مسرحية مسوخ

الشخصيات:

كريم:  رسام أربعيني، متزوج وعنده أطفال.

نديم:   طبيب أربعيني

مروة: عازفة بيانو وملحنة، متزوجة ولديها طفل.

نداء:  كاتبة، ثلاثينية. عزباء

وورد: معلمة اربعينية، متزوجة وليس لديها أطفال، لكنها تعتبر كل طلابها أطفالها.

المسخ1: زعيم المسوخ، شخص يرتدي قناعا بلا ملامح ويتحدث كروبوت أو كشبح.

المسخ2: يشبه المسخ1 شكلا، ولكنه مساعده الأول.

المسخ3: يشبه المسخ2 وهو المساعد الثاني للمسخ1.

المشهد الأول

الفضاء المسرحي مقسم إلى قسمين، علوي عبارة عن لوحة الالكترونية (يمكن استخدام شاشة) نرى فيها طوال المسرحية حركة الالكترونات في دوائر الكترونية، وامام الشاشة نرى شخص يرتدي الأسود بالكامل وقناع بلا ملامح (المسخ1)، في القسم السفلي الذي يبدو كأنه أقرب لزنزانة، وعلى اليمين واليسار بابان حديديان موصدان، نرى خمسة أشخاص على كراس موصولة رؤوسهم بأسلاك تمتد حتى القسم العلوي (اللوحة الالكترونية). الأشخاص هم: كريم الرسام، والطبيب نديم، والموسيقية مروة، والكاتبة نداء، والمعلمة ورود. على صوت مؤثر موسيقي مناسب نشاهد الأسلاك تضاء وكأنها تنقل إشارات من أدمغتهم إلى اللوحة الإلكترونية، ولكن نلاحظ أن ملامحهم تشي بالمقاومة والرفض، يستمر الأمر، فجأة يصرخون جميعا صرخة واحدة

الجميع:        (يصرخون) لا

تتوقف عملية نقل الإشارات، ثم لهاث جماعي متسارع من الخمسة، ثم يتباطئ اللهاث. حتى يتوقف، ينظر الرسام كريم للباقي مبتسما

كريم:           (بفرح) نجحنا مرة أخرى

نديم:            وهل سننجح في كل مرة؟

كريم:           لا بد أن ننجح.

ورود:          (بيأس وإنهاك) أنا مللت، وصرت أخشى ألا أتمكن في المرة القادمة

كريم:           لا يا ورود، لا بد أن تنجحي. كلنا لا بد أن نتغلب عليهم في كل مرة

نداء:           هم لا ييأسون، سيعاودون المحاولة حتى يتمكنوا منا

نديم:            (محفزا) علينا أن نقاوم، ونقاوم.

كريم:           إن استسلمنا، غلبونا

مروة:          (تبكي) أنا تعبت ويئست، لا أستطيع المقاومة. جسدي اهترأ من المحاولات المتكررة، روحي تلفت.

كريم:           هم يريدونك أن تيأسي ليتمكنوا منك، لا يا مروة. لا تعطيهم مفتاح هزيمتك

مروة:          تعبت، أنا لست قوية بما يكفي لتحمل كل هذا

نداء:           من أوهمك بأنك ضعيفة؟

مروة:          (تبكي) بل هشة

ورود:          لا لست هشة، أنت قوية. أثق بأنك ستصمدين

مروة:          وإن لم اصمد؟

كريم:           ستصمدين، نحن كلنا نثق بك. لا تتوهمي الهشاشة. تقوي بالموسيقى، تذكري الألحان التي كنت تعزفينها. تخيلي أنك تعزفين وأمامك جمهور كبير يسمع موسيقاك

مروة:          لكني مشوشة يا كريم، مشوشة وخائفة، لقد طال بنا الوقت هنا.

نديم:            نصمد، سيملون منا حتما

ورود:          (بسخرية) يملون، وهل هم بشر حتى يملوا، الملل شعور، وهم لا يملكون أي شعور

كريم:           لا يعني هذا أن نيأس ونستسلم ونسلم لهم. نحن من نملك العقل والتدبير والمبادرة، هم مجرد مسوخ بلا ملامح

مروة:          ولماذا اختارونا نحن دون غيرنا؟

نديم:            صدقيني، حين ينتهون منا، سيختارون غيرنا. لذلك لا بد أن نصمد ونفشل خططهم.

كريم:           اختارونا بعناية، فنحن نهمهم في البدء، حين ينجحون ويسلبوننا ما يتوقون إليه منا، سيتمكنون من غيرنا.

ورود:          وما الذي أملكه أنا لينتزعوه؟، أنا مجرد معلمة أطفال

كريم:           يا ورود، كلنا نملك ما يرغبون في انتزاعه منا، ليحولونا إلى مجرد أجساد. بلا روح ولا شعور، بلا شغف ولا رغبات.

نداء:           ولكننا بشر، نملك خزينا لا ينضب، لن يقدروا على انتزاع كل ما عندنا.

كريم:           بل يقدرون إن أعطيناهم نحن. علينا المقاومة، يا أصدقائي نحن في معركة حقيقية. سلاحهم يئسنا وإحباطنا واستسلامنا.

مروة:          ومن اين لنا القوة على المقاومة؟. إنهم يجوعوننا. ينهكون أجسادنا.

نديم:            سنصمد، ولا بد أن نفكر في طريقة للخلاص.

ورود:          (بيأس) مستحيل

نديم:            الخلاص ليس مستحيلا.

نداء:           لا نعرف أين نحن، وأي مكان هذا الذي أتوا بنا إليه، لا نعرف الطريق إلى الخلاص.

كريم:           سنتخلص من كل هذا شرط ألا نيأس، عدوني ألا نستسلم

مؤثر موسيقي رقمي، ينتبه الجميع

المسخ1:       (بصوت شبحي) انتهينا من محاولة اليوم، سنعاود المحاولة لاحقا، رفضكم لن يستمر

تنفك كل الأسلاك التي تربط كريم وزملاءه فيتحررون منها، يقفون مبتعدين عن الكراسي، يحركون أطرافهم التي أنهكها الجلوس على الكراسي.

مروة:          (تبدو متألمة) آخ يا جسدي، متعبة جدا، جسدي ما عاد يتحمل

نديم:            الألم طبيعي، ويزول مع الوقت. إنها ليست مرتك الأولى

مروة:          كل يوم يزداد الألم يا دكتور نديم، ولا ينقص.

نديم:            مع الوقت ستألفينه.

كريم:           الشعور بالألم هبة من الله، وهم يريدون أن ينتزعوها منا. أنا أفضل أن أتألم على أن أكون جسداً بلا ألم.

ورود:          (تمسك بطنها) أنا جائعة جداً.

نداء:           أظن أن وقت الطعام اقترب.

مروة:          وتسمينه طعاماً؟.

نداء:           على الأقل، يبقينا أحياءً. لولا هذا الطعام لذبلت أجسادنا أكثر

مروة:          (بسخرية) أحياء، نعم أحياء، ولكن بأجساد ذابلة. الطعام لا يكفينا. ثم أنه طعام بلا طعم ولا رائحة.

نديم:            يكفينا صدقيني، هو قليل، لكنه يكفي لنبقى أحياء. ونصمد أكثر ونتغلب عليهم. سيتركوننا.

كريم:           (يقترب من نديم) أو نفكر في طريقة للهروب من هذا المكان.

ورود:          لكننا لا ندري أين نحن. وإن هربنا، كيف سنصل لبيوتنا؟.

كريم:           سنجد الطريق إلى بيوتنا، مهما بعدت المسافات عنها، لن نضل الطريق إليها. المهم أن نهرب منهم ونغادر هذا المكان.

ورود:          (بحسرة) اشتقت لبيتي ولمدرستي، ولأطفالي الصغار في الصف، لأصواتهم وهم يمرحون. اشتقت لكل شيء بعيدا عن هذا المكان.

نديم:            (يتنهد) كلنا مشتاقون، كلنا لنا حيوات كنا نعيشها، ولكن المسوخ حرمونا منها.

نداء:           حين أعود لبيتي سأكتب رواية عن ما حدث لنا، هي حكاية تروى، ولا بد أن نكون نحن أبطالها. لا ضحاياها.

يفتح البابان معاً في وقت واحد، يدخل مسخان يشبهان المسخ في الأعلى تماماً، وفي أيديهما أربع أطباق طعام، يقتربان، يضعان الأطباق على الأرض ويغادران. يركضون جميعاً باتجاه الصحون، مروة يبدو عليها الإحباط

مروة:          ألا يعرفون عددنا؟، نحن خمسة ولسنا أربعة.

كريم يقف يواجه المسخ1 في المستوى الأعلى

كريم:           هل فقدتم قدرتكم على الحساب؟، أين الذكاء الذي تدعونه؟، نحن خمسة، خمسة ونحتاج لخمسة أطباق وليس أربعة

ينتظر كريم الرد، لكن لا يسمع ردا

كريم:           تسمعني، أنا على يقين أنك تسمعني وتفهمني. هل ثمة معنى لما تفعلونه؟، الطعام لا يكفينا، ما تضعونه في الأطباق لا يكفي لشخص واحد فكيف يكفي خمسة.

ورود:          فلنأكل ما يوجد في الأطباق، أنا جائعة جداً. سنتقاسم الطعام فيما بيننا.

كريم:           (بغضب) نحن لسنا سجناء هنا لتقتروا علينا الطعام والهواء والماء.

تطفأ الأنوار فجأة وتضاء اللوحة الالكترونية ويضاء جسد المسخ1

المسخ1:       (بصوت شبحي) استمرار غضبك وتمردك يعني حرمانكم من طبق طعام.

كريم:           ما الذي تعنيه؟، الطعام لا يكفي

المسخ1:       خفف من غضبك وإلا جعتم كلكم

مروة تقترب من كريم وتمسكه من يده

مروة:          لا يا كريم، لا تعترض أرجوك، ولا تغضب، لا تحرمنا من الطعام

تقترب ورود منه ونداء أيضا، ويسحبانه إلى مقدمة المسرح

نداء:           لا تكن سببا في تجويعنا يا كريم

كريم:           أنا؟، هم السبب وليس أنا.

نداء:           لكن مصيرنا بأيديهم، هم من يطعموننا ويسقوننا، ألم تسمع تهديده؟

كريم:           هو يغلبنا بهذه الطريقة.

مروة:          نحن مغلوبون. لا نتوهم القوة والقدرة على التحمل. كريم أرجوك، دعنا نأكل ما قدموه لنا

ورود:          هو لا يكفينا

مروة:          سيكفينا، سيسد جوعنا. لن نطلب أكثر.

نداء:           سنتقاسم الطعام، تعال يا كريم.

نديم يقرب الكراسي لتكون دائرة، يجلس الخمسة على الكراسي، يأخذ كل واحد طبقا، يأكل منه ويعطيه من في جانبه، الذي يأكل مما معه ويعطيه لمن في جانبه ليأكل من الطبق الذي وصله، فنرى الأطباق تمر على الجميع بالتساوي بشكل دائري. تدور الأطباق حتى ينتهي الطعام منها. وبحالة من الفرح والانتصار يرمون الأطباق الفارغة في وقت واحد، تضاء اللوحة الالكترونية في الخلفية بطريقة هستيرية توحي بالغضب.

-إظلام-

المشهد الثاني

نفس المكان، الكراسي متوزعة على خشبة المسرح، والخمسة يجلسون عليها وهم نائمون كل واحد منهم في وضعية نوم مختلفة، اللوحة الالكترونية في الخلف مطفأة والمسخ1 يبدو هادئا. مروة تتحرك وهي على الكرسي، تحرك رأسها وتتمتم بكلام غير مفهوم، تبدأ اللوحة بالإضاءة، والمسخ1 يتحرك رأسه باتجاه مروة التي تستيقظ فجأة وعلى ملامحها الخوف

مروة:          (مفزوعة تنادي) رضاااا، رضا

تستيقظ نداء التي تنام بالقرب منها على الكرسي على صوت مروة، تقوم من كرسيها وتتجه لمروة

نداء:           مروة، مروة، ما بك؟

مروة:          (بفزع) رضا، رضا

نداء:           أكيد أنك كنت ترين كابوساً.

يستيقظ البقية من نومهم ويتجهون إلى مروة

مروة:          لقد سقط، كان يحاول أن يتشبث بيدي، لكنه فلت مني، وسقط في البحر (تبكي) كنا معا على قارب لكن الموج كان عاليا، قذفه بعيداً عني، آآه يا رضا يا حبيبي.

ورود:          إنه كابوس، أنت هنا ولم تبرحي هذا المكان. لا تقلقي

مروة:          (ترتجف خوفا) خائفة عليه، إنه ابني الوحيد ولا أعرف كيف هو حاله

نديم:            سيكون أفضل حالاً من حالك أكيد، لا تقلقي.

مروة:          (تبكي برجاء) أريد ولدي، هاتوه لي، أو خذوني إليه، فقط أحضنه، أقبله، أشمه. أريد رضا.

كريم:           رضا بعيد عن هنا، هو بأمان لأنه بعيد.

مروة:          خائفة عليه، خائفة

نداء:           (تحتضنها) اطمئني، ستعودين إليه ولن ينام إلا في حضنك.

مروة:          متى؟، طال بنا المقام هنا ولا نعرف متى سيفرجون عنا، لنعطيهم ما يريدون

ورود:          لا يا مروة، لن نعطيهم شيئاً، كيف نعطيهم مشاعرنا وخوفنا وقلقنا، فرحنا وحزننا؟

نديم:            وأحلامنا

كريم:           أتتصورين كيف ستكونين بدون كل ذلك؟، دون مشاعر، جسد كورقة شجر صفراء تطيرها الريح.

يصمت كريم قليلا

كريم:           أنا أفكر في أمر ما، لكن لا أدري إن كنت سأنجح أم لا

نديم:            لا تتهور، اخبرنا بما تفكر فيه

كريم:           سأخبركم، حين أتأكد بأني قادر على تنفيذه

مروة:          وسنخرج من هنا؟

كريم:           إذا نجحت سنخرج (يتنهد) أنا أيضا مثلكم، كلي شوق لزوجتي وأطفالي، ومرسمي ولوحاتي، أشتاق للحظة التي أمزج فيها الألوان لأخرج لونا جديدا أوزعه على لوحتي.

نديم:            ومن يهتم بالرسم الآن واللوحات؟، باتت اللوحات مجرد نسخ مطبوعة. جدران مستشفانا مليئة باللوحات، لكنها كلها نسخ بليدة.

كريم:           زاحمتنا الآلة، لو يدركون كيف يهب الرسام من روحه للوحته، لما شاهدنا كل تلك النسخ. الرسم فن إنساني مزدحم بالمشاعر، اللوحة تضج بالأرواح، بينما الآلات تنسخ بلا روح. بليدة كما وصفتها.

نديم:            (بنوع من الراحة) أنا لا أخشى على وظيفتي، لا يمكن أن يتدخلوا حتى في التشخيص والعلاج.

نداء:           من أوهمك بذلك؟، باتوا يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة. الكتابة، الرسم، التصوير، التصميم. كل شيء.

وورد:          (بقلق) حتى تعليم الصغار؟

نداء:           والكبار أيضا.

ورود:          لا يمكن، الصغار لا يمكن أن يتلقوا التعليم من آلات لا تبتسم، لا تضحك، لا تشعرهم بالأمان.

مروة:          أريد أن أخرج من هنا، ارجوكم أخرجوني، لا أريد البقاء. سأتنازل عن كل شيء لهم، فقط اتركوني أغادر. أريد طفلي وحياتي

تقف وتركض إلى اليمن كأنها تبحث عن مخرج وهي تصرخ

مروة:          (تصرخ) أريد طفلي، اريد موسيقاي وألحاني، اريد حياتي

تركض جهة اليسار وهي تردد

مروة:          افتحوا الأبواب لنا، لا نريد البقاء.. افتحوا الأبواب (تصرخ) افتحوا أيها المسوخ، خذوا ما شئتم، لكن افتحوا لنا الأبواب، خذوا حبي وكرهي، خذوا اشتياقي، خذوا انتظاري ولهفتي، لكن افتحوا الأبواب، خذوا أحلامي وكوابيسي، خذوا موسيقاي ونوتاتي، خذوا ما أردتم، لكن افتحوا الأبواب

تنهار وتجلس على الأرض وهي تبكي

مروة:          افتحوها أرجوكم اريد أن أعود لبيتي ولطفلي، وللموسيقى والأغاني

تقترب منها نداء وعلى وجهها يبدو الفزع

نداء:           لا تتنازلي يا مروة عن كل شيء.

مروة:          لا اريد شيئا سوى أن أترك هذا السجن. لا اقوى على الحبس في مكان قصي لا نعرف أين هو.

نداء:           اصمدي

مروة:          إلى متى؟، إلى أن يحين الأجل

تقترب منها ورود

ورود:          إلى أن نجد حلا للمغادرة.

مروة:          كيف؟، أنا لا بد أن أغادر لأني سأموت إن بقيت، لا أملك القدرة على الصمود

تبكي منهارة فتحتضنها ورود وهي تمسح على رأسها. تضاء أنوار اللوحة الالكترونية فجأة، ينتبهون لها، يبتعدون وعلى وجوههم بعض الخوف، يفتح البابان من اليمين واليسار ويدخل المسخان يقتربان من مروة وورد ونداء

المسخ1:       (من مكانه عن اللوحة الالكترونية وبصوت شبحي) أترغبين في المغادرة يا مروة؟

تقف مروة بلهفة

مروة:          نعم، افتح الأبواب لي. ارجوك

المسخ1:       سأفتحها، ولكن بشرط

تقف مروة وتواجه المسخ1

مروة:          قل شروطك، المهم أن أغادر هذا السجن

المسخ1:       تهبيننا كل ما نريد.

كريم:           لا، لن تفعل ذلك أيها المسخ المجرد من الملامح. لن تهبك ما تريد

ورود:          (وهي تمسك يد مروة) لا ترضخي له.

مروة:          بل سأفعل كل ما يريد، سأهبه كل ما يريده مني

نداء:           أتدركين ما يريده؟

مروة:          أدرك تماماً، أنا مضطرة لأن أضحي من أجل الخروج من هذا المكان، ما عدت قادرة على الاحتمال، أريد طفلي. أريد أن أشم هواءً نقياً، أريد أن اسمع موسيقى وأغاني. أريد أن أغمض عيني فتأخذني الألحان إلى عالم الأحلام. تعبت، تعبت من البقاء هنا.

نداء تمسك يد مروة لتمنعها

نداء:           (برجاء) أرجوك لا

تفلت من يدي نداء وورود وتقترب أكثر من المسخ1

مروة:          (بإصرار) أنا جاهزة، لكن تفتح لي الباب للخروج بعد أن أهبك كل شيء.

نديم وورد يبدو عليهما الإحباط، بينما كريم يقف في وجه مرة

كريم:           فكري ألف مرة، أتعرفين ما تقدمين عليه؟

مروة:          أعرف تماما

كريم:           لكنك تخونين عهدنا

مروة:          أي عهد؟

كريم:           أن نصمد معاً، أن نقاوم معاً

مروة:          لست بالقوة التي تجعلني أقاوم.

نداء تقترب أكثر من مروة وتمسك يدها

نداء:           فكري بابنك، ستخسرينه

مروة:          وجودي هنا هي الخسارة الأكبر

كريم:           بل استسلامك هو الخسارة الحقيقية، خسارة ستندمين عليها.. ولا أدري إذا كنت ستملكين شعورا بالندم لاحقاً، أم لا

نديم:            لا تضغطا عليها، هي من اختارت

كريم:           اختارت خطأً، لا بد من أن نصحح خطأها. قد لا تكن مدركة لاختيارها

نداء:           نحن نهتم لأمرها.

نديم:            لا أحد يهتم لأمرها أكثر منها.

كريم:           (باستغراب) ما بك يا نديم؟، نحن نحتاج أن نتقوى في وجه خيارها، لا أن نضعف وتيأس

مروة:          (باستسلام) لا أحد قادر على تغيير قراري. لست معتادة على الحبس، لذا سأفعل أي شيء من أجل حريتي، من أجل حضن طفلي

نداء تبدو مستسلمة، ولكن على وجهها ملامح الحسرة، كريم يقترب غاضبا من المسخ1

كريم:           (غاضب يصرخ) ما الذي تريده منا؟، اتركنا، اترك المرأة في حالها. حررها دون شرط. اتركها لطفلها

يتجه المسخان إلى كريم ويمسكانه، لكنه يقاومهما ويحاول الانفلات منهما، لكنهما يقيدانه بشدة، وسط خوف الجميع، يستخدم المسخ2 عصا كهربائية ويضعها في جنب كريم، يصعق كهربائيا يصرخ، ثم يغمى عليه، يرميانه جانبا، ومن خوف الجميع لا أحد يقترب منه. يمسك المسخان مروة التي يبدو عليها الخوف، ويضعانها على كرسيها، ثم يوصلان رأسها بالأسلاك الموصلة باللوحة الالكترونية وسط ذهول الجميع، وخوف مروة التي يبدو على ملامحها، ينتهي المسخان، يبتعدان. مؤثر موسيقي مناسب يتزامن مع إظلام وإنارة لوحة التحكم والأسلاك التي تربط مروة، نسمع لحظتها موسيقى على البيانو تختلط بأصوات مختلفة يتم تسريبها من رأس مروة، نسمع صوت طفلها

صوت الطفل: ماما، اشتقت لك، ماما أحبك

ثم صوت مروة

صوت مروة:  وأنا أحبك، تعال إلى حضني

تتواصل الأصوات المختلطة، صوت مروة وهي تعبر عن مشاعرها

صوت مروة:  (أصوات مسجلة مختلطة) أحبك.. اشتقت لك.. أحلم أن أكون.. سئمت.. أنا سعيدة..

جسد مروة يبدأ بالارتفاع عن الأرض وكأنه يحلق في الهواء، لكن يبدو أنها بلا مشاعر، فجسدها يبدو مجردا، الذهول واضح على وجوه الجميع. تتعالى موسيقى عزف على البيانو (هي معزوفات مروة) وجسد مروة معلقا في الهواء، لحظات ويسقط جسدها على الأرض كأنه جثة هامدة

-إظلام-

المشهد الثالث

نفس المكان، لا تغيير، في المنتصف تجلس مروة على الكرسي بملامح باهتة بعينين مفتوحتين تنظران للبعيد، بينما يجلس البقية على الأرض وعليهم يبدو الإحباط وهم ينظرون لبعضهم البعض ولمروة التي تبدو في عالم آخر.

ورود:          (بخوف) هكذا سنكون لو استسلمنا لهم؟

كريم:           (يتنهد) نعم، وأكثر، حذرناها. لا يمكن أن نأمن هذه المسوخ.

ورود:          لقد صارت جثة، كأنها لا تشعر

نداء:           لقد سلبوا مشاعرها. كيف ستشعر بحضن طفلها وهي بلا مشاعر

نديم:            ظنت أنهم سيهبونها حريتها مقابل ما سلبوه منها. كنت أفكر أن أتبعها، فأنا سئمت مثلها هذا السجن. لكني كنت أتراجع وأفكر، كيف أعود لعملي وأنا بلا مشاعر ولا أحاسيس، ربما يسلبون حتى كل ما تعلمته لسنوات طويلة لأصبح طبيبا في لحظة عبر هذه الأسلاك.

كريم:           كل ما يبتغونه هو أن يمتلكوا كل ما نملك، سرقوا منا وظائفنا ويريدون سرقة مشاعرنا وما تختزنه أدمغتنا من معرفة. تخيل أن تصبح بلا معرفة، ورقة بيضاء خاوية. أنا مثلك سئمت، واشتاق لكل ما أحبه، اشتاق لمرسمي ولوحاتي، وكوب قهوتي اليومي (يتنهد) رغم مزاحمة هذه المسوخ لنا، إلا أني كنت مصراً على أنهم لا يمكن أن يتقنوا الرسم كما يتقنه الفنان. نحن من نهب الروح للوحة.

ورود:          (بحزن) مسكينة مروة. كانت تظن أن استسلامها هو خلاصها. وفي لحظة ظننت أيضا أنها ستتخلص من كل هذا العناء. كنت أحسدها لخلاصها. كنت أقول: يا لها من محظوظة، ستتخلص من هذا الحبس وتعود لطفلها لتحتضنه. لكن بأي جسد تحتضنه، بهذا الجسد الطافي. مسكينة يا مروة.

نداء:           كلنا مساكين، لأنهم اختارونا دون غيرنا. الكاتبة، والرسام، والموسيقية، والطبيب، والمعلمة. وربما غدا يدخلوا غيرنا من سيئي الحظ، فهم جشعون ولن يكفيهم ما يسلبونه منا. يظنون أنهم قادرون على أن يحلوا محل البشر (بتحد) واهمون هم. نحن خلفاء الله في الأرض وما هم إلا صنيعة البشر.

كريم:           والبشر هم من مكنوهم منا.

نداء:           لا يمكن للمسوخ أن يتمكنوا منا، نحن الأقوى. أؤمن بقوة البشر على كل ما صنعه البشر.

ورود:          صاروا يزاحموننا في كل شيء. كنت أظن أنهم صنعوا لخدمتنا، نحن السادة وهم الخدم، نحن السلطة وهم الأتباع. لا يمكن أن نقبل أن نكون نحن الأتباع وهم السلطة والسادة.

نديم:            وما الذي نملكه لتعود سلطتنا وسيادتنا على هذه المسوخ. نحن مختطفون.

كريم:           نملك عقلا يفوقهم، هم مبرمجون. بينما نحن البشر من اخترعهم، نحن من أتينا بهم من العدم، من فكرة إلى واقع. أتظن أنهم يهزموننا. ستأتي الفكرة التي نتخلص بها من سجنهم.

تقف ورود وتتجه لمروة على كرسيها

ورود:          ما الذي فعلته يا مروة؟، محبطون صرنا بسببك، يائسون بتنا، كان يمكنك أن تصمدي أكثر، هزيمتك، هزمتنا (تتنهد) أنا خائفة، وجائعة، وحزينة، لا أدري كيف أفسر مشاعري الآن، كل مشاعري مختلطة.

نديم:            في الحقيقة إنه الجوع، نحن جائعون مثلك أيضا. نحتاج للطعام لنتقوى ولا ننهار. ثم أن ما يقدمونه لنا مجرد فتات لا يكفي.

كريم:           المهم، هو طعام وإن لم يكفنا.

نداء:           لا نعرف أي وجبة تكون، فقدنا الإحساس بالزمن، لا نعرف أنحن بالليل أو بالنهار. الطعام صار نفسه. لم يجربوا الذكاء الذي يدعونه في تجربة طعام آخر.

ورود:          وهل تظنين أن المسخ يمكنه أن يطبخ طعاما لذيذاً ومتنوعاً. هم بلا ملامح، وحتى ما يقدمونه لنا من طعام هو بلا ملامح. طعام ممسوخ مثلهم.

تتنهد ورود وتقترب منهم

ورود:          أنا مشتاقة لطعام المدرسة مع طلابي، مشتاقة لضحكاتهم، لطابورهم على نافذة المقصف. للعبهم في الفسحة. أشتاق لشطيرة جبنة

نداء:           هل تظنون أن أحداً يبحث عنا؟. لا ندري كم مضى علينا منذ اختطفنا

كريم:           أنا أكيد أن هناك من يبحث، لكن أين يبحثون، كأننا في المجهول أو في عالم غير عالمنا. غرفة موصدة ولوحة الكترونية ومسوخ تتحكم فينا.

صوت الباب ينفتح، ينتبه له الجميع، يقفون، يدخل المسخان وفي يديهما طبقان من الطعام، يضعانهما على الأرض ويغادران وسط استغراب الجميع

ورود:          يبدو أنهم أشفقوا علينا وأتوا بالطعام

كريم:           لم يأتوا سوى بطبقين، ونحن خمسة

نديم:            بل أربعة؟

نداء:           (باستغراب) أربعة؟، لكننا خمسة

نديم:            (يشير لمروة) ولم تعدينها معنا؟، إنها مجرد جسد لا يشعر

كريم:           لكن لا بد أن تأكل

نديم:            وما فائدة الطعام لها. أترى؟، حولوها لجثة بلا حراك.

ورود:          (باستياء) أمتأكد أنك طبيب؟

نديم:            نعم طبيب، ثم ما الذي تقصدينه بسؤالك؟

ورود:          لأن الطبيب لا يفكر مثلك، الطبيب يهمه الجسد، كيف لجسد لا يتغذى

نديم:            لكنه جسد ميت، جسد فقد كل مشاعره، حتى الشعور بالجوع فقده. كيف تجوعوننا من أجل جسد ميت؟.

كريم:           سنتقاسم الطعام في ما بيننا، هم أتوا بطبقين لنجوع أكثر، ونستسلم.

نديم:            نتقاسم الطعام بيننا الأربعة.

نداء:           (بغضب) ومروة؟.

نديم:            لا نصيب لها، انتهى أمرها. لن نجوع من أجلها. سيكون الطعام في الطبقين نصيبنا نحن الأربعة.

ورود:          أنا سأعطيها نصيبي، أو أتقاسم نصيبي معها.

نداء:           وأنا ايضاً

نديم:            وأنا أريد نصيبي بلا أي نقصان. ثم هي من اختارت. حاولنا منعها لكنها مصرة.

كريم:           (بغضب) لا يعني أن تجوع.

نديم:            بل لا يعني أن نجوع نحن. هذا كل ما لدي. قسموا الطعام فيما بيننا. وأريد نصيبي كاملا.

ورود:          أليس في صدرك قلب، أين إنسانيتك؟

نديم:            (بغضب) مرة تشككين في كوني طبيباً، والآن تشككين في إنسانيتي. أنا أدافع عن حقي في البقاء.

ورود:          وتتركها ميتة؟

نديم:            هي اختارت مصيرها. كان يمكنها أن تفضل المقاومة على الاستسلام للمسوخ.

نداء:           نحن بأمس الحاجة لأن نتكاتف، لأن نفكر معاً في طريقة للخلاص. وأنت تفكر في نفسك وحدك.

نديم:            هل ستنعتينني بالأناني أنت أيضا؟

كريم:           ما تفعله يا نديم أنانية. كيف تريدنا أن نترك من كانت برفقتنا، قاسمتنا مخاوفها وأحلامها، قلقها ومشاعرها، وفي لحظة نتركها كأنها لم تكن معنا في رفقة.

نديم:            ولو اخترت مصيرها ستفعلون بي مثل ما فعلت.

كريم:           مخطئ، أنت ترى الناس من خلال مرآتك. تظن أننا مثلك. لا يمكن أن نمضي دونك، كما لن نمضي دون مروة.

نديم:            ما الذي تريدونه مني الآن؟، فقط طالبت بكامل نصيبي. أأجرمت؟

نداء:           يكفينا جدالاً لن ننتهي منه على ما يبدو. أنا سأتولى إطعام مروة، على هذا الجسد أن يبقى، فربما نتمكن من استرجاع ما فقدته.

ورود:          وهل يعود ما مضى؟، هل ستعود كما كانت؟

كريم:           ربما نتمكن من ذلك.

نداء:           ليتنا نتمكن، أشعر بالأسى لأجلها.

نديم:            هيا لنأكل، فأنا أتضور جوعا (بسخرية) بعدها لتشعري بالأسى كيفما تريدين.

يقترب من طبق من الأطباق، ويقسمه لنصفين، يأكل نصفه الذي حدده ويبدو عليه الشعور بالقرف من الطعم. يترك الطبق على الأرض

نديم:            (على ملامحه الشعور بالقرف) ما هذا الطعم الرديء، كل مرة تزداد رداءة الطعم. 

كريم:           إنهم يختبرون صبرنا حتى في أبسط الأمور، الطعام.

ورود:          أهذا الطعام الذي تقاتل من أجله، تتنصل من إنسانيتك من أجله.

نديم يبتعد عن ورود ويبدو عليه الضيق، وينظر لمروة بنوع من الشفقة التي يحاول أن يداريها عن البقية، تعطي ورود لنداء الطبق التي تأخذه بضيق، تنظر له، ثم تعيده لورود وتهز رأسها سلبا. يأخذ كريم الطبق الذي تركه نديم إلى نداء

كريم:           جربي أن تعطيه إياها.

نداء:           وأنت؟

كريم:           (بضيق) لا أشعر برغبة في الطعام.

نداء:           وأنا مثلك. لم يعد لي شهية للطعام.

ورود:          أنا جائعة، ومع هذا زهدت في هذا الطعام. أفضل أن أبقى جائعة على أن آكل هذا الطعام.

كريم:           المهم أن تطعما مروة. لا بد أن يبقى جسدها قويا وقادرا على الخروج من هنا.

ورود:          أتظن أن الأمر سيكون سهلا؟

كريم:           جربا، ربما تستجيب للطعام.

نداء:           يفترض أن يتركها المسخ ترحل، هو وعدها

كريم:           وكيف ستخرج وهي بهذا الحال؟، من الصعب عليها الخروج. لا بد أن تستعيد ما سلب منها.

نديم:            هي لا تشعر الآن أين تكون، لا تشعر من تكون أيضا، فقدت كل شعورها تجاه ما حولها، حتى اشتياقها لطفلها الذي ضحت من أجله، سلب منها. الاتجاهات سلبت، الوقت سلب. نحن لا نريد أن نكون مثلها.

ورود:          (بسخرية) أنت مثلها دون ان يسلبك المسوخ أي مشاعر، أنت بلا مشاعر أصلا.

نديم:            لمَ كل هذه القسوة؟، فقط لأني طلبت نصيبي كاملا من الطعام؟

نداء:           بل لأنك تعاملت مع مروة كجسد انتهى.

نديم:            هذا ما نراه. جسد لم يتحرك منذ رماه المسوخ على الكرسي. هل تريدين أن أكذب وأقول أنها جسد يضج بالحياة، جسد بروح؟

ورود:          تسلبها حقها في الطعام؟.

نديم:            سأرى كيف ستقدمون الطعام لها. هي لا تشعر بحاجتها للطعام، هي لا تشعر بكل ما حولها.

بتحد تتقدم ورود ونداء تجاه مروة على الكرسي ومعهما الطبقان. يحاولان تعديل جلستها، يفتحان فمها، ويحاولان إدخال الطعام إلى فمها بصعوبة، هي لا تحرك اسنانها ولا تمضغ الطعام. يبدو على ورود ونداء الإحباط، تبكي ورود

ورود:          ما الذي سنفعله؟، كيف نجعلها تتناول الطعام، ستموت إن لم تأكل

نداء:           لا بد أن نجد طريقة لمساعدتها. كأنها في غيبوبة، هم سلبوا مشاعرها، لكن هل سلبوا حواسها ايضاً؟

كريم:           لا أظن، هم لا يريدون إلا المشاعر والأحلام، ربما لاحقا يقررون سلب الحواس.

ورود:          ما الذي حدث لها إذاً، لمَ هي بلا حواس؟

كريم:           ربما الصدمة، وستعود لاحقا لوعيها.

نداء:           وربما لا، ما الذي يؤكد على عودتها لوعيها (بحسرة) لم فعلت بنفسك هذا يا مروة؟. هم ينتظرون لحظة استسلامنا.

تضاء اللوحة الالكترونية لحظتها، ينتبهون لها جميعا، ويراقبون جهة اللوحة والمسخ1 الذي يبدو أنه سيكلمهم

المسخ1:       (بصوت شبحي) بالتأكيد، وهذا ما سيحدث، ستسلمون جميعاً.

كريم:           لن نستسلم. سنقف في وجهك.

المسخ1:       أنتم البشر لا تتحملون طويلاً، ستجوعون وتسأمون، ثم تسلمون.

نداء:           يبدو أنك لا تعرف البشر بشكل جيد.

المسخ1:       وهل تخفي علي طبيعتكم، أطباعكم؟، ستيأسون سريعاً.

ورود:          لن نيأس.

المسخ1:       سنرى من ينتصر أخيراً. ستصبحون مثلها كلكم.

كريم:           ما الذي تريدونه منا؟.

المسخ1:       كل شيء، أن نفكر مثلكم، نشعر مثلكم، نقرر مثلكم، أن نكون نحن السلطة الأعلى على هذا العالم.

نديم بغضب يتجه للمسخ1

نديم:            (غاضبا) لن تكونوا سلطة علينا أبداً. أنتم مجرد برمجيات أخترعها البشر، والمصنوع لا يمكن أن يكون سلطة على الصانع.

المسخ1:       هذا ما تظنه، لكن الحقيقة مختلفة. سنكون سادة العالم قريبا، وقريبا جدا. ستهبنا كل ما عندك. كل ما عندكم.

نديم:            واهم أنت أيها المسخ، لا سادة على هذا العالم سوى البشر. ما تفعلونه مجرد تمرد أهوج على من اخترعكم، ولن يستمر تمردكم طويلا.

المسخ1:       تمردنا سيطول، ويطول، ما عاد العالم يتسع لنا جميعا، إما نحن، أو نحن

كريم:           بل نحن، نحن من اتسع لنا هذا العالم، ومن سيتسع له أبداً

نداء:           سننهي تمردكم. سنعيد كل ما سلبتموه.

المسخ1:       تتوهمون الانتصار

ورود:          (بتحد) متيقنون منه. يقيننا أكبر من أن يتصوره مسخ مثلك.

المسخ1:       أنا القوة هنا وأنتم الضعف، أنا القوة وإن كنت مسخاً، وأنتم الضعف وإن كنتم بشرا

كريم:           بل نحن القوة وأنت الضعف، نحن الحقيقة وأنت الوهم

يقفون جميعا بشكل متحد، يتمسكون بأيدي بعضهم البعض، ينظر كريم لنديم الذي يقترب منه ويمسك يده، ورود تمسك بيد مروة

الجميع:        (بصوت واحد) نحن القوة وأنت الضعف، نحن القوة وأنت الضعف، نحن القوة وانت الضعف

تتغير ألوان انوار اللوحة الالكترونية، تتسارع تغيرات الألوان كأن اللوحة والمسخ1 في حالة غضب، بينما يتمسك الجميع ببعضهم البعض وغضب اللوحة الالكترونية يتصاعد عبر الألوان التي تتسارع كأنها نبضات، فجأة يتعالى صوت شبحي غاضب

المسخ1:       (بصوت عال وغاضب) نحن الأقوى

تستيقظ مروة من غيبوبتها فجأة وتصرخ

مروة:          (تصرخ) رضااا

الجميع ينظرون مذهولين لمروة

-إظلام-

المشهد الرابع

نفس المنظر، كريم ونديم وورد ونداء يسندان مروة التي تنظر يمينا ويسارا ويبدو عليها الخوف

ورود:          شكرا يا نديم، ظننا أنك خنتنا.

يبدو على ملامح نديم الخجل

ورود:          ما الذي غيرك بسرعة؟، كنت ترفض أن نقدم لها حصتها في الطعام.

نداء:           هل حركت مشاعرك؟

نديم:            بل حركت إنسانيتي، أنا طبيب ولا يمكن أن أتركها.

ورود:          وماذا عن الجسد الذي لم يتحرك منذ رماه المسوخ على الكرسي؟، أليس هذا رأيك في مروة.

نديم:            لا تلوموني، كان الخوف والقلق من الموت، الرغبة في البقاء، الصراع من أجل أن نتجاوز هذا الاختبار العصيب بكل يسر، كل هذا ما دفعني لأن أقول ما قلته.

كريم:           أخفتنا يا نديم، لم يكن الوقت مناسبا للصراعات والتقاتل من أجل الطعام الشحيح الرديء الذي يرمونه لنا، طعام بلا طعم ولا رائحة، بلا ملامح مثلهم.

ورود:          الطعام الذي يحاربوننا به. إنه سلاحهم لكسرنا.

نداء:           المهم أن مروة ما تزال بخير.

كريم:           يبدو أنهم لا يملكون القدرة على سلب كل شيء.

نديم:            لم ينجحوا بسلب كل مشاعرها. ما زالت تملك الخوف، الكوابيس، الأحلام.. لن ينجحوا معنا. هذا أول انتصار لنا عليهم.

نداء:           فعلا، يبدو أن ما اعتقدنا أنه انتصار علينا، كان مجرد وهم.

كريم:           أو أنهم أوهمونا بالانتصار والقدرة على سلبنا.

ورود:          (تبتسم بحماس) يعني أن هناك أمل في أن نغادر هذا السجن.

كريم:           قلت لكم، لا بد أن تتشبثوا بالأمل فهو الشمعة التي تضيئ العتمة. ونحن نحتاج للضوء

مروة تتنفس بعمق، ينتبهون لها

مروة:          (وهي تتنفس بسرعة) أريد رضا

نداء:           (وهي تحتضنها) ستعودين إليه. سينتهي كل هذا الكابوس. سنصحو منه، وننساه، لن نتذكره حتى.

مروة:          أريد طفلي، لا أريد سوى طفلي

ورود:          اصبري، ستعودين لكل حياتك السابقة. ستنسين (لنديم) هل أنت متأكد أنها بخير يا دكتور نديم؟

نديم:            على ما يبدو أن صحتها على ما يرام. إنها تشتاق لطفلها. هم لم ينتزعوا منها الشوق.

كريم:           (لمروة) مروة، أسمعيني؟

مروة:          (وهي ترفع رأسها جهة كريم) نعم يا كريم

كريم:           أتذكرين ما حدث لك؟، أقصد حين وضعوا الأسلاك على رأسك وبدأوا بسلبك كل مشاعرك

مروة:          قاومت، استسلمت في البداية، لكن حين بدأوا عملهم، شعرت بأنني سأخسر كل شيء، طفلي وحياتي وعالمي. قاومت، قاومت بكل ما أملك، ظللت أقاومهم، أقاوم ذلك التيار الذي استشعرته في كل خلايا جسمي، قاومه جسدي وروحي ومشاعري. قاومته بالأمل، بالنور الذي كنت أبحث عنه ونحن في هذا النفق الطويل. قاومته بصورة طفلي وهو يمد لي يديه منتظرا حضني

يبتسمون ويوزعون لبعضهم النظرات

ورود:          (بفرح) هذا يعني أننا أقوى.

نداء:           مشاعرنا أقوى، شوقنا، انتظارنا، لهفتنا، مقاومتنا، أقوى.

كريم:           إذا عرفنا مصدر قوتنا كبشر، هو سلاح يمكننا أن ننتصر عليهم به ونخرج من عتمتهم.

نديم:            ليتهم اختاروا مبرمجا معنا، لعرف أسرارهم أكثر واستطاع أن يلج إلى تلك اللوحة الملعونة.

ورود:          ألا يعرف أي منكم للبرمجة؟.

كريم:           لا، انا لا أعرف، أنا رسام وحياتي قضيتها بين اللوحات والألوان، الألوان الحقيقية التي أمزجها على لوحة الألوان. وليست الألوان التي تصنعها الحواسيب والبرامج. هذا كل ما أعرفه.

نديم:            وأكيد أنا لا أعرف، أنا طبيب

نداء:           ولا أنا

ورود تهز رأسها محبطة

كريم:           لا بد أن نخرج من هنا.

نداء:           نحتاج للتفكير أكثر في الطريقة التي يمكن بها أن نغادر.

ورود:          لو كنا نملك أسلحة لهاجمناهم.

كريم:           ولكننا لا نعرف كيف تستعمل الأسلحة، نحن فنانان، كاتبة، معلمة أطفال وطبيب. أسلحتنا ما نعطيه للناس من علم وفن وجمال.

نداء:           وما نفع العلم والفن والجمال في مواجهة شراسة هذي المسوخ؟

نديم:            ستنفع. حين نجد الحل. سترين العلم كيف يجد الحل.

ورود:          والجمال كيف يخلصنا.

مروة:          (بحزن) هل تظنون أننا نُسينا؟، ألن يسأل عنا أحد؟، ألن يشعر بغيابنا أحد ليبحثوا عنا ويجدوننا هنا؟

كريم:           أنا على يقين أن أهلي يبحثون عني، أولادي وزوجتي، أصدقائي، إخوتي

ورود:          طلابي، زوجي

نداء:           أمي، وأبي، لا يمكن أن لا يستشعروا غيابي.

مروة:          هل يبحث طفلي عني؟.

نديم:            والشرطة تبحث أيضاً، سنخرج ونرى ما الذي شكله غيابنا.

مروة:          هل سيجدوننا ويخرجوننا؟.

تضئ اللوحة الالكترونية، تغير ألوان الإضاءة، ينتبهون لها

المسخ1:       (بصوت شبحي) ما تقولونه مجرد كلام، لن يجدكم أحد. أنتم في الغياب الذي لن تعودوا منه.

يبدو الخوف يتسرب إلى ملامحهم، ينظرون لبعضهم البعض نظرات دهشة

المسخ1:       لقد اخترناكم وأتينا بكم إلى هنا، لا لتعودوا، بل لتستلموا وتهبونا ما نريد.

كريم:           لكننا لن نهبك ما تريد

المسخ1:       بل ستهبنا أنت أولا وقبل أي أحد.

كريم:           (بتحد) سنرى، نفسي طويل جداً، ولدي قدرة على البقاء.

المسخ1:       لست أبقى منا. نحن الآن المسيطرون، هناك من ينتظر في الخارج.

ورود:          ومن ينتظر؟

المسخ1:       من استفادوا من قصصنا وحكاياتنا وكتابتنا ورسوماتنا وموسيقانا، ينتظرون أن نقدم لهم الأحلام والمشاعر.

نديم:            الناس ليسوا بحاجة لمسوخ ليقدموا لهم كل ذلك. هم يملكونه

المسخ1:       تعطلوا، لم يعودوا قادرين على الإبداع، وصاروا يعتمدون علينا في كل شيء.

تقف مروة متحدية

مروة:          إلا المشاعر، حتى لو تمكنتم، ستكون مشاعر مشوهة، مشاعر ممسوخة كوجوهكم، المشاعر لنا نحن البشر، الحب لنا، اللهفة لنا، الحزن، الفرح.

المسخ1:       سنكون قادرين على أن نشعر ونهب الآخرين مشاعرا كما وهبناهم كلاما وقصصا وموسيقى.

نداء:           (تصرخ) لا، لن تكونوا قادرين، أنتم مسوخ، مسوخ لا تفكر ولا تشعر، لا تفعل سوى ما أمرتم به. أنتم مسوخ لا يمكنكم أن تغلبوا البشر وإن توهمتم انتصاراتكم.

تتلون اللوحة الالكترونية بألوان مختلفة دلالة الغضب. بينما يتحرك نديم وكأنه يبحث عن شيء ما حوله، ينتبه له كريم، يشير له بأن يهدأ، كريم يراقب نديم الذي يجد طبقا من أطباق الطعام مدسوسا، تبدو الدهشة على كريم

ورود:          (بخوف) يبدو أنه غضب منا ومن تحدينا له. أنا خائفة من ردة فعله وغضبه

نداء:           لا تخافي، لن يتمكنوا منا، أدركنا أين تكمن قوتنا وأين يكمن ضعفهم.

ورود:          قد يفكرون في خطة جديدة أكثر قسوة من التجويع والسجن.

مروة:          لن يكون هناك أقسى مما حدث. لن نجوع أكثر.

كريم يراقب نديم ويشجعه على ما يفعله، حيث يحاول نديم التسلسل إلى اللوحة وفي يده الطبق، يفتح الباب فجأة ويدخل المسخ2 والمسخ3 ويتجهان بسرعة نحو نديم، ينتبه لهما كريم، ويهجم عليهما ليمنعهما من الوصول لنديم، يكمل نديم طريقه للوحة، تقف مروة، وتهجم أيضا على المسخين وهي تصرخ

مروة:          (تصرخ) اتركاه، اتركاه

تهجم نداء وورد أيضا على المسخين بينما يصل نديم للوحة والمسخ1 وفي يده الطبق

نديم:            سينتهي الأمر، نحن البشر دوما الأقوى.

يهجم نديم على اللوحة يضربها بالطبق، ثم يتوجه للمسخ1 ويضربه بكل ما أوتي من قوة بالطبق، بينما ما يزال الصراع قائما بين كريم وورد ونداء ومروة والمسخين، يتمكن الأربعة من التغلب على المسخين، بينما يكمل نديم الضرب بكل قوته لتكسير اللوحة. يتمكن من تكسير بعضا من اللوحة الالكترونية، المسوخ الثلاثة يبدون بلا حراك، ينظر الأربعة إلى بعضهم ثم إلى نديم

مروة:          (بفرح) تمكنا منهم، تحررنا.

كريم:           (مصدوما) كيف حدث الأمر بكل هذه السهولة؟، كان يمكن أن نفعلها سابقا بدل كل هذا العذاب.

نداء:           أيعقل أننا انتصرنا، أم أننا نحلم؟

نديم:            (بفرح) بل انتصرنا، نحن الواقع وهم الحلم، بل الكابوس الذي صحونا منه.

ورود:          سنعود لبيوتنا

مروة:          (بفرح) سأرى طفلي

تنتبه مروة للباب المفتوح من جهة اليمين

مروة:          الباب مفتوح

نداء:           (تشير للباب الآخر على اليسار) وهذا مفتوح

ورود:          هيا لنهرب من هذا المكان

كريم:           من أي باب نهرب؟

نداء:           (تشير لليسار) من هذا؟

مروة:          ولم لا يكون من هذا (تشير للباب الأيمن)

ورود:          أكيد أن كلاهما يفضي لذات المكان، لا فرق

كريم:           (بنوع من القلق) وماذا لو كان كل باب يفضي لمكان آخر؟

نديم:            نتقاسم البابين، كل مجموعة تهرب من باب

مروة:          وما الذي يضمن أن لا تتوه مجموعة وتتمكن أخرى من الهرب؟، نهرب كلنا، اقترح أن نجرب كل باب جميعنا.

نداء:           أنا مع هذا الاقتراح، يجب أن لا نتأخر (لنديم) هيا نديم، انزل بسرعة، لا وقت للتفكير

ينزل نديم بسرعة، يستعدون للهروب، لكنهم يبدو عليهم التردد بين البابين.

كريم:           من أي البابين نبدأ؟

ينظرون جميعا للبابين بالتناوب، لكن يبدو عليهم التردد

نداء:           نجرب هذا أولا (تشير لليسار)

مروة:          ولم لا نبدأ بهذا؟ (تشير لليمين)

ورود:          علينا أن نقرر أي البابين.

كريم:           ومن يقرر؟، نحن نختلف الآن

نديم:            قرروا كما قررت أنا تحطيم اللوحة، وقبلها قررت أن أخبئ الطبق دون أن ينتبه له أحد. لا وقت لدينا

كريم:           ورود، قرري أنت وسنتبع قرارك.

مروة:          ولماذا ورود؟، لماذا ليس أنا من يقرر

نداء:           أو أنا.

ورود:          (تصرخ) يكفي، علينا أن نقرر. سنذهب من جهة هذه الجهة (تشير لليمين) وسنرى.

كريم:           هيا إذا، سنخرج من هنا

يغادرون من جهة اليمين جميعا، لحظات وتسمع أصواتهم من الخارج

صوت كريم:  لا ممر للخارج من هنا.

صوت نديم:   يبدو أننا اخترنا الطريق الخطأ، علينا أن نعود، الباب الآخر هو الصحيح.

صوت نداء:   حدسي كان يقول لي أن الباب الآخر هو باب المغادرة. بسرعة

لحظات ويدخلون جميعا للمسرح من الباب الأيسر، ينتبهون للأمر ويبدو عليهم الصدمة

كريم:           دخلنا من هناك فكيف عدنا من الجهة الأخرى؟

نديم:            أمتأكد أنت؟

نداء:           أكيد، ما الذي يحدث؟، كيف عدنا للمكان من الباب الآخر. يبدو أننا نشعر بالدوار

ورود:          كلنا؟، يمكن أن يشعر أحدنا، لكن ليس صحيحا أن نشعر كلنا بالدوار معاً. أنا متأكدة أننا دخلنا من الباب الآخر.

كريم وهو ينظر للبابين بشكل متوالي

كريم:           سأعود من نفس الباب الذي دخلنا منه، وسأرى ما يحدث

كريم يتجه للباب في الجهة اليسرى، يتردد قليلا، ثم يخرج منه، يترقب الجميع خروجه من الباب نفسه، لكن لحظات ويخرج من الباب الأيمن، ينتبه للأمر ويبدو عليه الصدمة، ينتبه الجميع له مصدومين

نداء:           أين نحن، ما الذي يحدث لنا. أي سجن هذا؟

كريم:           لا أستطيع تفسير ما يحدث، نحن في دائرة مغلقة

نديم:            أيعني ألا فائدة مما فعلناه؟. ألا يوجد طريق للهروب؟

مروة:          أيعني أنني لن أعود لطفلي؟

كريم:           (محاولا تهدئتها) ستعودين، إهدئي، لنفكر قليلاً، أكيد أن هناك طريقة للخروج

ورود:          (بعصبية) وأين الطريق هذا؟، لا مخرج، لا مخرج.

كريم:           ما الذي يحدث لنا. أين نحن بالضبط؟، أي سجن هذا. كيف نتخلص من هذا السجن. أيها المسوخ اللعينة، لماذا نحن هنا، ولماذا نحن دون غيرنا.

نديم:            افتحوا لنا الأبواب. حررونا

مروة:          (تبكي منهارة) أخرجونا، يكفي، يكفي لعبا بنا

ورود:          (تصرخ) اخرجونا، اخرجونا أرجوكم

نديم:            (منهارا) أيكون ما فعلته خطأ؟، أأكون أنا السبب؟

يجلسون على الأرض منهارين يائسين.. لحظات وتعمل اللوحة الالكترونية، تضاء أنوارها، يقوم المسخان فجأة من على الأرض، يعتدل المسخ1 في مكانه وكأن شيئاً لم يحدث، يصدم الجميع بما يجري، خائفون يتكتلون على بعضهم.

المسخ1:       أتظنون أن هزيمتنا سهلة؟، لا يمكن أن تهزمونا. ستخضعون لنا ودون مقاومة.

يتجه المسخان ناحية المجموعة، ويبدو الخوف واضحا عليهم، ثم إظلام.. لحظات وعلى صوت مؤثر موسيقي مناسب، تفتح الإضاءة فنشاهد الخمسة على الكراسي والأسلاك موصولة برؤوسهم. الأسلاك تضاء وكأنها تنقل إشارات من أجسادهم إلى لوحة اللوحة الالكترونية، ولكن نلاحظ أن ملامحهم تشي بالمقاومة والرفض.

انتهى

23 يناير 2024

أضف تعليق

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑