إمبراطورية منخوليا

الشخصيات

مانخوليا: اسمه الأصلي غانم، في نهاية العشرينيات

مريض1 (داود): ثلاثيني، يبدو ظاهريا شخصا متزنا رغم جنونه.

مريض2 (قاسم): ثلاثيني، شخصيته ضعيفة ولا يملك قراراً

مريض3 (نادر): أربعيني، يملك شخصية لكن شخصيته أضعف مقابل داود

الطبيب: الدكتور عامر خمسينيطبيب الأمراض العقلية

ممرضة صفية: ثلاثينية جميلة وذكية جدا

ممرضة هدى: ثلاثينية ممتلئة وتتوق دائما لأن تحل محل صفية ولا تحبها.

عساكر:

رجلا أمن:

الفصل الأول

المشهد الأول

الفضاء فارغ، بلا أي قطعة ديكور، فلا معالم واضحة للمكان، فقط نرى بالخلف شاشة بيضاء كبيرة تتصدر عمق المسرح. نسمع في الخارج صوت موسيقى عسكرية، وصوت مارشال يقترب، يقترب الصوت أكثر وأكثر، نرى على الشاشة لقطات منوعة لعساكر وجيوش، لحظات ويدخل منخوليا (غانم) وهو شاب في نهاية العشرينات بلباس عسكري يتقدم عدداً من العساكر الذين يرتدون ملابس عسكرية شبيهة بما يلبسه منخوليا، يذرع منخوليا والعساكر المكان جيئة وذهابا على صوت الموسيقى العسكرية. تتوقف الموسيقى العسكرية ومنخوليا يقف في منتصف المسرح وخلفه العساكر يصطفون صفا واحد

منخوليا:         (بصوت جهوري) استعد

يستعد العساكر بملاصقة أرجلهم التي يسمع صوتها على الأرض بإيقاع واحد

منخوليا:          استرح

يفرج العساكر أرجلهم بإيقاع واحد، يكرر منخوليا الحركة

منخوليا:         استعد.. استرح.. استعد.. استرح

يدخل ساعتها قاسم راكضا وهو يرتدي الملابس العسكرية، ويتجه إلى منخوليا الذي ينتبه لقاسم

قاسم:             (وهو يلهث) كل شئ على ما يرام يا سيدي، لقد أمنا الحدود، لم يعد ثمة خطر يهددنا

منخوليا:         أحسنت يا قاسم، لهذا عينتك وزيرا للحدود، يروق لي إخلاصك. علينا الانتهاء من قراءة البيان، حتى يستقر كل شيء.

قاسم:             داود ونادر قادمان، اطمئن يا سيدي، نحن مستعدون تماما.

منخوليا:         أبليتم معي بلاء حسنا، أنتم (يشير للعسكر) وهؤلاء تستحقون مكافأة كبيرة

قاسم:             (يبتسم) شكرا لكرمك يا سيدي.

يدخل لحظتها كلا من نادر وداود وهما يرتديان ملابسا عسكرية تشبه ما يلبسه الآخرون، يقتربان من منخوليا

داود:              سيد غانم، انتهى كل شئ. يمكنك أن تقرأ بيانك.

نادر:              (يخرج ورقة من جيبه) هنا تجد البيان، راجعه أولا قبل أن تقرأه.

منخوليا:         ولماذا أقرأ بيانا مكتوباً، أنا قادر على الارتجال أمام الناس. ثم أن لا أحد يمكنه أن يعبر عما في داخلي أكثر مني.

نادر:              أمتأكد أنت يا سيدي؟، الورقة ستحميك من الارتباك في محضر شعبك.

منخوليا:         (بثقة) مثلي لا يرتبك يا نادر، صحيح أني عينتك وزيرا لي، وزير الأخبار، لكن لا يعني هذا أن تشكك في قدراتي

نادر:              (محرجا) أنا.. لا أشكك يا سيدي.. فقط

منخوليا:         (يقاطعه) انتهى، سأرتجل كلمتي

داود:              قبل ذلك يا سيدي، علينا الاتفاق

منخوليا:         (باستغراب) على ماذا؟، كل أمورنا على ما يرام

داود:              إلا الاسم

قاسم:             نعم، لم نختر الاسم بعد

منخوليا:         الاسم؟، لم أتصور أننا سنحتاج إلى اسم

ينظر قاسم وداود ونادر لبعضهم البعض باستغراب

منخوليا:         وهل هو ضروري؟

نادر:              أكيد، ما الذي ستقوله للناس، أين هم، ولمن ينتمون؟، لا بد أن يكون هناك اسم ينتمون له.

منخوليا:         نبحث عن اسم إذاً، ماذا تقترحون؟

قاسم:             أنا اقترح أن يكون الاسم نابعا من القيم التي نؤمن بها، ولأجلها انتصرنا.

داود:              يبدو الاقتراح جيدا.

منخوليا:         سأترككم تختارون، تشاوروا، ابحثوا عن اسم يليق، لا بد أن يليق، فكل ما فعلناه يستحق.

نادر:              (بحماس) وجدتها، نسميها امبراطورية الأمل

منخوليا:         اسم مستهلك، لا، ابحثوا عن اسم آخر

قاسم:             العدالة

يهز رأسه معترضا

داود:              المساواة

يهز رأسه معترضا

نادر:              السلام

يهز رأسه معترضا، ثم وبكل حماس

منخوليا:         (بحماس) أنا وجدتها، وحتى أنهي كل هذا الجدل، سأسميها..

تتوجه كل نظرات الترقب إلى منخوليا، نظرات قاسم، داود، نادر والعسكر

منخوليا:          سأسميها

الجميع:           (بصوت واحد) ماذا ستسميها؟

منخوليا:         (بحماس) امبراطورية منخوليا العظيمة

الجميع:           (بصوت واضح وبإحباط) لا

منخوليا:         (باستغراب) ولمَ لا؟، امبراطورية منخوليا

نادر:              ما هو المنخوليا يا سيد غانم؟، اسم غريب

قاسم:             من أين جئت بهذا الاسم؟

داود:              سيد غانم، كأني أعرف معنى هذه الكلمة، نعم أعرفها.. اسم لا يليق بامبراطوريتنا

منخوليا:         بل يليق، ومن الآن وصاعدا، اسمي الامبراطور منخوليا

قاسم:             يا سيد غانم

منخوليا:         (بإصرار) بل قل الامبراطور منخوليا، أفهمت يا قاسم؟

قاسم:             منخوليا، الامبراطور منخوليا.. لكن من يكون منخوليا؟

منخوليا:         أنا

قاسم:             وغانم؟

منخوليا:         أنا أيضا

قاسم يبدو غير مستوعب

قاسم:             أنا لم أفهم شيئا

داود:              سيدي أتعرف أن الاسم قد يؤخذ بمعنى غير الذي نخطط له، ماذا سيقولون؟، منخوليا، أي امبراطورية تلك التي يحكمها امبراطور اسمه منخوليا واسمها منخوليا؟

منخوليا:         وما الذي يعيب اسمي، أمي كانت تسميني منخوليا، كانت تقول كلما تشاقيت، إيه يا فتى، انت فعلا منخوليا، اعجبني الاسم، ظل القريبون مني جدا يسمونني به، للتسلية والضحك، يمازحونني (يضحك) ولم أنسه أبدا وحلمت باللحظة التي أقول لكل الناس وبكل فخر، أني منخوليا

نادر:              (بإحباط) منخوليا.. منخوليا، لا يمكن يا سيدي، لنختر اسما آخرا للإمبراطورية.

منخوليا:         لا اسم يعلو فوق اسم منخوليا، لن أسألكم أنتم، عسكري الطيبون هم من سيجيبونكم..

يدور للعساكر

منخوليا:         ما رأيكم ايها العسكر باسم امبراطوريتنا.. منخوليا

العساكر:         (بصوت واضح) اسم فخم يا سيدي

منخوليا:         (سعيدا) أسمعتم، فخم، عبروا بشكل أنيق، أكثر أناقة من تعابيركم، فخم.. إذا منخوليا امبراطور منخوليا العظيمة سيقرأ بيانه الأول

إظلام

المشهد الثاني

في الاظلام يسمع صوت هتاف جمهور عريض، يضاء المسرح على منصة مرتفعة يقف عليها منخوليا بلباسه العسكري وخلفه يقف قاسم ونادر وداود والعساكر وعلى الخلفية البيضاء فيديوهات لبشر يحتشدون في مكان ما (فيديوهات من اليوتيوب للألمان وهم يستمعون لهتلر مثلا).. يقف منخوليا شامخا على المنصة، ينظر يمينا ويسارا بكل ثقة

منخوليا:         (يتنحنح) احم، أحم.. أيها الشعب الكريم، اسمحوا لي في هذا اليوم، اليوم العظيم الذي تغير فيه وجه هذا العالم، وما عادت هناك حدود، فقد كسرنا كل الحدود، صار العالم كله واحد، تحت اسم امبراطورية منخوليا العظيمة

يصمت قليلا، ينتظر التصفيق، يفطن نادر للأمر فيبدأ التصفيق، يصفق الجميع ونسمع تصفيقا مسجلا من الخارج أيضا. يشير نادر بيده ليتوقف التصفيق ويكمل

منخوليا:         يا شعبي الكريم، أخبركم بكل الحب أننا انتصرنا على الاعداء، ولم يبق ما يهدد صفو الامبراطورية العريضة، الامبراطورية التي هي كل العالم، فنحن صرنا شعبا واحدا

تصفيق يشارك فيه الجميع، يبتسم منخوليا لهم سعيدا

منخوليا:         سوف يعم عالمنا السلام، لن يكون هناك فقر، ولا جوع، ولا خوف، سيكون الكل متساو في الحقوق والواجبات، نحن لم نقم بما قمنا به ونصنع هذا الانجاز إلا لنحقق هذه المبادئ. كلكم سواسية، مثلكم، مثل وزرائي، مثلكم، مثل عسكري، مثلكم، مثل منخوليا، امبراطوركم

تصفيق ونسمع صوت تصفيق ايضا من جمهور غير مرئي، بينما قاسم نادر وداود ينظرون لبعضهم البعض

منخوليا:         في امبراطورية منخوليا العظيمة، لا سجون، لا شرطة، لا حراسة، فالأمن هو السائد فيها، سيختفي اللصوص والمجرمون، فلن يكون أحد بحاجة للسرقة ولا للإجرام. لن تكون هناك حاجة، ولا فقر ولا عوز. فأنتم ستكونون جميعا شركاء في واردات إمبراطوريتنا. فهي منكم وإليكم، والسلام عليكم

تصفيق ويبدو على الثلاثة داود وقاسم ونادر الحرج

قاسم:             هل انتهى البيان يا سيد غانم، قصدي منخوليا؟

منخوليا يحيي بإيماءة من بيديه، وينزل من المنصة على صوت تصفيق من الجماهير على الشاشة

داود:              يا سيد منخوليا، هناك أمر نسيناه

منخوليا ينظر مستفهما لداود

داود:              السلام الوطني لإمبراطوريتنا العظيمة؟

منخوليا:         السلام؟، ولم نحتاج لسلام وطني؟

قاسم:             كيف لإمبراطورية أن تكون بلا سلام ينشده ويردده شعبها؟

نادر:              السلام هوية الإمبراطورية

منخوليا:         يمكنني أن أؤلف سلاما وطنيا

داود:              لا يا سيد منخوليا، اترك الأمر لنا. يكفيك كل المهام التي تثقل كاهلك.

منخوليا:         أنا أحب الموسيقى واستمع لها منذ كنت طفلا، أذني موسيقية

قاسم:             لا علاقة لأذنك الموسيقية بتأليف سلام وطني. داود تكفل بالأمر.

منخوليا:         تكفل؟

داود:              نعم، كل شيء جاهز.

منخوليا:         تقصد السلام الوطني جاهز؟

داود:              نعم يا سيدي

منخوليا:         (وهو يضحك فرحا) أنت مبدع يا داود، لذلك سأعينك وزيرا للموسيقى.

داود:              (بسعادة) شكرا لفضلك يا سيدي، سأكون دائما عند حسن ظنك

منخوليا:         اسمعني السلام الآن.

داود:              حسنا

يتجه للعساكر الموجودين في عمق المسرح. يكلمهم بصوت غير مسموع، بينما منخوليا سعيدا ينتظر ومعه نادر وقاسم، يتجه داود إلى مقدمة المسرح وخلفه العساكر بمشية عسكرية وهم يحملون أدوات مطبخ، قدور وملاعق خشبية وأغطية قدور يتعاملون معها كأنها أدوات موسيقية حقيقة، يتوقف داود ويقف بمواجهتهم بينما الاستغراب باد على وجه منخوليا، داود كأنه قائد أوركسترا يرفع يده ويبدأ العساكر بعزف لحن عسكري بالقدور وأغطيتها وباستخدام الملاعق الخشبية. رغم غرابة اللحن والصوت إلا أن منخوليا يبدو سعيدا جدا. ما أن ينتهوا من العزف، حتى يصفق فيصفق الجميع معه

منخوليا:         رائع، رائع يا داود، أعجبني جدا، سيكون هذا سلامنا الوطني الذي يردد في كل بيت، صباحا ومساءً. في المدارس والمعامل، والمصانع، والشركات، والبيوت حتى. حتى في المطاعم والمقاهي.

يتجه بسرعة قاسم لمنخوليا

قاسم:             يا سيد منخوليا، هذا يتعارض مع قيم الإمبراطورية. نحن لن نجبر الناس، بل متى ما أحبوا، فليرددوا

منخوليا:         صح، لم أفطن للأمر (للعساكر) شكرا لكم.. شكرا داود أيها الوزير المخلص.

داود:              (للعساكر) يمكنكم الآن الانصراف وعليكم أن تكونوا على أهبة الاستعداد لأي طارئ، افتحوا عيونكم جيدا. فأنتم حماة الإمبراطورية العظيمة.. (ينادي) انصراف

يغادر العساكر بمشية عسكرية وسط إعجاب منخوليا، يقترب منه داود، منخوليا يردد لحن السلام الوطني بتنغيمات من فمه، ثم يحفز داود وقاسم ونادر على المشاركة، يشاركون معه، نسمع لحظتها عزف القدور وأغطيتها من الخارج، وهو ما يفرح منخوليا، ينتهون من الترديد

منخوليا:         لحن عظيم، قلت لك يا داود، أذني موسيقية والتقطت اللحن مباشرة وحفظته.

داود:              أقر لك بذلك يا سيدي، واضح تماما، ويكفي أن السلام الوطني لإمبراطوريتنا العظيمة راق لك

منخوليا:         (بفرح) جدا..

يصمتون ينظرون لبعضهم البعض

منخوليا:         والآن؟

قاسم:             ماذا؟

نادر:              لا أدري

منخوليا:         ماذا بعد؟. البيان وقرأته على شعبي العظيم، والسلام الوطني جهز وسيبث في التلفزيون والإذاعة ومنصات الانترنت كلها. ماذا بعد؟

داود:              لا شيء.

منخوليا:         وما الذي سأفعله كإمبراطور؟

قاسم:             (بحيرة) لا أدري، لم اجرب يوما أن أكون إمبراطورا ولا حتى رئيسا في حياتي (لنادر) أتعرف أنت؟

نادر:              لا، ولا أنا.

منخوليا:         أنتم وزرائي المخلصون، قولوا لي ماذا سأفعل، ما الذي يفعله الإمبراطور

داود:              لا تقلق، سنبحث لك عما يفعله الإمبراطور بعد أن يستتب له الأمر.

منخوليا:         ابحثوا جميعا حتى أستريح، إنه يوم طويل فعلا..

يبحث حوله

منخوليا:         أين يجلس الامبراطور. أأظل واقفاً؟

قاسم:             لا يا سيدي، سنجلب لك كرسيا تجلس عليه

منخوليا:         الإمبراطور لا يجلس على كرسي عادي، بل على عرش

نادر:              (وهو ينظر لزميليه) عرش؟، ومن أين نأتي بالعرش؟

داود:              يا سيدي، العرش مناف لقيم الإمبراطورية والمساواة التي قامت عليها.

منخوليا:         وما علاقة العرش بالقيم؟، العرش هو هوية الإمبراطورية، ووجودي عليه دليل قوة الإمبراطورية.. داود، اجلب لي عرشا هنا والآن؟

داود يبدو متورطا..

داود:              حسنا يا سيدي

يغادر داود

منخوليا:         أيعقل أن أظل واقفا؟، لا مكتب ولا عرش، ولا كرسي. بدأت اشك في إخلاصكم

قاسم:             لا يا سيدي، نحن كما كنا ولم يغيرنا أي شيء. نحن مخلصون لك وسنبقى.

يدخل داود، بسرير حديدي، وبعض الاقمشة، والكراسي ويصنع منها بمساعد العساكر أشبه بعرش على صوت مؤثر موسيقي مناسب، وما أن يكتمل حتى يتوجه لمنخوليا وهو يلهث

داود:              انتهينا من صناعة عرش الامبراطور يا سيدي (يشير للعرش الذي صنعه)

ينتبه منخوليا للعرش، ويقفز سعيدا، لكن نادر وقاسم يوقفونه

قاسم:             سيدي لا يصح

منخوليا:         (يستدرك) صحيح، لا يصح.

يتوجه للعرش ويجلس عليه فاردا يديه بكل سعادة

منخوليا:         وأخيرا تحقق حلمي. حلم الطفولة الذي لازمني حتى كبرت

داود:              (باستغراب) أي حلم يا سيدي؟

منخوليا:         أن أكون إمبراطورا، نعم، كان حلمي، امبراطور يهتف الجميع باسمه، غانم أو منخوليا، أو أيا يكن الاسم، وأن أجلس على عرش الامبراطور أنظر لشعبي المخلص الذي يهتف باسمي

صوت هتاف (منخوليا) من الخارج

منخوليا:         كنت أراقب نفسي في المرآة فأرى وجه امبراطور، جسد امبراطور، ملامح امبراطور.. وها أنا صرت إمبراطورا

قاسم:             وها نحن نحقق لك حلمك يا سيد غانم

منخوليا:         (يقاطعه) منخوليا. لا تنس ذلك أبدا يا قاسم.

يأخذ منخوليا مكانه بكل سعادة وهو على عرشه يفتح عينيه ويغمض بعينيه ونسمع صوت الهتافات التي تنادي باسمه (منخوليا العظيم)، يسحب قاسم دواد من يده ويبتعد به

قاسم:             ما الذي سنفعله الآن، أنخبره بكل شيء؟

داود:              لا بد أن يعرف بكل شيء. هو يظن أن كل الأمور باتت مستقرة ومستتبة كما خطط لها وخططنا. لكن من واجبنا أن لا نخبئ عليه أي أمر

قاسم:             ستقول له أنت؟

داود:              نحن الثلاثة، فنحن وزرائه المخلصون له. ولا نريد أن يقرب أحدا غيرنا منه. نحن الثلاثة وكفى، نحن من نخطط ونرسم وننفذ

قاسم:             صدقت، أنا قلق من أن يفكر في توزير أي أحد في أي وزارة من وزارات الإمبراطورية.

داود:              نحن الوزراء فقط، وزراء كل صغيرة وكبيرة في الإمبراطورية، وزراء الطعام، والشراب، وزراء الملابس، ووزراء الشارع والأرض والسماء

قاسم:             وزراء المسرح والسينما والرقص

نادر ينظر لقاسم ونادر ويبدو عليه القلق، يترك منخوليا في عالمه ويتقدم لهما

نادر:              ما بكما؟، هل هناك ما لا أعرفه؟ هل تخططان من ورائي؟

قاسم:             لا يا نادر، أتشك بنا؟

داود:              كنا نتحدث عن كيف يمكننا إخباره بما نعرفه

نادر:              سيعرف بكل الأحوال، يبدو أن نشوة النصر أعمته عن التفكير

قاسم:             من حقه، هو الآن امبراطور الإمبراطورية العظيمة التي تشمل كل العالم، كل بلدان العالم ومدنه وقراه، صارت تحت امبراطوريته. من حقه أن ينتشي

داود:              هو يظن أنه آمن، والامبراطورية آمنة وأنها غير معرضة للخطر أبدا

نادر:              الخطر قادم

في العمق ينتهي منخوليا من جلسته الحالمة، ويفتح عينيه فجأة كمن تذكر أمرا ما، يقوم من جلسته ويقترب من الثلاثة. ينتبهون له ويعدلون وقفتهم استعدادا

منخوليا:         وأنا في عمق حلمي الذي كنت أغوص فيه. تذكرت أمرا ما

داود:              (بنوع من القلق) ما هو يا سيد منخوليا؟

منخوليا:         كيف لإمبراطورية بهذه العظمة، امبراطورية منخوليا، أن لا يكون فيها نساء؟

قاسم:             ومن قال أن لا نساء في الإمبراطورية، شعبك فيهم رجال ونساء وأطفال، وكبار في السن

نادر:              كيف لإمبراطورية أن تخلو من النساء يا سيدي؟

منخوليا:         أين هن، لا أرى إلاكم، أين النساء؟. ثم كيف لا يكون لي وزيرة واحدة من النساء، أيعقل هذا؟

داود:              (بحرج) لا يعقل، أكيد لا يعقل يا سيدي. لكن

منخوليا:         (يقاطعه) اريد نساء، سأعينهن وزيرات.

نادر:              ونحن؟

منخوليا:         ستبقون في مناصبكم، وستبقون الأقرب إلي لأنكم الأخلص، ولن اجد أجد أخلص منكم، لذلك عليكم أن تبحثوا لي عن نساء يصلحن وزيرات

نادر:              لكن

يقاطعه داود ويمسك من يده

داود:              حاضر، سنجد لك من يصلحن ليكن وزيرات في امبراطورية منخوليا العظيمة.

منخوليا:         (يبتسم) تعجبني يا داود، سأعينك نائبا لي

داود:              (سعيدا) أنا؟، شكرا لكرمك

قاسم:             هل هناك مواصفات محددة للوزيرات؟

منخوليا:         أن يكن جميلات، لا يهم القصيرات منهن ولا الطويلات، ولا النحيفات ولا الممتلئات، المهم أن يكن جميلات

داود:              الجمال مهم جدا، فكيف لك أن توزر الدميمات، ماذا سيقول شعبك؟

منخوليا يبتسم لداود ويمد يده ليدعوه للمغادرة

منخوليا:         ابدأوا البحث

يهزون رؤوسهم إيجابا ويهمون بالمغادرة

منخوليا:         قبل أن تغادروا، شنفوا سمعي واطربوا أذني الموسيقية بالسلام الوطني لإمبراطورية منخوليا العظيمة

يدخل العساكر بقدورهم وملاعقهم وأغطية القدور وهم يعزفون السلام الوطني ومنخوليا منتش جدا

إظلام

المشهد الثالث

إظلام، نسمع أصوات قاسم وداود ونادر ينادون

الأصوات:        يا سيد منخوليا، أيها الإمبراطور منخوليا

تفتح الإضاءة على نفس المكان ونفس المنظر السابق، ولكن منخوليا نائم على عرشه، يدخل الثلاثة قاسم ونادر وداود وهم يلهثون حتى يصلوا له وهو ما يزال نائما

قاسم:             (وهو يلهث) نائم

نادر:              لا بد أن نوقظه ليعرف ما حدث

داود:              أتظنون أن سيغضب لأننا أيقظناه

قاسم:             كيف يغضب؟، لا بد أن يعرف ما حدث، وهو من يقرر

داود:              سأوقظه، لن يغضب مني

يقترب من منخوليا الغارق في النوم، وبتردد يمد يده إليه

داود:              (بصوت منخفض) سيد منخوليا، يا إمبراطورنا العظيم.. سيد منخوليا

لا يستيقظ، ينظر داود لرفيقيه، يشيران إليه برفع صوته أكثر

داود:              (يرفع صوته) سيد منخوليا.. يا سيد منخوليا

لا يتحرك ويظل في نومه العميق، يتجه قاسم إليه

قاسم:             (بصوت عال) غانم، يا غانم

يستيقظ منخوليا بسرعة ويقف من مكانه وينظر للثلاثة غير مستوعب

منخوليا:         ظننته صوت أمي وهي توقظني للمدرسة

قاسم:             بل هذا أنا

يفرك منخوليا وجهه بكلتي يديه ليستيقظ بشكل أفضل، ثم يمد يديه ويتنفس

منخوليا:         الآن، قولوا لي، ما الذي يجري؟، لم ايقظتموني؟

نادر:              لدينا خبر لك

منخوليا:         المهم أن يكون خبرا سعيدا، لا أرغب في تعكير مزاجي بأي أمر مزعج

داود:              بل هو خبر سيعدل مزاجك إن كان متعكرا.

منخوليا يبتسم ويبدو مستعدا

منخوليا:         اطربني، فمن غيرك يا داود يطربني

داود:              انت تعرف أن الإمبراطورية مستقرة، ولا مكان لما يعكر صفوها واستقرارها.

منخوليا:         لأننا أقمنا إمبراطوريتنا على العدل والمساواة

داود:              نعم، ولكن هناك من لا يروق له العدل ولا المساواة، هناك من يريد أن يفسد كل هذا

منخوليا:         ومن يكون؟، هل هناك من يتجرأ؟

قاسم:             نعم، هناك. وتوقع دائما أن هناك من سيتجرأ، لذا علينا التأهب

نادر:              لكن لا تقلق يا سيد منخوليا. نحن رجالك الأوفياء. قبضنا عليهم

منخوليا:         على من؟

داود:              على من يريد أن يفسد علينا استقرار الإمبراطورية

منخوليا:         ومن يكون؟. آتوني به، لأعرف ما الذي لا يعجبه في الإمبراطورية، سأقنعه بقيمنا، وسيؤمن بها.

نادر:              نعرف أنك قادر على إقناعه، لكن لا بد من عقابه

منخوليا:         الإمبراطورية لم تقم للعقاب

قاسم:             إنه مارق ويستحق السجن

منخوليا:         لقد ألغينا السجون

داود:              سنأتي به، وتكفل أنت أمره

داود يخرج خارج المسرح ولحظات، ويدخل العساكر وهم يدفعون قفصا فيه رجل وامرأتان، الرجل خمسيني (عامر) والمرأتان في الثلاثينيات (هدى وصفية) مصفدين بالسلاسل، وعليهم يبدو الخوف، يصلون بهم لمنتصف المسرح، يفزع منخوليا منهم ويتراجع

منخوليا:         لم أكن أرغب يوما في أن أرى بشرا داخل قفص. كرامة الإنسان أكبر من أي شيء

داود:              إنهم خونة ويستحقون أكثر من سجن في قفص

منخوليا:         ما الذي فعلوه بالضبط؟

قاسم:             إنهم يحرضون شعب الإمبراطورية عليك يا سيدي. خاصة ذلك الرجل

يقترب منخوليا من القفص ومن عامر

منخوليا:         (بهدوء) لم تحرضهم علي؟، ما الذي ارتكبته أنا؟

عامر:            أنت لا تستحق أن تكون إمبراطورا. ولا بد أن ينتهي كل هذا

منخوليا:         ألا تحب العدل والمساواة، ألا تحب أن تعيش في إمبراطورية كل الناس فيها سواء؟

عامر:             (بسخرية) وأنت من ستحقق ذلك؟، أنت لا تختلف عنهم في شيء

منخوليا:         ليس صحيحا، إمبراطوريتنا قامت على التخلص من كل الأفعال المشينة والسلوكيات الشاذة عن قيم الإنسان، فلا ظلم ولا قهر ولا عنصرية، ألم تسمع البيان؟

عامر:             ما لي وبياناتك. المهم أن تتراجع عن كل هذا الجنون الذي فعلته؟

منخوليا:         جنون أن أؤسس إمبراطورية الحب، والرأفة والاحترام، إمبراطورية العدالة؟

عامر:             (يصرخ) لن تستطيع. هذا مجرد وهم. وأنا لن اسمح لهذا الوهم أن يستمر

داود يقترب من القفص ومن عامر غاضبا

داود:              هيه أنت، كن محترما وأنت تتكلم مع الإمبراطور العظيم. ألا تعرف مع من تتكلم؟

عامر:             أعرفه جيدا. ولا يستحق مني غير هذا

قاسم:             (لمنخوليا) هل ما زلت مصرا على ألا يسجنوا؟

صفية:            (تقاطعه) أنا لا شأن لي، اسجنوهما. أنا بريئة

قاسم:             بريئة؟، أنت معهما

صفية:            لست معهما (لمنخوليا) يا سيد منخوليا العظيم، أنا موالية لك. إسمي صفية، وجئت لأقدم لك فرض الطاعة، فأنت من حققت لهذا الشعب الكبير حلمه بالحرية والكرامة. لكن أصحابك المعاتيه قبضوا علي

منخوليا:         (باستغراب) أتقصدين وزرائي؟

صفية:            هم (تشير لنادر وداود وقاسم) هؤلاء الثلاثة. ألا يفترض بالوزير أن يمتلك حسا وحدسا؟

منخوليا:         نعم، والحس والحدس يمتلكهما وزرائي قاسم ونادر، خاصة داود

صفية:            بل لا يمتلكون أي حدس. كيف اعتبروني خائنة وحبسوني مع هذين الخائنين في هذا القفص؟

منخوليا:         أنت لست معهما؟

صفية:            لا

منخوليا:         ولا تحملين أفكارهما؟

صفية:            لا

منخوليا:         إذا لماذا قبضوا عليك

صفية:            قلت لك معاتيه

داود:              (بضيق) إنها تهيننا أمامك يا سيد منخوليا

صفية:            أنتم من أهنتم أنفسكم (لمنخوليا) يا سيد منخوليا العظيم، أهذا ما يفعل بمناصريك؟. أتقبل بكل هذا؟

منخوليا:         لا، لا أقبل، واعتذر لك نيابة عنهم. ربما ارتابوا منك.

صفية:            وما الذي يدعوهم للارتياب مني. ما الذي فعلته أنا ليرتابوا مني؟

قاسم:             وهل صدقتها؟، لم تعتذر لها

صفية:            يعتذر لأنه إمبراطور عادل       

يبدو أن داود ونادر وقاسم في ورطة ينظرون لبعضهم البعض. بينما هدى وعامر يهمسان لبعضهما البعض وعلى ملامحهما الاستغراب

صفية:            هل ستتركونني هنا في هذا القفص؟. اطلقوا سراحي

منخوليا:         اطلقوا سراحها، من العيب أن تفعلوا بمناصري وشعب الإمبراطورية هذا الفعل.

لا يتحركون

منخوليا:         (بلهجة آمرة) هيا، اطلقوا سراحها.

صفية:            (تهتف) يحيا العدل، ويحيا الإمبراطور العادل منخوليا

يفتحون باب القفص وتخرج صفية سعيدة بالإفراج عنها، وتتجه مباشرة لمنخوليا

صفية:            شكرا أيها الإمبراطور

منخوليا:         عفوا يا صفية

يتجه منخوليا لداود مباشرة وبصوت منخفض

منخوليا:         اسمع يا داود، أنتم لم تجدوا امرأة لتصبح وزيرة. صحيح؟

داود:              صحيح

منخوليا:         ها هي ذي هنا، امرأة جميلة وقوية

داود:              (مصدوما يشير لصفية) هذه؟

منخوليا:         ومن غيرها هنا؟، هي، صفية

داود:              لكننا لا نعرف عنها شيئا. كيف صدقتها دون أن تتحقق من نواياها، ثم تريد أن تعينها وزيرة

منخوليا:         أنا الإمبراطور أم أنت؟.

داود:              لا، أنت

منخوليا:         إذا أنا من يقرر، وانا قررت أن أعينها وزيرة (لصفية) تعالي هنا يا صفية

تركض صفية سعيدة باتجاه منخوليا

صفية:            سمعا وطاعة يا سيدي

منخوليا:         لقد عينتك وزيرة في الإمبراطورية

صفية:            (بسعادة) أنا، شكرا لك يا سيدي. شكرا، لكن وزيرة ماذا؟

منخوليا:         (بحيرة) وزيرة، وزيرة.. لا أدري، المهم أن تكوني وزيرة

صفية:            لا بأس، وزيرة بلا حقيبة

قاسم يتجه لداود

قاسم:             ما الذي يفعله؟

داود:              حاولت ثنيه، ورفض.

قاسم:             من هي لتكون وزيرة

داود:              بلا حقيبة وزارية. لا خوف

عامر:             (من داخل القفص) هيه أنت يا منخوليا

صفية بغضب تتجه لعامر

صفية:            احترم الإمبراطور يا هذا ولا ترفع صوتك

عامر:             سأرفع صوتي وأفضحكم، فكونا من هذا القفص وإلا ستندمون جميعا

منخوليا:         أنا لا أندم. ثم قالت لك وزيرتي الجميلة، اخفض صوتك، إنك تزعجني.

نادر:              ما الذي سنفعله بهما يا سيدي؟

صفية:            السجن، اتركوهما في هذا القفص. هذا مصير كل خائن.

منخوليا:         أنا كنت أرفض فكرة السجن، فلا أريد أن يكون في امبراطوريتي مسجون

صفية:            ولكن الخونة عقابهم السجن

منخوليا:         إذا نسجنهم.

هدى:             (لصفية) ستندمين مثلهم أيضا، لأنك معهم، لن تفلتي من العقاب

صفية:            (وهي تضع إصبعها على فمها) إششششش

منخوليا يضحك

منخوليا:         تعجبني هذه الوزيرة.. خذوهم من هنا

عامر:             لن تفلت يا منخوليا، لن تتخيل ما سأفعله بك يا منخوليا

داود:              (للعساكر) خذوهم من هنا

يأخذ العساكر القفص ويخرجوه من المكان، بينما يبدو على منخوليا الفرح

منخوليا:         بهذه المناسبة، أود أن أحتفل، أريد حفلة كلها غناء ورقص وموسيقى وفرح (ينادي) داود، ناد العسكر ليبدأ الغناء

يخرج داود بسرعة

منخوليا:         (لصفية) قولي لي، ماذا تعملين بالضبط؟

صفية:            انا ممرضة.. (بارتباك) أقصد، طبيبة، نعم أنا طبيبة

منخوليا:         إذا ستكونين وزيرة الأمراض

قاسم:             بل وزيرة الصحة يا سيدي

منخوليا:         بل الأمراض، هي من ستهتم بصحة الإمبراطور وصحة الشعب وشفاءهم من الأمراض

صفية:            شرف لي.

منخوليا:         ستهتمين أولا بصحتي، ربما أمرض، فمن يعالجني غيرك؟

صفية:            أكيد، لكني طبيبة نساء وتوليد

منخوليا:         (مصدوما) أها، لا أريد منك علاجا، سأبحث عن طبيب آخر.

من الخارج نسمع صوت موسيقى صادرة من القدور وأغطية القدور والملاعق، وأغنية سيد درويش (شد حزامك) تقترب

العساكر:         (من الخارج) شد الحزام على وسطك غيره ما يفيدك// لابد عن يوم برضه يعدلها سيدك

يدخلون المسرح وهم يعزفون على القدور، يشاركهم منخوليا الغناء

الجميع:           (يغنون) إن كان شيل الحمول على ضهرك بيكيدك // أهون عليك يا حر من مدة إيدك // ما تياللا بينا انت وياه // و نستعين ع الشقا بالله [1]

إظلام

الفصل الثاني

المشهد الأول

نفس المنظر في المشاهد السابقة، ولكن نرى في أقصى اليسار القفص الذي يتواجد فيه عامر وهدى، ونرى منخوليا على عرشه متململا، يتثاءب، وبجانبه داود ونادر وقاسم وصفية الذين يبدو عليهم الملل أيضا، نادر يقترب من هدى

عامر:             لا بد أن نفعل شيئا، الوضع ما عاد يحتمل

هدى:             سينتهي قريبا، سيعرفون كل شيء، وسيأتون لإنقاذنا، لن يتركونا رهائن عندهم

عامر:             لقد سئمت من بقائي في هذا القفص.

هدى:             تحمل. ولك بعد ذلك الحق في فعل أي شيء تراه

عامر:             لن اسكت على كل هذا التسيب، سأحاسب كل من تهاون وأوصلنا إلى هذا الوضع.

هدى:             وماذا عنها؟

عامر:             ستُعاقب، لن أسامحها أبدا على ما فعلته

هدى:             اسمع، يجب أن تعاقبها وأكون أنا مكانها، فأنا وحدي من استحق

عامر:             حسنا، يكفي أنك معي ولم تخونيني في لحظة حاجتي لك.

ننتقل لمنخوليا ووزرائه قاسم وداود ونادر وصفية

منخوليا:         (بتململ) أشعر بالملل. علينا فعل شيء

نادر:              لا شيء نفعله

داود:              انتهى كل ما في وسعنا فعله

قاسم:             لم لا تصدر بيانا جديدا وتقرأه على شعبك؟

منخوليا:         وما الذي سأقوله بعد فيه؟.

صفية:            أليس هناك زائرين، أشاهد في التلفاز مثلا أن الحكام يزورون بعضهم البعض، ويكون هناك استقبال كبير. وأنا منذ أصبحت وزيرة لم يزرك من الحكام أحد

منخوليا:         (يضحك بسخرية) حكام؟، أي حكام يا صفية. فلا حكام في هذا العالم غيري.

صفية:            صحيح، نسيت

تفكر قليلا ثم بحماس

صفية:            ما رأيك لو فتحنا أبواب قصرك العامر للناس، لشعبك الكريم، ليسلموا عليك

داود:              لا، فكرة غير مجدية.

قاسم:             نحن لم نتهيأ بعد لاستقبال الناس. القصر غير جاهز، نحتاج للكثير من الأثاث

صفية:            إذاً تنزل أنت للشعب وتلتقي بهم

داود:              (يقاطعها) لا، ما هذه الأفكار؟

منخوليا:         وما المشكلة في هذه الفكرة.

داود:              علينا التأكد من أن لا خونة مندسين، لقد اكتشفنا الخائن ومن معه صدفة وهم يحاولون التسلسل إلى قصرك يا سيدي، ولا ندري إن كان هناك من يعاونهم.

منخوليا:         لكن الشعب يحبني

قاسم:             الخونة لا يحبونك

نادر:              وأنا أتفق معهم، فكرة الخروج من القصر غير صائبة أبدا

منخوليا:         كم أنا محظوظ لأني محاط بالمخلصين مثلكم.

داود:              نحن يدك اليمنى دائما.

منخوليا:         أنا أفكر في أمر ما

قاسم:             ما هو؟، نحن جاهزون متى ما أردت

منخوليا:         (يبتسم) ما دمنا انتهينا من تأسيس إمبراطوريتنا، ما رأيكم أن نعقد اتفاقات مع سكان الفضاء؟

الوزراء يبدون مصدومين وهم ينظرون لبعضهم البعض

منخوليا:         اتفاقات اقتصادية وسياسية واجتماعية

نادر:              لكن لا يوجد سكان فضاء

قاسم:             بل يوجد

نادر:              لا يوجد، من قال لك؟

قاسم:             التلفزيون

نادر:              خيالات، لا يوجد، نحن فقط في هذا الكون

صفية:            (وهي تقترب أكثر من منخوليا) وكيف نتواصل معهم، هل هناك طريقة ما؟

منخوليا:         وما أدراني، أنتم وزرائي وعليكم أن تجدوا وسيلة للتواصل معهم

داود:              لكنهم غير موجودين

منخوليا:         شاهدتهم في أفلام السينما

داود:              كما قال نادر، خيال.

منخوليا:         ربما لم يكتشفهم أحد، وعلينا نحن أن نكتشفهم. جدوا طريقة للتواصل معهم.

داود:              (مستسلماً) حسنا، سنحاول، ولكن نحتاج لشخص متخصص

منخوليا:         ابحثوا لي عن المتخصص، وعينوه وزيرا للفضائيين

صدمة على وجوه الجميع، يبتعد نادر ويشير لداود وقاسمن يقتربان منه

نادر:              ما الذي سنفعله، أفكاره صارت غريبة

قاسم:             يصدقها، ويصدق كل ما تقوله

داود:              وأنت تصدق وجود الفضائيين عليك أن تجدهم له

قاسم:             (بحيرة) أنا.. لكني ..

داود:              من اين نجد له شخصا متخصصا في الفضائيين

نادر:              ثم أنه صار يعين كل من هب ودب وزيرا، سيعين كل الشعب وزراء ولن يبقى هناك شعب

داود:              أنا لم أعد احتمل أفكاره الغريبة، سينهار كل شيء بنيناه له.

قاسم:             أظن أن علينا التخلص من هذه المرأة

نادر:              نقتلها؟

قاسم:             لا، فنحن لسنا مجرمين، لكن علينا أن نكشف له من تكون

داود:              ومن تكون؟

قاسم:             لا أدري، لكن لدي إحساس أنها مدسوسة

نادر:              ممن؟

قاسم:             وما أدراني، علينا اكتشاف الأمر.

داود:              سنراقبها بشكل جيد، حتى نعرف كل شيء عنها. لكن علينا الآن أن نبحث عن حل للفضائيين.

نادر:              فكرت في أمر ما

قاسم:             وما هو؟

نادر:              ستريان، اتبعاني

يخرجان معه بينما تبقى صفية مع منخوليا، تقترب منه

صفية:            يبدو أنك متعب يا سيد منخوليا

منخوليا:         جداً، فلم أرتح بعد

صفية:            ارتح

منخوليا:         وشؤون الإمبراطورية؟

صفية:            نحن لها، لا تقلق.

منخوليا:         هل يمكنكم إدارة شؤون الإمبراطورية وأنا نائم؟

صفية:            بالتأكيد، إذا كانت لك حاجة في النوم، فنم. ثق بنا، أو بي أنا على الأقل. ألا تثق؟

منخوليا:         لو كنت لا أثق بك لما عينتك وزيرة. سأنام، ولا توقظوني لأي ظرف.

صفية:            (تبتسم) وهذا دليل ثقتك، ستنام مرتاحا لأن معك وزراء مخلصين

منخوليا، يستلقي على العرش (السرير) ويغمض عينيه، وبشكل سريع جدا يتعالى شخيره، تستغرب صفية منه

صفية:            ما أسرع نومه.

تبتعد عنه وتتجه بسرعة ناحية عامر وهدى في القفص وهما مرتاحان مغمضا العينين، تصل لهما وتطرق على قضبان القفص، ينتبهان ويصحوان

عامر:             (بغضب) أنت؟، ماذا تريدين؟

صفية:            ما رأيكما بالسجن؟

هدى:             ستندمين؟

صفية:            كما يقول الإمبراطور منخوليا، أنا لا أندم

عامر:             بل ستعضين أصابعك ندما على ما فعلته

صفية:            واهم، صدقني أنت واهم، بل ستعض أنت أصابعك ندما على ما تقوله الآن، ستعتذر

يدخل داود وقاسم ونادر ومعهم أحد العساكر وهو يرتدي بدلة ويرتدي نظارة، ينتبه داود لصفية عند القفص، يستغرب ويقترب منها، يفزعها وهو يسالها

داود:              ما الذي تفعلينه؟

صفية:            (بفزع) أنا.. أنا

داود:              لم أنت هنا؟

صفية:            أرى ما الذي يحتاجه الخونة، أوصاني الإمبراطور عليهما فربما يحتاجان لطعام أو ماء

داود:              حسنا، سنتكفل نحن بالأمر، لقد جئنا بمختص في الفضائيين

صفية:            (وهي تنظر للعسكري) أمتأكد يا داود؟

داود:              (بارتباك) نعم، متأكد، إنه متخصص في علوم الفضاء والتواصل مع الفضائيين؟

صفية:            لكنك لا تؤمن بوجودهم فكيف تؤمن بتخصصه؟

داود:              أنا أنفد رغبة الإمبراطور.

صفية:            أنا أعرف أن الرجل لا علاقة له بالفضائيين، ولكنك تريد أن ترضي الإمبراطور باي طريقة.

داود:              وما الذي أفعله؟، طلباته غريبة.

صفية:            سأسكت عن خداعك له، بشرط أن تبعد من رأسك الشك في، أنا مثلي مثلك مخلصة للإمبراطور، وإن فكرت يوما في إيذائي وإيصال شكك للإمبراطور فإني سأفضحك يا داود واخبره أنك تخدعه

يقف داود مصدوما، لا يتحرك  

صفية:            ما رأيك؟

داود:              أنا..

صفية:            أعلم أنك موافق على الشرط، هيا سأوقظه ليقابل المتخصص المزيف

تبتعد عن داود وتتجه لمنخوليا بينما يقف داود ما زال يقف مصدوما. بينما يراقب عامر وهدى ما يحدث

عامر:             إنها تلعب لعبة كبيرة

هدى:             ليست سهلة أبدا، يجب أن نفضحها ونفسد مخططاتها

عامر:             لا، سنراقب فقط. لن نتدخل

صفية يبدو أنها أيقظت منخوليا الذي يصحو وعلى وجهه السعادة، يتجه داود إليهم، ينتبه منخوليا له

منخوليا:         دائما ما تحل المشكلات يا داود، لا يوقفك شيء

صفية:            نعم الوزير المخلص، لن تجد من هو أكثر إخلاصا لك منه.

منخوليا:         (للعسكري) اقترب أيها المتخصص

يقترب العسكري بنوع من الارتباك، ينظر لداود

منخوليا:         هل يمكننا التواصل مع الفضائيين؟

العسكري:        نعم، الأمر سهل جدا، أنا لي علاقات طويلة معهم

منخوليا:         جميل، سأخبرك بما أريده، لدينا بعض الاتفاقيات التي نريد أن نعقدها، وأنت ستتولى الترجمة والتواصل، وسأعينك وزير للفضائيين

العسكري:        أنا تحت طوعك يا سيدي، سأبدأ بالتواصل معهم أولا وأعرفهم عليك وعلى الإمبراطورية، وأنا متأكد أنهم سيرحبون

منخوليا:         أحسنت أيها الوزير. أنتظر منك النتائج سريعا. يمكنك المغادرة الآن والبدء بالعمل بسرعة.

يحيي العسكري منخوليا تحية عسكرية وسط استغراب منخوليا وارتباك داود الذي يشير له بالمغادرة بسرعة

داود:              ما رأيك أيها الإمبراطور؟، هل أنت مرتاح الآن؟

منخوليا:         جدا، الان اطربوني بالسلام الوطني لإمبراطورية منخوليا

يسمع صوت السلام الوطني من الخارج، يقف منخوليا وقفة عسكرية ويقف بجانبه نادر وقاسم وداود وصفية التي تقلد وقفتهم العسكرية، يغادرون بمشية عسكرية بينما صفية تنظر لعامر وهدى بنظرات تشفي، يخرجون من المسرح

إظلام

المشهد الثاني

المنظر نفسه، المسرح لا يوجد فيه أحد غير القفص الذي يحبس فيه عامر وهدى وهما داخله متعبان

عامر:             (يتأوه) آآه، تعبت يا هدى من هذا القفص الضيق، ما الذي يحدث لنا بالضبط؟

هدى:             لا أظن الأمر سيطول

عامر:             ولكنه طال، كأنهم لا يدرون عنا ولا عن ما يجري علينا. تركونا

هدى:             سينتبهون لغيابنا، ويتحركون.

عامر:             هذه أكبر فضيحة في حياتي المهنية، 25 عاما في هذا المجال ويكون مصيري قفص، أنا يا هدى يحدث لي كل هذا؟

هدى:             لاحقا، لا بد أن نزيد من حرصنا جدا. وربما يكون هناك من تواطأ معهم من الداخل، أشك في صفية، هي من هيأت لهم كل الظروف

عامر:             (باستغراب) أتظنين؟

هدى:             بل متأكدة، لقد انقلبت علينا وتنصلت من مسؤوليتها. يبدو أنها مثلهم، لا بد أن نتأكد من سلوكياتها جيدا

عامر:             لن يمر الأمر بسلام، سيكون عقابها أكبر مما تتصور

هدى:             قلت لك مراراً، ثق بي أنا

يدخل داود في هذه اللحظة وخلفه العسكري (الذي يدعي التخصص في الفضاء) ويبدو على ملامحه الإحباط

العسكري:        قلت لك يا سيد داود، لم يردوا، كتبت لهم مرارا ولا رد وصل

داود:              وما الذي ستفعله الآن؟

العسكري:        أفكر في السفر إليهم، أنا أجهز مركبة فضائية للسفر إليهم والتفاهم معهم. وسأعاتبهم على عدم ردهم على رسائلي

داود:              نحن هنا وحدنا، منخوليا ليس موجوداً. فلا تشغلني بادعائك.

العسكري:        أي ادعاء؟، أنا لا أفهمك

داود:              أنت لست مختصا بالفضائيين، ولا وجود للفضائيين، أنا وأنت ادعينا ذلك

العسكري:        لن اسمح لك يا سيد داود أن تشكك في تخصصي ولا في يقين وجودهم

داود:              (يدفعه) عد إلى سريتك أيها العسكري

العسكري:        سأمررها لك هذه المرة، لكنك تتجاوز حدودك

داود:              (بغضب) أنت مجرد عسكري..

العسكري:        (يقاطعه) بل وزير، مثلي مثلك، لا تختلف عني.

داود:              (بغضب وتحد) سأصدر قراراً بحبسك

العسكري:        ليس في يدك القرار، أنا وزير عينت بأمر الإمبراطور

داود:              وسأخبره بمن تكون

العسكري:        (متهكما) ستكون في ورطة. سيحبسك انت أولاً

داود يصدم ويقف مبهوتا

العسكري:        هل سترافقني إلى رحلة الفضاء؟

داود:              اذهب وحدك

العسكري:        منذ كنت صغيرا كنت أحلم بأن أسافر إلى الفضاء وأتعرف على الفضائيين، وها هي الفرصة تطرق بابي

يغادر العسكري وهو يضحك بينما يبقى داود مغبونا ينظر حوله، تدخل عليه صفية في هذه الأثناء وهي تبتسم متشفية، تقترب منه

صفية:            لقد سمعت كل ما دار بينكما

داود يرتبك

صفية:            لقد انقلب عليك، يا لك من مسكين يا داود

يبتعد عنها بضيق

صفية:            أنت لا تصلح فعلا لأن تكون يد منخوليا اليمنى. أنت فاشل

داود:              (بغضب) لا تتجاوزي حدودك معي

صفية:            عسكري بسيط خدعك، وصرت أنت تحت رحمته. كيف يمكنك التعامل مع كل مشاكل الإمبراطورية

داود صامتا لا يتكلم، ولكنه يبدو غاضبا

صفية:            ما الذي ستفعله لو طرأ خطر على الإمبراطور نفسه؟، أنت أكثر شخص يمكن اختراقه، بسهولة تمكن منك العسكري. وصار وزيرا مثله مثلك

داود:              (بغضب) بل أنا يد الإمبراطور اليمنى، أنا من أخطط وأنفذ، هو مجرد اسم. أنا من أحكم، أنا من هيأت له كل الظروف ليصبح امبراطورا

يدخل قاسم ونادر في هذه اللحظة

صفية:            ولكنك مجرد وزير، هو الإمبراطور، هو الحاكم

داود:              مجرد شخص وضعته في كرسي الحكم، لكن أنا الحاكم الفعلي.

يدخل منخوليا في هذه الأثناء أيضا ويسمع كل ما يدور

داود:              هو لا شيء دوني، أنا الكل وهو الجزء. أنا الفعل وهو الإسم. أنا داود حاكم الإمبراطورية

صفية:            نحه من كرسيه، واجلس مكانه

داود:              لو اردت، لفعلتها.

صفية:            ما الذي يمنعك؟

داود:              لست مهووسا بالحكم ولا بالسلطة. هو المهووس، هو من يريد أن يصبح حاكما، امبراطورا، حتى اسم الإمبراطورية اختارها لتناسب مقاسه

يقترب منخوليا منهما دون أن ينتبها له وهو يستمع لما يدور

داود:              أنا أفعل كل هذا لأغذي هوسه بالسلطة، هوسه بذاته

صفية:            أنت واع إذا لكل ما تفعله؟

داود:              نعم واع.

يقاطعهما منخوليا محبطا

منخوليا:         وأنا لست بواع؟

ينتبهان له ويدوران له، يفزعان

منخوليا:         أنا المهووس يا داود؟.

داود:              (بارتباك وخوف) أنا أقصد..

منخوليا:         مهووس؟، (بغضب) لا أستبعد أن تصفني بالجنون حتى

صفية:            اهدأ يا سيد منخوليا، الأمر لا يحتاج إلى هذا الغضب، هو لم يصفك بالجنون، ثم أن داود فعل كل ما فعله من أجلك

يقترب قاسم ونادر منهم

نادر:              لا تغضب يا سيد منخوليا، داود لا يقصد إهانتك

قاسم:             أنت تعرفه وتعرف أن كل ما حققته في هذه الإمبراطورية كان من تخطيطه

منخوليا:         (بغضب) بل تخطيطي أنا، هو نفذ فقط. أنا الكل في الكل، هو لا شيء

نادر:              هو من اقنعك

قاسم:             هو من خطط لك

منخوليا:         هل أنتما معه؟

نادر:              (بخوف) بل معك يا سيد منخوليا

قاسم:             وأنا معك، نريدك فقط أن تهدأ

منخوليا:         لقد أفسد علي يومي

صفية تقترب منه لتهدئته

صفية:            اهدأ يا سيدي، كطبيبة أنصحك بالهدوء، صحتك أولاً

منخوليا يبتعد عنهم ويجلس على عرشه

منخوليا:         (بغضب) احبسوه

داود يبدو عليه الصدمة، تتجه صفية له

صفية:            كيف تحبس يدك اليمنى؟، ثم أنه لم يرتكب أي خطأ

منخوليا:         أنا من أحدد إن كان أخطأ أم لم يخطئ.

قاسم يتوجه له

قاسم:             إنه وزيرك الأول، فكيف تحبسه لمجرد رأي؟

منخوليا:         لا رأي إلا رأيي أنا

نادر:              لم يسء لك يا سيد منخوليا

منخوليا:         بل أساء لي وأساء لنفسه وعقابه الحبس (ينادي بصوت عال) أيها العسكر، أيها العسكر

يدخل العسكر بمشية عسكرية يقفون مستعدين

منخوليا:         خذوا داود واسجنوه

لا يتحرك العسكر، يستغرب منخوليا ويقف

منخوليا:         قلت لكم خذوه، أنا آمركم

لا يتحركون

منخوليا:         لم لا تنفذون أمري، خذوه واحبسوه، خذوه

لا يتحركون وسط استغراب الجميع

داود:              أتدري يا منخوليا لم لم ينفذوا أمرك؟، لأنك لست حاكمهم، أنا حاكمهم، أنت مجرد اسم. بلا سلطة

منخوليا:         (بغضب وتحد) بل أنا الحاكم، أنا الإمبراطور

داود:              أتريد أن تجرب من يحكم؟

ينظرون جميعا لبعضهم بالانتظار

داود:              أيها العسكر احبسوا منخوليا

يتحرك العسكر باتجاه منخوليا ويقبضون عليه وهو يقاوم ويصرخ

منخوليا:         ما الذي تفعلونه؟، أنا الإمبراطور، أنا حاكمكم

صفية:            ما الذي تفعله يا داود؟

داود:              اثبت له ولكم أنه مجرد اسم (للعسكر) اتركوه

يترك العسكر منخوليا المصدوم

داود:              سأتركك وحدك، اسم بلا معنى، فأنت لا معنى لك دوني، منخوليا اسم مجرد. دون داود أنت لا تصلح للحكم. أنا أستقيل من كل مهامي في إمبراطوريتك المريضة. أنت الآن بلا عسكر وبلا يد يمنى

منخوليا:         سأعين صفية يدي اليمنى، أو قاسم أو نادر، وانت إذهب إلى الجحيم

يضحك داود، ويغادر وخلفه يغادر العسكر، يبقى منخوليا مصدوما، لكنه يحاول التماسك

منخوليا:         إلى الجحيم، لا يهمني أن تتركني، أستطيع تدبر أمري وحدي دونك

قاسم ونادر يهمان بالمغادرة، ينتبه لهما منخوليا

منخوليا:         إلى أين؟

قاسم:             لم يعد لنا مكان معك

منخوليا:         ولمَ؟، أنا الإمبراطور

نادر:              لكن دون قوة، أنت ضعيف، مجرد اسم، سنبحث عن قوة، والقوة عند داود

قاسم:             اسمح لنا أن نتنازل عن مهامنا، نحن من هذه اللحظة مع داود

يغادران وسط صدمة منخوليا الذي ينهار

منخوليا:         تركوني، كلهم تركوني، ما الذي فعلته ليتركوني، أنا إمبراطور منخوليا العظيم، أنا من سيسود في عهدي العدل والمساواة والكرامة، أنا من سينهي كل أشكال الظلم، تتركونني؟، أنا منخوليا الإمبراطور العادل

يبكي منخوليا

منخوليا:         أيها الخونة، طعنتموني في ظهري. لكن منخوليا لا يستسلم، منخوليا قوي رغما عنكم، قوي دونكم، قادر على أن يقف صامدا في وجه كل خيانة، أنا إمبراطور منخوليا العظيم

في هذه الاثناء تتسلل صفية بكل هدوء للقفص، وتفتحه لعامر وهدى وتحررهما منه وسط استغرابها، يخرجون بسرعة ومنخوليا وحده

منخوليا:         أنا منخوليا العظيم، إمبراطور منخوليا العظيمة، أنا لا أضعف، أنا القوي وأنتم الضعفاء. أنا الفعل والاسم وكل الحروف، أنا الذي جمعتكم وصنعت لكم مجدا، كنتم لا شيء دوني، شعبي معي، بهم أصبح أقوى، هم جيشي وحكومتي

يدخل عامر وقد ارتدى معطف طبيب ومعه هدى تردي ملابس ممرضة وصفية معهما ترتدي ملابس ممرضة أيضا، ومعهم اثنان من رجال الأمن، الطبيب بيده معطف أبيض خاص بتقييد المجانين، بكل هدوء يقتربون من منخوليا ويقيدونه ويلبسونه المعطف لتقييده وهو يقاوم ويصرخ

منخوليا:         هي أنتم، أتعرفون من أنا؟، أنا منخوليا العظيم.

عامر:             قيدوه بشكل جيد حتى لا يفلت

صفية:            حسنا يا دكتور

منخوليا:         من تكونون؟، أنتم خونة.

عامر:             انتهى كل شيء يا غانم.

منخوليا:         بل منخوليا

عامر:             غانم، اسمك غانم فقط (لرجلي الأمن) ادخلوا البقية هنا واطلبوا دعما (لهدى) اتصلي ببقية الأطباء والممرضين في العنابر الأخرى ليمدونا بالدعم

منخوليا:         ما تفعلونه خطير جدا، هذه خيانة

يخرج رجلا الأمن، وتخرج هدى سريعا ومنخوليا يقاوم

عامر:             (لصفية) شكراً يا صفية

صفية:            لا تشكرني يا دكتور عامر، هذه وظيفتي

عامر:             اعذريني لأني شككت في نواياك

صفية:            كان لا بد أن أفعل شيئا وأنا أراك محبوسا في القفص، لو كنت معكم لما انتهى هذا التمرد

عامر:             ظننت أنك مثلهم، مجنونة تبحث عن وهم

صفية:            (تضحك) ومع هذا كانت لعبة ممتعة، أصبحت وزيرة الأمراض

يدخل رجلا الأمن وهما يسحبان نادر وداود وقاسم والعسكر وهم مقيدون، يقترب عامر منهم

عامر:             أهلا بالعقل المدبر، داود

داود:              يا دكتور لا ذنب لي، هو، غانم

عامر:             ما عدت أعرف إن كنتم فعلا مرضى أم عقلاء، كيف تمكنتم من فعل كل هذا في دقائق.

قاسم:             داود هو من خطط، نحن ننفذ فقط.

داود:              (منكرا) لست أنا، غانم يريد أن يصبح منخوليا العظيم

تدخل هدى وتتجه لعامر

هدى:             الدعم قادم يا دكتور

عامر:             لقد ارتكبتم خطأ كبيرا بما فعلتم، عرضتم سلامة الممرضات وبقية المرضى للخطر.

منخوليا:         نحن لم نخطئ، نحن نصنع مجدنا بإمبراطورية العدل والمساواة، ومجد كل البشرية

عامر:             كلام جميل، العدل والمساواة والحرية، كلنا يتمنى أن يعيش في بلد بلا ظلم، لكنها مجرد أمنيات.

منخوليا:         لو تركتموني كنت سأحقق لكم كل ذلك

عامر:             كيف نترك مريضا عقليا، مجنونا يحقق لنا أمنياتنا بعالم بلا ظلم.

منخوليا:         أنا لست مجنونا، أنا إمبراطور عادل

عامر:             انت لا تختلف عن أي أحد، مثلك مثلهم، حين وجدت نفسك مهددا نسيت كل هذه القيم التي تسكن رأسك، دستها بحذائك، هذا ما فعلته بداود الذي وقف معك وخطط لك ونفذن أمرت بحبسه

منخوليا:         (يصرخ) لأنه خائن

عامر:             لم يخنك، بل كان يفعل كل شيء من أجلك.

صفية:            ما الذي سنفعله الآن يا دكتور؟

عامر:             اعيدوا الجميع إلى عنابرهم، لكن ابقوا نادر وقاسم ومنخوليا في غرف انفرادية، سينتظرهم علاج جديد، ينهي كل هذا الوهم في رؤوسهم. لا بد أن نمحو كل ما حدث من ذاكرتهم وكأن شيئا لم يحدث. خذوهم

منخوليا:         أتظن يا دكتور عامر أنك ستمحو ذاكرتنا، لن يمكنك ذلك، فمنخوليا حي وسيبقى، حي في ذاكرة كل شعبه الذين يحبونه، منخوليا العالم الأفضل، كل شعبي يتوقون للعيش في إمبراطورية منخوليا العظيمة، بلا ظلم ولا ضيم ولا فقر.

عامر:             خذوهم. ولننسى ما حدث، كأنه لم يكن ابدا

يتحرك رجلا الأمن والممرضتان بالجميع بينما يقاوم منخوليا وهو يصرخ، لكن صراخه يختفي بالتدريج مع تصاعد صوت السلام الوطني لإمبراطورية منخوليا، الذي يطغى على كل صوت.

انتهت

10 أكتوبر 2023


[1] هذه أغنية مقترحة، ويمكن إبدالها بأي أغنية تناسب حسب الرؤية الإخراجية

أضف تعليق

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑