. ربما احتجتها حواراً في مسرحية قادمة. سأدون ما تقوله.

الممثل1:       لا بد من ذلك، أمامنا مستقبل أفضل خلف هذه البوابة. سنبحث عن ذواتنا هناك، عن مسرح مختلف وجمهور مختلف.

الممثل2:       (متذمراً) البوابة التي لم تفتح، لقد تأخر الضابط. علينا العبور إلى المدينة الأخرى. هل سنظل هكذا ننتظره طويلاً؟.

الكاتب:         لنصبر قليلاً. المسرح يعلمنا الصبر يا صديقي.

الممثل2:       ويعملنا أيضاً ألا نقف مكتوفي الأيدي، إنهم يتصرفون معنا بلا احترام. لماذا نتحمل نحن تأخر ضابطهما؟.

الكاتب:         وهل تريدنا أن نفتح البوابة عنوة؟.

الممثل2:       يتصرفان، يتصلان بقيادتهما، أو يتصلان بالضابط. لمَ يجب علينا الانتظار؟.

الكاتب:         لأنهما لا يملكان أمراً بفتح البوابة. وليسا مخولين للاتصال بالقيادة. أنا أتفهم الأمر. فتفهمه أنت.

الممثل2:       أنا يضيق صدري من هذا الانتظار. لا احتمل ذلك.

الكاتب:         أنت ممثل مسرحي، على الخشبة تتعلم الصبر والمرونة للتعامل مع الظروف .ألم يعلمك المسرح ذلك؟.

الممثل2:       (يتنهد متذمراً) لا تنظّر علي أرجوك. المسرح لم يعلمنا كل هذا. أنت شخص صبور منذ صغرك ولا علاقة للمسرح بذلك. لا أحب أن أكون مثالياً وأتوهم ما ليس حقيقياً.

الكاتب:         هذا رأيك. لكني فعلاً تعلمت كل هذا من المسرح. هو من ربى شخصيتي.

الممثل2:       هذا أنت، تكرر كلاماً مثالياً لا علاقة له بالواقع. لنترك حديث المسرح جانباً. أنا سئمت الانتظار هنا. لا بد أن نعبر البوابة.

تبدو الحيرة على الحارسين

الحارس1:     (للحارس2) لقد تأخر كثيراً، وسيبدأ الآخرون بالتوافد لعبور البوابة. لا يجوز أن نترك الناس تحت الشمس، ونقيدهم بالانتظار.

الحارس2:     ما الذي نستطيع فعله؟. نحن المقيدون بأمره العسكري، لا بد أن نطيعه. إذا أردت فتحها، يمكنك ذلك. وعليك تحمل التبعات.

الحارس1:     (بارتباك) أنا؟.. لا. لا أحب السجن.

الحارس2:     وربما يخفضون رتبتك التي حصلت عليها بعناء.

الحارس1:     سأذهب إلى المكتب للاتصال بالقيادة لأخبرهم بالأمر.

الحارس2:     وهذا مخالف أيضاً، أنت تدري أنك تعرض نفسك للعقاب إن اتصلت. ربما يأتي ويكتشف أنك دخلت مكتبه الذي منعنا من دخوله لسنوات طويلة.

الحارس1:     والحل؟. إنه أمر طارئ.

الحارس2:     لا بد أن ننتظر مثلهم. عليهم أن يتحملوا الانتظار.

يسمع صوت طرق على البوابة، ينتبهون للطرق المتكرر. يقترب من الجميع من البوابة جهة الطرق الذي يزداد.

الحارس1:     لقد فتحوا البوابة من الجهة الأخرى بالتأكيد. أكيد أنهم العابرون.

الحارس2:     وما الذي نفعله؟. لا نستطيع فتح البوابة حتى يعبروا.

يفتح الحارس1 كوة صغيرة في البوابة، يطل منها، يسمع صوت من الجهة الأخرى

الصوت:        لقد تأخر فتح البوابة، الناس هنا ينتظرون ليعبروا.

الشابة:         (بصوت عال حتى يصل صوتها للطرف الآخر) نحن أيضاً ننتظر فتح                         البوابة، لكنهم تأخروا علينا.

الصوت:        ولمَ التأخير؟

الحارس2:     إنه الضابط، لم يأت بعد ليأمرنا بفتحها. وأنت تعرف الأوامر.

الصوت:        أعرفها. وهل سيتأخر كثيراً؟، الناس هنا ضجروا الانتظار.

الحارس1:     لا ندري، ننتظر قدومه.

الصوت:        اتصلوا به. لا يمكن أن يترك الناس في انتظارهم دون أن يعلمكم سبب تأخره. لا بد من أحد آخر يأمر بفتح البوابة.

الحارس2:     حسناً، سنعالج الأمر. لتصبروا قليلاً.

صوت سيارة من الخارج. ينتبهون جميعاً بما فيهم الحارسان. 

الحارس1:     هو، أكيد هو.

تقف السيدة بمساعدة الشابة.

السيدة:         الحمد لله، لقد قلت لكم. اصبروا تنالوا.

الشابة:         (وهي تنظر لخارج المسرح) السيارة مدنية. هل يستخدم الضباط سيارات مدنية؟.

الحارس2:     (محبطاً) ليس هو.

يدخل الحكواتي وهو رجل كبير في السن، عليه علامات تعب العمر. يقترب منهم، وفي يده حقيبة. ينظر إليهم، وهم يراقبونه. يقترب من الحارسين.

الحكواتي:      مرحبا يا سادة يا كرام (مستغرباً وهو ينظر للبوابة) ألم تفتح البوابة بعد؟. قال لي سائق الأجرة أنها بوابة العبور إلى المدينة الأخرى.

الحارس2:     هي ذاتها، لكنها لم تفتح بعد.

الحارس1:     ضابط البوابة لم يأت. ظنناك هو.

الحكواتي:      (يضحك) أنا ضابط؟، ليتني كنت ضابطاً ولم أكن حكواتياً.

الحارس1:     حكواتي، أهلاً بك أيها الحكواتي.. يمكنك الانتظار معهم (يشير للبقية، ثم للحارس2) كملت.

الحكواتي:      ولماذا الانتظار؟. قيل لي أن البوابة تفتح في التاسعة والنصف.

الشابة:         لم تفتح بعد. انتظر معنا، نحن منتظرون.

الحكواتي:      ولماذا لم تفتح بعد؟.

السيدة:         (بسخرية) لأنه لم يأت.

الكاتب:         وإذا لم يأت، فإن البوابة لن تفتح.

الممثل1:       هما (يشير للحارسين) لا يملكان الحق بفتحها إلا بأمره

الممثل2:       (بحدة) ونحن، سئمنا الانتظار. ما لنا وضابطهم الذي لم يأت.

الحكواتي:      أها فهمت، ومتى يأتي الضابط ليفتحا البوابة؟.

الشابة:         لا ندري. لقد تأخر كثيراً.

الحكواتي:      (للحارسين) هل سننتظر طويلاً؟.

الحارس2:     لا ندري، نحن مثلك، ومثلهم لا نعرف متى يأتي. ننتظره كما تنتظرونه.

الحارس1:     سيأتي، هو صحيح تأخر. لكنه سيأتي. فتح البوابة معلق بكلمته (يقلد الضابط) افتحوا البوابة، فنفتحها.. ببساطة. الأمر بسيط ككل الأشياء البسيطة في هذه الحياة. كإغماضة غافٍ عاجله النوم.

الحارس2:     (ينظر للحارس1 شزراً) ليس من شأننا تبرير تأخره. مهمتنا فقط حراسة البوابة وفتحها، إن جاءنا الأمر.

الممثل2:       لكننا انتظرنا كثيراً، المسافة بعيدة عن المدينة، طريق طويل قطعناه بالحافلة لنصل إلى هنا. إلى هذا المكان النائي، حتى أنه لا مكان صالح للإنتظار هنا.

الحارس2:     هو مجرد مكان للعبور، وليس للإقامة أو الراحة.

الممثل2:       هذا لو فتحت البوابة في موعدها. لكننا مضطرون للإنتظار.

الحارس2:     لا شيء يبقى على حاله. تتغير وتتبدل الأشياء. ربما بدل الضابط موعد فتح البوابة، ربما في العاشرة أو الحادية عشرة. ربما بدل رأيه اليوم ولن يفتحها.

السيدة:         (بصدمة) ماذا؟، وما الذي سنفعله نحن؟.

الحارس2:     انتظروا، أو ابحثوا عن حافلات تقلكم إلى طريق العودة.

الشابة:         أنا لا استطيع العودة، قرار العبور إلى المدينة الأخرى لا رجعة فيه. إن عدت سأضطر للخضوع لقرار أمي. وسأفقد رفيق أحلامي الذي ينتظرني هناك.

السيدة:         وأنا ايضاً لا أستطيع، ابني ينتظرني. والطعام الذي أعددته له سيفسد.

الكاتب:         نحن أيضاً لا نستطيع العودة، لا بد أن نعبر إلى المدينة الأخرى، نحن نبحث عن فرصة أخرى في مكان آخر، بعد ان شحت الفرص، وضاقت بنا المدينة.

الممثل2:       نخدع أنفسنا، نظن أننا بعبورنا إلى المدينة الأخرى سنجد الفرص وافرة، وخشبات المسرح تنتظرنا تفتح ذراعيها لنا. إذا استمرت مسرحياتنا ذاتها لن نجد فرصة. لأن الجمهور لا يفهم ما نقدم، أنا نفسي ممثل في هذه المسرحيات ولا أفهم مغزاها.

الممثل1:       المهم أن تقدم أداءً مدهشاً. سيأتي اليوم الذي يعرفنا كل الناس، ونقدم عروضنا في المهرجانات.

الممثل2:       ولمن نقدمه الآن؟. الجمهور لا يستهويه ما نقدمه. يدخل إلى المسرح على مضض، وقبل منتصف المسرحية ينسحبون، لأنهم لا يفهمون ماذا تقول مسرحيتنا.

الكاتب:         الخطأ ليس خطأنا، بل خطأهم. جمهور لا يعي، لا يفهم. بلا ذائقة.

الممثل2:       بل خطأنا، لأننا ابتعدنا عن هموم الجمهور، صرنا نبحث عن نصوص غريبة، غامضة، بلا معنى. هو نفسه (يشير للكاتب) لا يفهم النصوص التي يكتبها. نصوص بلا معنى، مجرد كلام منمق مصفوف ومزخرف، لكن لا يعني للجمهور أي شيء.

الكاتب:         أنت محترف نكد. طوال مشوار الطريق إلى هنا، وأنت تكرر ذات الاسطوانة. سننجح، هناك ستكون الفرص وافرة.

الممثل2:       نكون ناجحين إذا عرضنا على الجمهور وحصلنا على المال الوفير، كما تفعل غيرنا من الفرق المسرحية.

الحكواتي:      الناس ما عادوا كما كانوا، انشغلوا عن كل شيء. لم يعد يمتعهم لا فن ولا حكايات. منذ سنوات، وهم يفضلون مشاهدة التلفزيون ومباريات كرة القدم على حكاياتي.

السيدة:         ومن يسمع الحكايات اﻵن؟. زمننا ليس كالزمن الماضي أيها الحكواتي.

الشابة:         صارت الحكايات في الكتب، وفي أحسن الأحوال نشاهدها على التلفزيون. حتى الأطفال هجروا الحكايات.

الحكواتي:      كنت أعيش بالحكايات، مصدر رزقي ورزق اولادي. لم أتعلم حرفة غير الحكي. كنت اجوب المقاهي لأحكي للناس الحكايات، يعيشونها، يألفون شخوصها، يصادقونهم. كانوا يغدقون علي من العطايا ما تكفيني. لكن اﻵن، ليس ثمة مكان للحكايات.

السيدة:         لن تعيش زمنك وزمن غيرك. لكل زمن ظروفه. هل تهاجر للمدينة اﻷخرى بحثاً عن ناس يسمعون حكاياتك؟

الحكواتي:      وهل تختلف مدينتنا وأهلها عن أهل المدينة اﻷخرى؟. لا آذان للحكايات.

الشابة:         إذا تأخر الضابط، يمكننا أن نسمع حكاياتك. أقلها نعالج الانتظار بالحكايات.

الحكواتي:      (بأسى) الحكايات هربت من رأسي. لم تعد ذاكرتي قادرة على استحضار الحكايات وشخوصها، منذ غادرت مقاعد المقاهي.

الشابة:         سنساعدك على استحضار الحكايات. لكل منا حكايته، لا تختلف عن حكايات أهل زمان. أنا لي حكاية، والخالة لها حكاية، حتى الفرقة المسرحية.. لهم حكاياتهم. والحارسان لهما حكايات. والضابط المنتظر، له حكاية بالتأكيد. وخلف هذه البوابة تطوف الحكايات.

الحكواتي:      ولكن ثمة حكايات لا تحكى، قد لا تستحق.

الكاتب:         بل كل الحكايات تستحق أن تحكى. في المسرح، نقدم الحكايات، حتى تلك البسيطة.

يقترب الحارس1 من الحارس2 ويهمس له.

الحارس1:     أتمنى أن يطيل الضابط غيابه.

الحارس2:     (باستغراب) ولماذا؟. الناس ينتظرون العبور.

الحارس1:     لأني مستمتع بما يدور هنا. ساعات طويلة نظل نحرس المكان دون مرور أحد. دون أن نسمع حكاية، دون رفقة. كيف تكون نكهة الأمكنة بلا ناس، لا طعم ولا لون.

الحارس2:     صدقت، أنا مستمتع بما يدور هنا أيضاُ. وأتمنى أن لا يأتي الضابط قريباً.

الحارس1:     سئمنا البقاء طويلاً حراساً لهذه البوابة. نفتحها كل يوم لساعة واحدة، يعبر منها العابرون. إنها المرة اﻷولى التي يطول فيها الإنتظار، ونسمع الحكايات ونتمعن في الوجوه.. لدرجة أني ألفتها (يصمت قليلاً ثم يستدرك متسائلاً) أتظن أنه لن يأتي؟.

الحارس2:     لست مطمئناً لتأخره. ربما حدث له مكروه.

الحارس1:     الأمر يبدو طارئاً، لنتصل بالقيادة.

الحارس2:     ذكّرتك مرات عدة، أننا لسنا مخولين. أنا أخاف من العقاب. ولا أتحمل تبعات هذا الأمر.

في البعيد يبدو أن جدلاً ونقاشاً حاداً بين الممثلين

الحارس1:     وأنا كذلك..

الحارس2:     إذاً لننتظره. ونستمتع بحكايات الناس هنا.

الممثل2 غاضباً يقترب من الحارسين، بينما يحاول الكاتب أن يمسكه ليمنعه عنهما.

الممثل2:       (غاضباً) هيه أنتما. افتحا لنا هذه البوابة، لم يعد الأمر محتملاً.

الكاتب:         خفف من غضبك. لا يصح أن تكلمهما بهذه اللهجة.

الممثل2:       ولماذا؟، انهما مجرد حارسي بوابة. ومهمتهما أن يفتحاها للناس.

الممثل1:       المهمة موكولة لأمر الضابط. كيف تريدهما أن يفتحا الباب دون أمر؟.

الممثل2:       لا شأن لي، فأنا لا أتحمل كل هذا الإنتظار.

الحارس2:     (غاضباً يقترب من الممثل2) ولماذا لا تنتظر كما ينتظر غيرك؟.

الممثل2:       لأنني لست مثل غيري، أنا ممثل، وممثل معروف. ولا يجب أن أعامل أنا وزملائي بهذه الطريقة المذلة كالآخرين.

الحارس1:     ممثل مشهور؟. أنا لم أشاهدك يوماً في التلفزيون. فعن أي شهرة تتحدث؟. ثم أنكم هنا سواسية لا فرق بينك وبين الخالة ولا الصبية ولا الحكواتي، ولا أي عابر آخر. وكلكم مثل المنتظرين خلف البوابة الذين سئموا مثلك من الانتظار.

الممثل2:       لكنني ممثل، فمن يكونوا هم؟.

الحارس2:     هم عابرون مثلك. نحن لا نعرفكم إلا كعابرين. لا فرق بينكم.

الممثل1:       لا عليكما منه. هو غاضب بسبب اﻻنتظار. تعرفون، الناس مختلفون في قدراتهم على تحمل الانتظار.

الممثل2:       بل غاضب من تعاملهم معنا كعابرين عاديين، إنهما يقللان من شأننا.

الحارس2:     فعلاً، أنتم مجرد عابرين لا أكثر. كل من يعبر من هذه البوابة كائناً من كان هو عابر. لا نفرق بين عابر وآخر.

الممثل2:       (بغضب) وأنا لن أنتظر كل هذا الوقت ليأمركما سيادة الضابط بفتح البوابة (يصرخ) افتحا الأبواب لنا.

الشابة تحاول التدخل وتهدئته.

الشابة:         نحن لسنا في معركة يا صديقي. إنهما يقومان بعملهما. سيأتي الأمر وتفتح البوابة ونعبر.

السيدة:         أنت تزعجنا بصراخك. وكأنك وحدك من ينتظر فتح البوابة.

الحكواتي:      الجميع ينتظر، وسيأتي غيرنا ليعبروا، وسينتظرون مثلنا. أنت تملاً المكان ضجيجاً وتظن أن ضجيجك مفتاح البوابة.

الكاتب:         سيهدأ، أعدكم بذلك. هو دائماً ما يغضب لأي سبب.

الممثل1:       نعتذر عنه، هو هكذا دائماً.

الممثل2:       (للممثل1) ولماذا تعتذر عني. من طلب منك ذلك؟.

الممثل1:       لا أحد، لكننا نعرف تهورك. رغبتك الدائمة أن تتسلط عليك الأضواء. تريد أن تكون البطل دائماً، على خشبة المسرح، وفي الحياة. تظن أنك وحدك المهم والأفضل.

الممثل2:       لأنني ممثل استثنائي.

الكاتب:         بل ممثل عادي. تبحث عن شهرة من المسرح لا أكثر. ولو كان اﻷمر متاحاً لك خارجه لغادرته.

الممثل2:       لأني من مدح الصحفيون موهبتي، وتنبأوا بشهرتي. أنسيت ذلك.

الممثل1:       نعرف من تقصد، كلهم أصدقاؤك. نعرف كيف تتسلق على الأكتاف لتسرق جهد الآخرين، جهدي وجهد الممثلين والطاقم. جهد المخرج، ليكتب عنك أصدقاؤك في الصحف.

الممثل2:       بل أنا كل شئ، لولاي لما دخل أحد مسرحياتكم التافهة الغامضة، أنا من يجلب لكم الجمهور.

السيدة:         لقد أزعجتنا، من تظن نفسك. لم نسمع بك أبداً، ولا عمري شاهدتك في التلفزيون، أو حتى رأيت صورتك في جريدة. حتى تلك التي ألف بها الطعام.

الشابة:         وأنا أيضاً، لم أسمع به قبلاً، شاهدته في عروض الفرقة. وكان أداؤه عادياً. كأي ممثل آخر، لم يكن في تمثيله ما يلفت.

الحكواتي:      أنا أقرأ الصحف يومياً بحثاً عن حكايات جديدة، ولم ألمح يوماً صورته. ربما مر عابراً دون أن تستوقفني صورته.

الممثل2:       (يبدو أن استفز وخرج عن طوره) كيف تقولون هذا عني؟. من تظنون أنفسكم؟. أنا..

يقاطعه الحارس2 وهو متجه له 

الحارس2:     (بغضب) أووه، لقد أزعجتنا. من تظن نفسك أنت؟. أنت هنا مجرد عابر، تفتح البوابة وتمضي إلى حال سبيلك.

الممثل2:       لكني لست عابراً عادياً (يصرخ على الحارس2) افتحوا البوابة لأعبر.. افتحوها.

يتجه غاضباً ناحية البوابة ويبدأ بالطرق عليها وهو يصرخ

الممثل2:       افتحوا هذه البوابة اللعينة، افتحوها..

يدفعه الحارس2 ويسقطه على اﻷرض، ويشهر في وجهه مسدسه، يبتعد الجميع خوفاً.

الحارس2:     إذا رفعت صوتك على حارس أمن أو تهجمت على البوابة مرة أخرى. سأودعك غرفة التوقيف. وسأطلب منهم أن يودعوك السجن مخفوراً بالقيود.

الممثل2:       (مبهوتاً من ردة الفعل) أنا.. لكن..

الحارس2:     سأتهمك بالتعدي علينا، أنا وزميلي. نحن حارسان نمثل الحكومة. وأنت تتعدى على الحكومة. أفهمت؟.

يهز الممثل2 رأسه إيجاباً وعلى وجهه يبدو الخوف. يراقب الجميع الموقف بقلق بالغ. فجأة يسمع صوت سيارة قادمة، ينتبهون لمصدر الصوت تتوقف السيارة في الخارج، يركض الحارس2 إلى مكانه حارساً للبوابة مع الحارس1، يقف الممثل2 ويعدل من هندامه، يقف الجميع منتظرين القادم وهم يوزعون نظراتهم على الحارسين اللذين يهزان رأسيهما إيجاباً.

-إظلام-

المشهد الثاني

نفس المنظر، الحارسان على البوابة، وبقية الموجودين في انتظار القادم من خارج المسرح، ينتظرون على لهفة منهم. 

الحارس1:     الحمد لله، لقد جاء قبل أن تتهور.

الحارس2:     أنا اتهور؟.

الحارس1:     لقد رفعت مسدسك على مواطن.

الحارس2:     لأنه أساء الأدب واستحق ذلك.

الحارس1:     المهم أن لا يعرف الضابط باﻷمر. حتى لا تواجه مشكلة.

يدخل الضابط وفي يده حقيبة سفر ويرتدي ملابس مدنية. يدخل بينما يراقبه الجميع، يقترب من البوابة.

الضابط:        (باستغراب وهو ينظر لساعة يده) لماذا لم تفتح البوابة بعد؟.

الحكواتي:      ننتظرك يا سيدي. يقولان أنك الضابط.

الضابط:        نعم.

السيدة:         لقد تأخرنا كثيراً ونحن ننتظرك. طعام ولدي سيفسد، ثم أنه ينتظرني في الطرف اﻵخر، منذ سنوات لم أره.

الشابة:         لقد تأخرت كثيراً يا سيدي الضابط. أرهقنا اﻻنتظار. البوابة فتحت من الجانب الآخر. والناس في انتظار أمرك.

الممثل1:       يا سيدي، نحن هنا لنعبر البوابة، نبحث عن حياة مسرحية جديدة. نحن ممثلو فرقة مسرحية.

الضابط:        (باستغراب) ولماذا لم تفتح البوابة؟.

السيدة:         (تشير للحارسين) ينتظران أمرك يا سيدي.

الضابط:        أمري؟. وما شأني أنا.

يبدو اﻻستغراب على وجه الحارسين

الشابة:         ما الذي تقوله؟. هما ينتظران أمرك لفتح البوابة. أنت الضابط المسؤول.

الضابط:        كنت الضابط المسؤول.. ولم أعد كذلك.

الحارس1:     (باستغراب) ماذا؟ سيدي لم أفهم.

الحارس2:     يبدو أن هناك أمراً لا نفهمه يا سيدي.

الضابط:        أنا لم أعد ضابط حراسة هذه البوابة.. ببساطة.

الحارس1:     سيدي، لا بد أنك تمزح.

الضابط:        (بحدة) وهل عهدتني أمزح في أي أمر؟.

الحارس1:     (بارتباك) أعتذر عن ذلك يا سيدي.

الحكواتي:      إذا لم تعد ضابط البوابة، فمن يكون الضابط؟.

الضابط:        لا أدري.

الحارس2:     سيدي، نحن بحاجة لأمرك لفتح البوابة. الناس هنا متجمعون منذ الصباح. ينتظرون أمرك. وسيأتي غيرهم من العابرين.

الضابط:        أنا لا أملك حق آن آمركما بفتحها أو إغلاقها.

الحارس2:     لماذا؟. أنت اﻵمر الناهي هنا.

الضابط:        لم أعد اﻵمر الناهي. أنا مجرد عابر كالعابرين. انتهى عملي بالبوابة. جئت آخذ بعض أغراضي من المكتب، وأسلم البوابة للضابط الجديد وسأسافر للمدينة اﻷخرى.

الحارس2:     (باستغراب) كيف ذلك؟. أفهمنا يا سيدي. فنحن في ورطة هنا.

الضابط:        لقد جاء أمر بإحالتي على التقاعد. جاء الأمر باﻷمس ليلاً. طلبوا مني مغادرة البوابة مباشرة دون تمهل. لم أفهم تسرعهم، فالمفروض أن يرسلوا ضابطاً جديداً قبل ذلك.

الحارس1:     ولكنك ما زلت شاباً يا سيدي.

الضابط:        هو أمر القيادة. ما زال القلب ينبض ولدي القدرة على العمل لسنوات طويلة، كان الأجدر بهم مثلاً أن ينقلوني لبوابة أخرى، لا أن يحيلوني إلى التقاعد (يتنهد) اﻵن، متى ستفتحون البوابة؟.

الحارس2:     متى ما أمرتنا يا سيدي.

الشابة:         (للحارس2) يبدو أنك لم تستوعب الأمر، قال لك هو لا يأمرك. (للضابط) ومن هو اﻵمر الجديد يا سيدي؟. نحن لا علاقة لنا بتقاعدك. كل واحد منا جاء عابراً وله في العبور شأن.

السيدة:         (تقترب من الضابط) طعام ولدي سيفسد، والشوق صار كجمرة تصطلي روحي، جئت باكراً للبوابة بعد محطات ومحطات، أحمل شوق اللقيا في سلة العمر، لأرى ولدي الذي فرقتنا المسافات.

الممثل1:       ونحن ممثلو مسرح وهذا كاتب مسرحي (يشير للممثل2 وللكاتب)، ننتظر العبور لنبحث عن خشبة تظلل أحلامنا. قبل أن تهرب إلى النسيان.

الضابط:        (للحكواتي) وأنت؟، كلهم عرفتهم إلا أنت، كلهم أخبروني برغبتهم بالعبور.

الحكواتي:      أنا حكواتي بسيط، انتهى زمن الحكايات فلملم تاريخ الحكايات وغادر. ابحث عن عمل آخر غير مهنة الحكايات في المدينة اﻷخرى.

الضابط:        وأنا ضابط سابق لهذه البوابة ولم أعد كذلك. الآن أنا مواطن عادي، مثلي مثلكم.

الحارس2:     لكن لم يصلنا أي خبر بذلك.

الضابط:        ربما نسوا. أنا وصلني. والمفترض أن يناوب آخر عني كضابط.

الحارس1:     كيف يتركون البوابة بلا ضابط؟.

الحارس2:     وما الحل اﻵن. كيف نتصرف؟.

الضابط:        لننتظر جميعاً حتى يأتي الضابط الجديد وهو من سيعطيكم أمر فتح البوابة.

السيدة:         لكن البوابة تفتح في التاسعة والنصف.

الشابة:         ومضت التاسعة والنصف وما بعدها، ونحن بقينا في اﻻنتظار.

الحكواتي:      لو كان الضابط الجديد يعرف معنى انتظار الناس، ما تأخر.

الممثل2:       (بحدة) لأن اﻷمر مجرد الفوضى.

الضابط:        خفف من حدتك يا رجل. لا يجدر بك أن تقول ذلك، أنت تنتقد الحكومة وتتهمها بالفوضى. ربما يأتي الضابط الجديد قريباً.

الممثل2:       (بنفس الحدة) وإن لم ياتِ؟

الضابط:        (ببرود) يمكنك أن تعود ادراجك وتعود إلى هنا غداً.

الممثل2:       المسافة بعيدة، لقد تكبدنا عناء الطريق الطويلة للوصول إلى هنا.

الضابط:        إذا لننتظر. لا أظن انهم سيتركون البوابة بلا ضابط. ليس ثمة فوضى.

الحارس2 يقترب من الضابط بنوع من الحماس. 

الحارس2:     سيدي، أنت متأكد أنك لست ضابط البوابة اﻵن؟.

الضابط:        نعم متأكد.

الحارس2:     وأن لا علاقة لك بحراسة البوابة، ولا أمرها. ولست ترأسنا؟.

الممثل2:       يبدو أنك لا تسمع، كلنا فهمنا وأدركنا أن الرجل لم يعد ضابط البوابة.

الحارس2:     (بغضب) اصمت أنت وإلا اوقفتك.

الضابط:        ولماذا توقفه؟. لم يرتكب خطأ.

الحارس2:     (بجرأة) بل ارتكب أخطاءً. إنه يسئ الأدب لممثل الحكومة.

الضابط:        من تعني؟

الحارس2:     أنا ممثل للحكومة. (بجرأة أكثر) وأنت لم تعد ممثلاً لها. أنت مواطن عادي وعابر للمدينة الأخرى. مثلهم تماماً.

الحارس1 يقترب مسرعاً ناحية الحارس2 وعلى ملامحه الدهشة

الحارس1:     ما الذي تفعله. أنسيت أنه الضابط؟.

الحارس2:     كان، ولم يعد الضابط. وعليه، فهو مثل أي أحد. لا ميزات له عن الآخرين.

الحارس1:     من المعيب أن تعامله هكذا معاملة، وهو كان بالأمس ضابطنا ورئيسنا.

الحارس2:     الأمس مضى، ولن يعود. وما كان، ليس كما هو كائن. هو الآن مثل الحكواتي الذي هربت منه الحكايات والسيدة التي تشتاق لرؤية ابنها والشابة الهاربة من زواج قسري والممثلين الفاشلين.

الكاتب:         (باعتراض) لو سمحت إنك تهيننا.

الحارس2:     أي إهانة تلك؟. إنها الحقيقة التي لا تريد أن تسمعها من الآخرين.

الحارس1:     أنا لا أفهمك. لماذا تتصرف بهذه الفظاظة مع الناس.

يتجه للضابط معتذراً

الحارس1:     آنا آسف يا سيدي، اغفر له. لا أدري ما الذي غيره فجأة.

الضابط:        لا عليك. فعلاً، أنا كأي أحد هنا. لا فرق. ولكن لا أدري بأي حق يعاملنا بهذه العنجهية؟. من يكون سوى حارس بوابة؟.

الحارس2:     (غاضبا يواجه الضابط) بل ضابط البوابة. من الآن وصاعداً أنا الضابط.

الحارس1:     (بدهشة) ومن عينك ضابطاً؟. نحن ننتظر الضابط الجديد.

الحارس2:     لن يأتوا بأي ضابط. أنا بحكم الرتبة العسكرية ضابط البوابة. وعليك أن تطيع أوامري. أنت وكل هؤلاء. (بإصرار) ولن أفتح البوابة اليوم.

السيدة:         ولماذا لا تفتحها؟. نحن ننتظر منذ ساعات. إذا كنت الضابط افتحها لنا وأرحنا.

الشابة:         ليس من حقك منعنا من العبور.

الممثل1:       كأنك تفرغ غضباً داخلك على الجميع.

الحكواتي:      يا عزيزي، ما تفعله خاطئ. أنت تمنعنا من حقنا في العبور.

الحارس2:     أنا من يهب الحق ومن يمنعه.

الضابط:        أعطيت لنفسك الحق فيما لا تستحق.

الحارس2:     بل أستحق الترقية، أستحق أن أصبح ضابط بوابة وأنا الذي خدمتها لسنوات طويلة تحت إمرتك. مهمتي فقط أن أقول حاضر سيدي. من حقي أن آمر الآن بعد هذه السنوات.

الحارس1:     يأتي هذا الحق بالطرق القانونية. بأمر من القيادة.

الحارس2:     وإذا لم تأتِ، هل تبقى البوابة دون ضابط؟. أنا الضابط هنا حتى تأمر القيادة بضابط آخر. ثم أني الأكثر استحقاقا، أعرف المكان جيداً، وأحرسه منذ سنوات. كيف يأتون بآخر لا يعرف عن البوابة أي شئ.

الشابة:         نحن لا يهمنا كل هذا. فقط نريد أن نعبر. وإذا كنت أنت الضابط، فالأمر سهلٌ إذا. افتح البوابة.

الممثل2:       صحيح. لا شئ يمنع فتح البوابة الآن. كنا ننتظر الضابط. وها أنت هنا.

الحكواتي:      هيا افتحها لنعر، وينتهي كل هذا بسلام. وكأن شيئاً لم يحدث.

الكاتب:         مارس عملك كضابط، وأمر صاحبك أن يفتح البوابة.

السيدة:         (متوسلة) هيا يا ولدي، افتحها. أنا إمرأة عجوز ولا أتحمل كل هذا. أيرضيك أن أنتظر كل هذه الساعات، لأجل أمر لا علاقة لي به؟. افتح هذه البوابة.

الحارس1:     هل افتحها؟.

الحارس2:     (يصرخ) لا، لا تفتحها. لم آمرك بفتحها بعد.

الحارس1:     ولماذا لا نفتحها؟. هؤلاء لا ذنب لهم لينتظروا كل هذا.

الحارس2:     (بغضب) آنا لم آمرك بفتحها، أنا الضابط هنا. وأنا من يأمر. قلت لن تفتح البوابة ولا شأن لي بالناس وظروفهم وانتظاراتهم.

الشابة:         شأن من إذاً؟. في يدك خلاصنا من هذا المأزق.

السيدة:         كلمة واحدة، قلها وينتهي الأمر. أيصعب عليك أن تقول افتح البوابة؟.

الممثل1:       ما مشكلتك؟. عينت نفسك ضابطاً ولا تقدر على اتخاذ قرار بسيط كفتح البوابة.

الكاتب:         نحن لا نحتاج سوى لهذه الكلمة.. افتح البوابة ونمضي، وقد لا ترانا ثانية. ستنسى وجوهنا، تنسى حكاياتنا.

الحكواتي:      فعلاً، يمر عليك يومياً حكايات وحكايات، ولأنك لا تمتهن الحكي، تنساها. ستنسى حكاياتنا جميعاً حين تأمر بفتح البوابة.

الممثل2:       (بحدة) افتحها أرجوك. لقد ملننا الانتظار.

يبدو الحارس2 حائراً وهو يراقب الجميع، يتصنع الثبات. لحظات صمت تمر. 

الضابط:        (يضحك بسخرية) لن يأمر. ولن تفتح البوابة. هو غير قادر على فتح البوابة. سنوات طويلة وهو ينفذ الأوامر. فقط مهمته أن يطيع ويقول “حاضر سيدي”. كيف له أن يأمر الآن؟.

الحارس2 يتجه غاضباً للضابط ويواجهه

الحارس2:     (بتحدٍ) بل أستطيع، أتظن أنك وحدك القادر على أن تأمر. أنا قادر أيضاً. تظن أن وحدك تملك مواصفات القائد. أنا أيضاً، بل أنا افضل منك. لأني لن أتعالى على أحد كما كنت تفعل.

الضابط:        (مستغرباً) أنا أتعالى؟.

الحارس2:     سنوات طويلة ونحن مجرد حراس تحت إمرتك، حراس لا قيمة لنا. وأنت الضابط العظيم. لا نملك حق الاعتراض على أوامرك. مهمتنا أن نطيعك فقط. سنوات طويلة وأنت ترانا من طرف عينك من برجك العالي.

الضابط:        يبدو أن مشكلتك معي وحدي، وليس مع الناس. افتح البوابة لهم، لتفرغ لمحاسبتي بعد أن تجردت من رتبتي، وصرت مواطناً عادياً بلا امتيازات.

الحارس2:     (بإصرار) لن أفتح البوابة.

الضابط:        ولمَ لا تفتحها؟. لا ذنب لهم بحساباتك معي.

الحارس2:     ذنبهم أنهم جاءوا في التوقيت الخاطئ. اختاروا اليوم ليعبروا، اليوم الذي غاب ضابط البوابة. تأخر كثيراً لندرك أنه أقيل من وظيفته ولم يعد للبوابة من ضابط. فأصبح الحارس المسكين الذي حرس البوابة وكانت مهمته الوحيدة أن يطيع، ضابطاً للبوابة.

الحارس1:     وما علاقتهم بكل هذا؟.

الحارس2:     ليكونوا شهوداً.

الحكواتي:      شهوداً (باستغراب) على ماذا؟.

السيدة:         لم نطلب من أحد على أن نكون شهوداً. أطلب منك يا ولدي فقط أن تفتح البوابة. أخاف على قلق ولدي وخوفه علي.

الشابة:         أنا أيضاً، لا أريد أن أكون شاهدة على أمر لا علاقة لي به. أنا عابرة فقط.

الكاتب:         ونحن أيضاً عابرون. أرجوك، لا تورطنا في أي حسابات. فقط افتح لنا البوابة.

الحارس2:     أنتم ممثلو مسرح، تجسدون الحكايات والناس يشاهدون، كونوا اليوم متفرجين فقط. ونحن سنمثل لكم.

الضابط:        ومن سيمثل لهم؟. أنت؟.

الحارس2:     وأنت. وهو (يشير للحارس1).

الحارس1:     (باستغراب) أنا؟. أنا لا أعرف أن أمثل. لا أعرف إلا حراسة البوابات.

الضابط:        ولا أنا. أنا لست ممثلاً. أنا ضابط متقاعد.

الحارس2:     (بحدة وإصرار) لكنك ستمثل. وهم سيتفرجون.

الضابط:        ومن يجبرني على ذلك؟

الحارس2:     (يصرخ في وجه الضابط) أنا من يجبرك. أنا الضابط الآن. كما كنت تجبرنا على أن نفعل ما لا نحب. كما كنت تجبرنا على العمل لساعات طويلة دون راحة.

الضابط:        لا علاقة لك بي الآن. أنا مواطن عادي، وأنت حارس بوابة. مهمتك أن تفتح البوابة لي ولهم إذا كنت أنت ضابط هذه البوابة.

الحارس1:     (يقترب منهما.. ثم للحارس 2) لا يجدر بك أن تفعل كل هذا أمام العابرين. يمكنك أن تأخذه للمكتب وتتفاهم معه، إذا كان بينك وبينه حساب. لأن ما تفعله سيصل للقيادة بالتأكيد.

الحارس2:     وكيف ستعرف القيادة؟.

الحارس1:     ربما يسرب أحد ما يدور هنا. أو .. (يمسك بيد الحارس2 ويأخذه إليه) هل نسيت أن الضابط ربما يكون على تواصل مع القيادة. سيخبرهم بكل شئ.

يبدو القلق جلياً على الحارس2، يقف حائراً. ينتبه الضابط لحيرته.

الضابط:        (بخبث) هه.. أنا مستعد للتمثيل؟. أنا جاهز، والمتفرجون جاهزون.

الحارس2 ينسحب بهدوء، ويذهب باتجاه البوابة. 

الحارس2:     (من مكانه) هكذا إذاً. لن أحقق لك رغبتك. ولن أفتح البوابة.

يصمت ويظل مكانه، يأخذ الحارس1 مكانه أيضاً. يبدو التذمر على الجميع.

السيدة:         (للشابة) ما هذه الورطة. لماذا لا نرجع لبيوتنا، ونعود غداً إلى هنا. قد ينتهي الأمر.

الشابة:         أنا لن أرجع للبيت، رجوعي يعني الدخول في مصيدة أمي.

السيدة:         لا اعرف لماذا لا تريدين الزواج من ابن خالتك؟.

الشابة:         لأنه أخي. سنوات طويلة وأنا أحسبه عضدي الذي أتكئ عليه.

السيدة:         لكنه ليس أخيك. ابن خالتك، ويمكنك الزواج به.

الشابة:         بل هو أخي، الأخوة ليست تلك التي تعني أن نكون لذات الأم أو لذات الأب فقط. أحياناً تكون أخوة الروح، أخوة التشابه، أخوة الألفة، أكثر وضوحاً من أخوة الدم.

السيدة:         ألا تحبينه؟.

الشابة:         أحبه كأخي.

السيدة:         ستعاشرينه كزوج، وتحبينه كزوج. سيكون حبيبك حين يكون أكثر قرباً منك.

الحكواتي:      (وهو يقترب منهما) هل لي أن أتدخل في حديثكما، يبدو أن الانتظار سيطول، ونحتاج للكلام لنكسر ضجر الانتظار؟.

الشابة تهز راسها إيجاباً وتبتسم.

الحكواتي:      واعذروا فضولي، فمن يبحث عن الحكايات حتى بين شقوق الأرض، يبدو أكثر فضولية.

السيدة:         ما رأيك أنت؟.

الحكواتي:      قد يبدو الأمر صعباً عليها. فحب الأخوة ليس كأي حب.

الشابة:         نعم. ولا يمكن أن تغير علاقتي به من شعوري تجاهه، أنا أعرف أنه الآن يراني كحبيبة، هو رجل قد يغير للحظة تلك الصورة التي ظلت عالقة في روحه عني. لم يعد الأخ بل العاشق، كان سعيداً حين أسرت له أمي بالأمر.

الحكواتي:      ربما مرت عليه سحابة عشق، ورآك في هطولها. رآك سيدة أيامه.

الشابة:         لكني أحب غيره.

الحكواتي:      اقبضي على حبك ولا تفلتيه، سينسى ابن خالتك. وستنسين. كوني مع من تحبين.

السيدة:         أنت تحرضها على عصيان أمها، مع أني مع أن تختار هي.

الشابة:         بل عصيان رغباتها. أنا من سيتزوج وليس هي.

الحكواتي:      سأحكي حكايتك يوماً ما، وحكاية الخالة. وحكاية كل واحد هنا. المكان تطوف في سقفه الحكايات، وعلي ملأ جعبتي بها.

ينتقل الحوار للممثلين.

الممثل2:       ستكون هذه آخر مسرحية أعمل فيها.

الممثل1:       وهل ستعتزل التمثيل؟. قلت أنك موهوب وتحب التمثيل.

الممثل2:       بل سأعتزل المسرح، لو كنت نجم تلفزيون لفرشوا لي سجادة حمراء. ولكن لأننا ممثلو مسرح لا يهتمون لعبورنا البوابة.

الكاتب:         ما يدفعنا للمسرح هو أننا شغفنا بهذا الفن. بممارسته منذ سنوات.

الممثل2:       لكنكم لم تحصلوا على تقدير الناس، ولا الثراء.

الممثل1:       لم نمارس المسرح من أجل شهرة أو ثراء. في المسرح تتآلف الأرواح، ننشد إلى بعضنا البعض، نتقمص الحب، ونتقمص الكره، نتقمص الشر والخير. قد لا تكون الشخصيات هي ذواتنا. لكننا هناك، على خشبة تعرف تماماً خرائط خطونا.

الكاتب:         ثمة اتفاق بيننا وبين المسرح، أن لا نفارقه. أنا ما عدت قادراً إلا على الكتابة له، كلما حاولت الهروب منه، نازعتني ذاتي أن أعود إليه. في المسرح حياة قد لا تجدها في أي مكان.

الممثل2:       وأنا أنهيت هذا الاتفاق. لن أعود للمسرح. ولن أمثل معكم حتى. وسأغادر هذا المكان الذي لم يقدرني فيه أحد.

الممثل1:       وفرصنا التي نبحث عنها هناك، الشخصيات التي اخترناها لنتقمصها ونكونها؟. إنهم ينتظروننا.

الممثل2:       لقد سئمت، تدريبات طويلة، جهد وإرهاق. ثم لم كل هذا؟. فقط للشغف، وهل سيبني الشغف لي بيتاً، هل سيطعم أطفالي غداً إن تزوجت ورزقت أطفالاً؟.

الممثل1:       لا تنسحب وتتركنا، تعاهدنا أن نبقى معاً.

الكاتب:         لقد تعاهدنا، ثم أننا تحملنا نزقك، تحملنا مزاجيتك وحبك للظهور. فكيف تخذلنا في هذا الوقت؟.

يقترب الضابط من الحارس2 الذي يبدو عليه الحدة

الضابط:        ما تفعله ليس في صالح أحد. قد يضرك. أنت تعطل مصالح الناس. ولو اشتكى أحدهم عليك، سينزعون رتبتك.

الحارس2:     وماذا سيقولون، لم يفتح البوابة لنا؟.

الضابط:        بالتأكيد.

الحارس2:     سأقول لهم ببساطة أني لا أملك حق فتحها.

الضابط:        لكنك تدعي بأنك الضابط. وتعاملت معنا على هذا الأساس.

الحارس2:     من قال ذلك؟، أنت تدعي علي. أنا مجرد حارس بسيط، وأنت الضابط الذي تركت البوابة دون أن تتأكد بأن ضابطاً غيرك أخذ مكانك. حتى لو أحلت على التقاعد كان يجب أن لا تترك المكان وتهرب للمدينة الأخرى.

الضابط:        (مبرراً) كان الأمر أن أترك المكان، وظننت أنهم جاءوا بضابط آخر.

الحارس2:     (بخبث) ولم يأت. هل من الواجب أن تترك البوابة دون أمر لفتحها؟. أنت من عطل الناس وليس أنا. قد يحرمونك مخصصاتك التقاعدية إذا ثبت عليك أنك تركت البوابة وعطلت الناس.

الحارس1:     ما الذي يجري هنا؟. أنا لا أفهم ما يدور.

الحارس2:     ضابطنا العزيز يتهمني بأني من عطلت الناس ولم أفتح لهم البوابة.

الضابط:        أنت ادعيت بأنك الضابط وأنك الأحق من أي أحد.

الحارس2:     نعم الأحق، أحق منك حتى. لقد سبقتني برتب عديدة بالمحسوبيات وبصداقاتك مع ضباط في القيادة.

الضابط:        إذا يبدو الأمر تصفية حسابات، لقد صدق حدسي فيك. كنت تنتظر اليوم الذي أترك فيه البوابة، أو أن أكون تحت رحمتك لتنتقم مني. لأنك ترى أنك أكثر استحقاقاً مني.

الحارس2:     نعم، ولن أسمح لك أبداً أن تتجاوزني. حين أخبرتني بأنك خارج الخدمة، شعرت كأن رأسي يضج بالموسيقى، موسيقى فرح. موسيقى تعلن فكاكي من إمرتك.

الحارس1:     ألهذه الدرجة كان عبئاً عليك؟.

الحارس2:     أنت تعرف جيداً ذلك. تعرف كيف كان يستغل رتبته ليعاملني بتعال. نحن مجرد عبيد له ولقرارته. لسنا بشر بمشاعر، بهموم، بأوجاع.

الضابط:        لم اشعر يوماً بأني عاملتكم بلا إنسانية.

الحارس2:     لن تشعر لأنك في دائرة اطمئنان، بينما نحن ندور في دوائر الخوف، نخاف من كل شئ، منك، من أوامرك، من عقابك العسكري، من القيادة والتهديد بنزع الرتب.

الحارس1:     هو الضابط، وتعلمنا كجنود، أن الضابط له الحق في أن يأمر، ويفعل ما يشاء.

الحارس2:     (بغضب) وعلينا أن نطيع، نحني رؤوسنا له، فهو الضابط.

الضابط:        هل يمكن أن نجنب الناس أثر خلافاتنا، لنحيدهم عن كل هذا؟. لا ذنب لهم.

إذا كنت تظن أن لك الحق بأن تكون ضابط البوابة. فأأمر بفتحها ودعهم يعبرون. وتفاهم معي وحدي.

الحارس2:     لن أفتحها، ولن يعبر أحد، خاصة أنت. لأني لا أستطيع نسيان أثر وقوفنا الطويل على البوابة بينما أنت تتنعم داخل مكتب.

الضابط:        حاسب القيادة ولا تحاسبني. أنا لا علاقة لي في أمر ترقياتي ووصولي لمنصب الضابط هنا.

على الجانب الآخر يبدو أن الشابة تساعد السيدة على الجلوس على أرض ويبدو عليها الانهاك، تفتح لها ياقتها لتبردها، يساعدها الحكواتي في ذلك. ينتبه الضابط للموقف، ويعود للحارس2

الضابط:        انظر! المرأة كبيرة في السن لا تقوى على الانتظار، لا تعذبها بنزقك.

الحارس2:     (بسخرية) ما شاء الله، ما هذه الإنسانية الطافحة. يؤلمك ما حدث للمرأة؟. بينما لم يؤلمك مرض أمي.

الضابط:        (باستغراب) ما لي أنا ومرض أمك؟.

الحارس2:     يبدو أنك نسيت، أو تتناسى، أو تتغافل. نسيت حينما جئتك مكسوراً أطلب منك إذنا لزيارة أمي المريضة.

الضابط يحاول التذكر لكنه لا يتذكر.

الحارس1:     حدث هذا قبل سنوات، حين عينت هنا للتو.

الحارس2:     رفضت أن تأذن لي بزيارتها، ماتت ولم أزرها. لكي تشبع ما فيك من شهوة التسلط. أنت الضابط فكيف تسمح للحارس أن يغادر بوابته.

الضابط:        تذكرت، حدث هذا وأنا للتو بدأت عملي هنا. ما كان يمكن أن تترك البوابة آنذاك لأنه لم يكن أحد يغطي غيابك.

الحارس2:     (غاضباً) وما شأني أنا. غادرت أمي الحياة محملة بوجع غيابي، كانت تأمل أن تمسك بيدي وهي تعالج خروج روحها من جسدها، فتت جسدها المرض وأنت منعتني من رؤيتها، منعتها من أن تراني في ساعتها الأخيرة.

الضابط:        لم يكن ذنبي، إنه ذنب القيادة. هم رفضوا أن آذن لك، حاولت مراراً، لكنهم رفضوا إرسال بديل.

الحارس2 ينقض على الضابط ويمسك بخناقه غاضباً

الحارس2:     (غاضباً) أنت تكذب، تكذب كما يكذب غيرك. عودتكم الكراسي على أن تكذبوا لتفلتوا من العتب أو من العقاب، اعتدتم الكذب حتى تستوطنوا كراسيكم.

الضابط يحاول الافلات منه

الضابط:        أنا لم أكذب عليك يوماً، كنت أحاول مرات ومرات أن أحصل لك على ترقية، لكن الأمر كله منوط بيد القيادة.

الحارس1 يقترب منهم ويحاول فك الضابط

الحارس1:     ما الذي تفعله أنت تتهور؟.

لا يستطيع الحارس1 أن يفك الضابط من يد الحارس2 الغاضب، وسط استغراب ومراقبة الجميع.

الشابة:         (للكاتب) افعل شيئاً، أنت وصديقيك، فكوا الرجل منه، سيقتله.

الكاتب:         ما لنا وأمرهم. نحن لا علاقة لنا بما يدور. يبدو أنه أمر شخصي وتصفية حسابات.

الحكواتي:      لو كان لي قدرة الشباب لتدخلت، لا يصح ما يحدث هنا. أرجوكم، أنتم ما زلتم فتية، فكوا الرجل منه، يبدو عليه الغضب وقد يقتله.

الممثل2:       نخاف إن تدخلنا، أن يجر أقدامنا لمشكلة كبيرة.

السيدة:         (وهي تتنهد من التعب) يا بني، لا نريد لأحد أن يتأذى، كن شهماً، وساعد الحارس ليفك الضابط، يبدو أنه رجل طيب.

يتجه الممثلون بسرعة من الحارس2 والضابط الذي ما زال تحت قبضة الحارس 2، بينما يحاول الحارس1 فكه. يستطيعون جميعاً فك الضابط من الحارس2 

الحارس1:     ما تفعله يهدد وجودك هنا، وربما وجودك في الخدمة العسكرية.

الضابط:        (وهو يتنفس الصعداء) اتركه، ربما يهدأ إن فرغ كل غضبه الآن.

الحارس2:     (غير مستوعب لما حدث) أنا، لا أدري بالضبط ما فعلته.

الممثل1:       كدت تقتله لو لم نفكه من يديك. ألهذا الحد أن تحمل عليه؟.

الممثل2:       لا يجدر بك أن تتجرد من إنسانيتك، وتتحول لهذا الوحش الكاسر الذي رأيناه لحظتها.

الحارس2:     (منهاراً) لم أكن أريد قتله أو إيذاءه. فقط كنت أحاسبه على ما فعله بي، لكن الغضب تملكني.

الحارس1:     الغضب ذلك الغادر الذي يجردنا من ذواتنا. كيف جردك من ذاتك وإنسانيتك؟.

الحارس2:     هل أنا في ورطة؟.

الضابط:        لا تخف، لن اشتكيك. لأن ما أريده الآن أن تفتح البوابة للناس.

الحارس2:     ومن يأمر بذلك؟.

الضابط:        أنت.

الحارس2:     بأي حق؟. أنا مجرد حارس، يطمع في أن يكون ضابطاً. أخذه الحلم للبعيد، لكن رماه على أقرب صخرة. تحطم الحلم، فأفاق على مرارة الواقع.

الضابط:        لا تحملها أكثر مما تحتمل. كلنا لنا أخطاء. وكلنا نبحث عن كيف نقبض على أحلامنا حتى لا تنسل من بين أصابعنا.

الحارس2:     حلمي أكبر مني، حلمي غيب إنسانيتي. كل أحقاد السنوات تداعت لحظتها، خطفت مني اتزاني.

الشابة تقترب منهم

الشابة:         يا سادة، إننا نتكلم كثيراً، يأخذنا الكلام عن ما نريده.

الحكواتي يقترب منهم هو الآخر

الحكواتي:      لننهي الحكاية هنا، ولتفتح البوابة، لنغادر، وننسى الحكاية. ننسى أننا التقينا، ننسى انتظاراتنا، ننسى وجوه بعضنا البعض. من يبادر لفتح البوابة.

يسمع صوت الطرق من الجهة الأخرى من البوابة، الطرقات تزداد، ثم نسمع أصوات المنتظرين في الجهة الأخرى.

السيدة:         إنهم يطرقون، لا بد أن ابني معهم. مل من الانتظار أو ربما هو القلق الذي دفعه للطرق معهم.

الشابة:         لا بد أن نشاركهم الطرق. ربما يفتح الطرق أبواب رؤوسهم الموصدة.

تتجه الشابة للبوابة وتبدأ في الطرق عليها، ثم يتبعها الممثل2 ثم الممثل1 والكاتب يطرقون البوابة، تختلط أصوات الطرقات. تتحمس السيدة، وتتجه للبوابة بتثاقل. وتطرق على الباب معهم بحماس. يقف الضابط بمواجهة الحارس2 المنهار والحائر، وسط مراقبة الحارس1 والحكواتي. 

الضابط:        ألم تسمع تلك الطرقات؟، كأنها على رأسي. لو كنت مكانك لفتحتها، سيذكرك الناس، سيتناقلون سيرتك. ستكون بطلاً وأنت حررتهم من الانتظار (يصرخ في وجهه) اعلنها. قلها، إنها مجرد كلمة وتمضي، لكنها تفعل الكثير. قلها.

الحارس1:     (بحيرة) هل أفتحها؟.

يقف الحارس2 مبهوتاً، حائراً، صامتاً. 

الحارس1:     الظرف يحتم علينا أن نفعل شيئاً. لا بد من قرار.

الحكواتي:      افتحها لتكون بطل حكاية. الحارس الذي فتح البوابة. حكاية تحكى، تشبه حكاية الزير وسيف بن ذي يزن. الحارس الذي لم يترك الناس منهكين على حافة الانتظار. قال كلمته، وانفتحت للناس بوابة الأمل.

الحارس1:     قلها. وليحدث ما يحدث. سنتحمل تبعة القرار.

الحارس2:     أخاف من العقاب. أخاف من تجريدي من رتبتي، ونفيي إلى بوابة قصية بعيدة عن العالم. أخاف من غضبة القيادة. أخاف من كل شيء، أخاف من وجوهكم، ملامحكم، أخاف من الساعات المقبلة. ماذا ستخبئ لنا؟.

الضابط:        ليكن ما يكون، المهم أن تقرر. لو لم أجرد من وظيفتي بعد سنوات خدمة. بهذه الطريقة المذلة. هم لم يكافؤني، فقط خطاب، ورقة مفادها.. ارحل حالاً. لو كنت في المنصب لفتحت البوابة. لكني مجرد من مسؤولياتي.

الشابة:         (بغضب) إن لم تفتح البوابة بنفسك. سنفتحها نحن.

الحارس2:     لا، لا تفعلوا ذلك. هذا انتهاك للقانون.

الشابة:         وما تفعله أنت وزميلك. أليس انتهاكاً لحقوقنا؟.

الحارس2:     مراراً قلت، لست أنا من يقرر. القيادة لم ترسل ضابطاً آخر.

الضابط:        لكنك قلت أنك ستكون الضابط، وأنت تستحقها. أليس كذلك؟.

الحارس1:     نعم، أنت الأقدر. ولا أظن أن القيادة سترسل ضابطاً آخراً وأنت هنا.

الحارس2:     لكنهم لم يرسلوا أمراً بذلك.

الحارس1:     ربما أرسلوا، لكننا هنا ولا ندري ماذا أرسلوا. يجب أن ندخل المكتب لنرى

الحارس2:     (يشير للضابط) لكنه أمرنا ألا ندخل المكتب.

الضابط:        لم يعد أمري سارياً. لم اعد الضابط.

يسمع صوت البوابة تتحرك، وعلى وشك أن تفتح. الممثل2 بحماس.

الممثل2:       ستنفتح البوابة، يبدو أن الطرق أثر في أقفالها.

الحارس2:     لا تفتحوها عنوة. (يصرخ موجهاً الكلام للطرف الآخر من البوابة) ما تفعلونه يؤذيكم. فتح البوابة عنوة خرق للقانون. ستحاسبون عليه.

يزداد الطرق وهز البوابة، يشارك الممثلون الثلاثة والشابة والسيدة، وينضم لهم الضابط، يطرق معهم على البوابة. بينما يقف الحارسان بحيرتهما، ينظر كل واحد للآخر. يرفع الحارس2 مسدسه باتجاه المجموعة. 

الحارس2:     ابتعدوا عن البوابة، أنا مخول بأن أطلق الرصاص على كل من يخرق القانون ويحاول تجاوز البوابة دون حق (يصرخ) ابتعدوا، كفوا عن الطرق.

لا أحد يسمع له، ينظر له الحارس1 يهز له رأسه كأنه يمنعه من فعل أي خطأ. لكنه يطلق رصاصة في الهواء. يتوقف الطرق قليلاً، يرمقونه بنظرة غضب، يتوجهون إليه بمشية غاضبة، يتراجع خائفاً هو والحارس1 بينما يراقب الضابط ما يدور. يعود الطرق من الجهة الأخرى. يعود الجميع للبوابة ويواصلون الطرق وهز البوابة. يقف الحارس2 منهاراً يراقب ما يدور… لحظات يُسمع أصوات حماسية من الطرفين، ويبدو أن البوابة بدأت تنفتح تدريجياً.. يدخل الحارس1 إلى المكتب مسرعاً.. الطرقات مستمرة وهز البوابة مستمر. لحظات ويعود الحارس1 للمسرح مرة أخرى وفي يده ورقة، ولكن يبدو عليه الضيق. يسلم الورقة للحارس2، يقرأها فيبدو عليه الأسى والإحباط. تنفتح البوابة قليلاً مع تواصل الطرق، يسمع صوت من البعيد صوت سيارات طوارئ قادمة إلى المكان، تختلط الأصوات، أصوات حماس الناس وهم يفتحون البوابة، واصوات صافرات سيارات الطوارئ. تفتح البوابة، وحين يهمون بالخروج تنطفئ الإضاءة بالتزامن من صوت مكبرات الصوت من سيارات الطوارئ.

الصوت:        توقفوا عن تمردكم وسلموا أنفسكم لقوات الطوارئ. أنتم تخرقون القانون. ستحاكمون على تمردكم. معكم الضابط الجديد للبوابة.

بقع إضاءة متوالية لشخصيات المسرحية المتوزعين على الخشبة.

السيدة:         انتظرناك طويلاً يا سيدي، انتظرنا البوابة أن تفتح. لسنا متمردين. بل لنا حاجات خلف هذه البوابة. أنا سيدة كبيرة في العمر، ولا أتمرد، طوال عمري أنا مسالمة، مع جيراني، مع الناس. لكن حاجتنا للعبور هي ما جعلتنا نفتح البوابة، فانتظارنا أظنانا.

تطفأ البقعة على السيدة وتضاء على الشابة

الشابة:         تمرد؟، أنا متمردة؟. ربما.. لكن متمردة على وصاية أمي، وصاية أبي وإخوتي، على خياراتهم لي، متمردة لأني أحب آخر، هم اختاروا لي فتمردت على اختيارهم، قلبي هو من اختار، قلبي هو من تمرد.

تطفأ البقعة على الشابة وتضاء على الفرقة، الكاتب والممثل1 والممثل2

الكاتب:         متمردون نحن، صحيح.. متمردون على السائد، على ما يعرفه الناس عن المسرح، نكتب عن الإنسان، عن فلسفتنا، رؤيتنا لهذا العالم، وجئنا هنا نبحث عن مسرح جديد، عن جمهور آخر يؤمن بنا.

الممثل1:       نتمرد لأننا مسرحيون، والمسرح فن التمرد، لا فن السكون. هكذا تعلمنا في حضرته، نتمرد لنحيا، فالسكون موت.

الممثل2:       نعم، أنا متمرد.. لأني أريد أن أكون، من حقي أن أصبح مشهوراً كغيري. المسرح لم يحقق لي الشهرة، لم يحقق لي المال. كان المسرح جسراً لحياة أخرى. حياة جديدة خلف هذه البوابة.

تطفأ البقعة على الممثلين والكاتب وتضاء على الحكواتي

الحكواتي:      متمرد أنا، على الحكايات التقليدية، خرجت أبحث عن حكايات جديدة، حكايات تنتزع الدهشة من الناس بعد أن خفتت، حكايات تؤثث ليالي المقاهي بعد أن سرقتها التلفزيونات ومباريات الكرة. أبحث عن حكايات الناس في هذا الزمن، لا حكايات الماضين.

تطفأ البقعة على الحكواتي وتضاء على الضابط

الضابط:        أنا متمرد؟، لا، سنوات طويلة وأنا ضابط البوابة، أحرسها من المتسللين، والمتمردين. فكانت حصناً للبلد، بوابة موصدة أمام المارقين، ومفتوحة أمام العابرين. لكن لم أكافأ إلا بورقة تقول لي .. إرحل، وجئت باحثاً عن حياة جديدة خلف هذه البوابة، حياة ضابط بلا رتبة.

تطفأ البقعة على الضابط وتضاء على الحارس1

الحارس1:     أنا حارس مطيع للضابط وللقيادة، فكيف أتهم بالتمرد، أو بمحاباة المتمردين، لا.. أنا أحرس البوابة كما يحرس الجفن العين، صرت أخاف عليها، وأنا الذي ألفت فتحها وإغلاقها، لست متمرداً يا سيدي.. لا، أنا حارس البوابة الأمين.

تطفأ البقعة عن الحارس1 وتضاء على الحارس2

الحارس2:     نعم تمردت، للحظة شعرت بأني لا بد أن أتمرد على واقعي، على ما أنا فيه من تبعية، لا بد أن يكون لي صوت مسموع، بدل أن أخبئه داخل صدري فيصبح حريقاً لا تنطفئ، من حقي أن أتمرد.. سنوات ونحن كظلال شجرة هزيلة نقف حراساً على بوابة صدئة تفصل الناس عن أحلامهم، تعبت من السكون والسكوت .. لا بد أن نتمرد فقط اتركوا الناس لأحلامهم، فكوا قيدهم، والغوا هذه البوابة.

تضاء جميع البقع، تختلط الأصوات وهم يرددون

صوت1:        اتركونا لأحلامنا.

صوت2:        نريد العبور.

صوت3:        أحلامنا خلف هذه البوابة.

صوت4:        افتحوا لنا البوابة.

صوت5:        لا نريد بوابات ولا قيود.

صوت6:        نريد حياة بلا بوابات.

تتعالى الطرقات مرة أخرى، تتعالى أكثر، ويتعالى صوت محاولات فتح البوابة.. يتجه الجميع إلى البوابة، إظلام ، تزداد الطرقات على البوابة ومحاولات فتحها، ونسمع صوت الضابط الجديد عبر مكبر الصوت ينادي

الصوت:        (عبر مكبر الصوت) توقفوا أيها المتمردون … توقفوا .. توقفوا ايها المتمردون

-انتهت-

3 رأي حول “على عتبة الانتظارات

اضافة لك

  1. استاذ عباس عندي سؤال كيف مؤلف المسرحيه يضمن حقوقه كمؤلف ؟ مع العلم انه ليس كتاب فقط مسرحيه أو قصه من ٣ صفحات مع خالص شكري وتقديري

أضف تعليق

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑